عدنان الصباح يكتب لوطن .. ثورة الروح ضد ثروة القتل

05.05.2023 03:55 PM

علينا ان نعترف ان الثروة تكدست لدى أصحابها من قدرتهم على امتلاك السلعة الاولى في التاريخ وهي الانسان نفسه فلو لم يكن ممكنا امتلاك شخص يقوم بالعمل نيابة عنك فيحضر لك ما تريد من مكونات الطبيعة البكر او حتى تجرب به ان كان ذاك المنتج الطبيعي مناسبا للأكل على سبيل المثال ام لا وهل يتخيل البشر اليوم كم من العبيد ماتوا لتجريب نبتة سامة ان كانت تصلح للأكل ام لا كما هو الحال حين نسأل كم من العبيد ماتوا في بناء الاهرامات او المدرجات الرومانية واليونانية وما الى ذلك.

السلعة الاولى اذن منتجة بالمعنى الملموس لذاتها من اللاشيء فلا قيمة مادية لها الا بقيمة اليد التي اتت بها وهي يد العبد او القن فالمنطق يقول " للأسف منطق لا يذكره ولا يريد ان يذكره أصحاب السلطة " ان الارض في الأساس كل الارض ملك لناسها فجميع الاديان والفلسفات تقر بالعقل او بالإيمان الديني ان لا أحد يملك الحق بالادعاء ان هذه الارض ممنوحة له من الله.

الارض اذن ملك الجميع والجميع من فوقها متساوون فكيف صنعت التراتبية الطبقية هذه اذن الا بفضل القوة التي اعتمدت في البدء على التمايز الفردي في القدرات البدنية التي أخضع فيها القوي الضعيف لصالح خدمته شخصيا ثم تحول ذلك الى فعل جمعي باستخدام أعداد من العبيد لخدمة سيد منهم عبر زيادة عدد العبيد بالاخضاع  من خلال القوة الجماعية الاكثر من جماعة اخرى وصار الفوز ينتج سلعا عديدة من البشر العبيد حتى أصبح العبيد جيوشا كاملة تخدم سيدها في كل شيء وصار إنتاج السلع الطبيعية بجمعها وترتيبها كجمع الحيوانات والنباتات للأكل والمتاجرة او الحجارة للبناء او المعادن للأدوات والوسائل التي باتت ضرورية بتطور حاجات وادراكات البشر.

لنرى الصورة بوضوح السيد يريد قطيع من البقر فما عليه الا ان يأمر عبيده فيجمعوا البقر ويحولونها الى سلعة بذاتها لإنتاج اللحم للأكل مثلا او منتجة لسلعة اخرى " حليبها وجلدها وشعرها وقرونها " فالقيمة الحقيقية للسلعة الأولى " الانسان العبد " هي قيمة إلهية لا يملكها بشر ولا يحق الادعاء بامتلاكها لبشر حتى لمن لا يعتقدون بوجود الله والا فان القول باننا نعيش في غابة الحيوان الاقوى يبح حقيقة لا نقاش فيها.


السلعة الثانية أي السلعة المستخرجة من الطبيعة لصالح صاحب السلعة الأولى قيمتها جاءت فقط من اليد العاملة ولولا يد العبد التي استخرجتها او حضرتها او جربتها على ذاتها او اعادت تشكيلها لما كان لهذه المادة الموجودة في الطبيعة أية قيمة على الإطلاق فالقيمة هنا بمجملها فائضة ولا ينطبق عليها فائض القيمة لان المكونات والادوات جاءت بلا ثمن سوى قوة المالك الشخص أولا ثم الحاكم ثانيا او السيد من حاشية الحاكم او بطانته.

صحيح ان مرحلة الاقطاع ادخلت ادوات انتاج بسيطة ولكنها ايضا ظلت تستند الى قوة السلطة او سلطة القوة ان جاز التعبير ولم يكن يحتاج الاقطاعي الى ان يبذل شيئا في سبيل ما يملك ليدر عليه دخلا ويمنحه المال والقوة وظلت اذن القيمة فائضة كليا لخزنة الحاكم وبطانته من الإقطاعيين.


كما قلنا الرأسمالية غيرت قليلا في المعادلة وتحول المال المجموع عبر العصور و المتكدس لدى ورثة اللصوص الأوائل الى جزء من مكونات السلعة الرأسمالية الحديثة والتي باتت تأخذ اشكالا وانماطا متطورة ولغايات مختلفة أهمها غايات الحرب التي استخدمها الرأسمالي المعاصر وسيلة لا اخضاع جماعات بل لإخضاع  شعوب وامم وكما فعل المتوحشين الاوائل بأدوات القتل البدائية تطور القتل واخذا اشكالا وانماطا وأدوات عصرية وحديثة وباتت تظهر وكأنها تنفذ اوامر الهية احيانا او قيما دنيوية لا يناقشها احد كالحرية والعدالة والديمقراطية التي تتسلح بها الرأسمالية اليوم لتبرير اعتداءاتها وجرائمها على مدى الارض

اللصوص الأوائل مبتكري شريعة الغاب الذين سرقوا خيرات الارض والسماء واستعبدوا ابناء نوعهم من البشر بكل الوسائل الممكنة وغير الممكنة عادوا من جديد الى بدائيتهم ولكن هذه المرة بشكل انيق ومتطور وحضاري فقد توقفوا عن فعل الاستعباد المباشر للبشر واخترعوا انواعا كثيرة وفي مقدمتها استعباد العقول لكن الاخطر كان العودة المباشرة الى سرقة الطبيعة علما انها ملكية عامة كانت ولا زالت وتبقى فعلى اثر الوصول الى اقتصاد المعرفة وثورة الاتصالات والثورة الرقمية بات الهواء هو الذي يباع لنا ونشتريه لصالح اللصوص أنفسهم دون تكلفة تذكر وهم بالتالي عادوا الى طبيعتهم مستخدمين شريعة الغاب فقد توقفوا عن الاستعباد المباشر للإنسان لينتقلوا لاستعباد عقله أو استعباده جزئيا بما يسمى شراء وقت العمل منه لكن الأخطر كان السطو على إبداعات العلماء والمبدعين والمخترعين ولعل جائزة نوبل شاهد على طريقة السطو على الاختراعات وتحويلها الى وسائل للسطو على قوت البشر فلم يبتكر اصحاب راس المال شيئا بل استولوا على ما ابتكره وابدعه العقل الإنساني منذ اول اختراع حتى الذكاء الاصطناعي الذي نعيش تجلياته اليوم وحولوه الى أدوات لجني المال ومواصلة تكديسه على حساب رخاء البشرية وحياة البشر.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير