إنذار مبكر، الزراعة في خطر- د.عبدالحميد البرغوثي

29.03.2013 03:29 PM
رام الله - وطن للانباء: قرأت خبر التحضير لمشروع إنذار مبكر وإستشعار عن بعد لمخاطر الزراعة بقيمة 4 مليون يورو تقريباً، فلم أتمالك قلمي وكتبت. مع ملاحظة أن العنوان في الجريدة مخادع وكتب و:ان المشروع للحد من الكوارث.

قبل 15 سنة، وبعيد إنشاء وزارة الزراعة (1997) كان هناك برنامج طموح لبناء قدرات الوزارة في التخطيط وتحليل السياسات وكان على رأس الأنشطة بناء قاعدة معلومات وبيانات للزراعة لتسهيل هذه المهمة ودعم القرار الزراعي والسياسي الزراعي.

وفي السنة الثانية أسقط هذا النشاط بقدرة قادر وحتى في تقييم المشروع لم يظهر هذا البند، ربما لم يكن مهم متابعة المزارعين وجمع المعلومات عن الزراعة في تلك السنوات الأولى عندما كانت الزراعة تعني القطاع الأوسع من مواطنينا وشعبنا وأسرنا. وعندما أثيرت مسألة تغييب المعلومات وبناء نظام معلومات زراعي تم التطنيش وإستمر العمل في البرنامج وصرفت الملايين في تحليل بيانات خلقت بسرعة من أجل التحليل وذهب التمويل على دراسات وزيارات ومشاركات وجولات وربما وضع نظام معلومات حول المشاريع الزراعية الذي أدارته منظمة الأغذية إياها.

بعد بضع سنوات وضع نظام معلومات ومتابعة لإنعدام الأمن الغذائي لتنفيذه من قبل منظمة الأغذية والزراعة الدولية إياها ونظراً لإنعدام المعلومات تم تحويله إلى تقديرات القيم الغذائية والوضع الصحي للأسر الفلسطينية وذهب القسم الأكبر من التمويل في بناء قدرات بعض المسؤولين في الخارج، ولم يعودوا في البلد من أصله. وذهبت الملاين مع الغذاء وحيث يذهب.

وصرفت ملايين في بناء سجل للزراعة والمزارعين في الجهاز المركزي للإحصاء بالتعاون مع وزارة الزراعة كان ثمرة جهود مضنية للتفاوض مع الممول (إيطاليا) ولكنه حصل وتوفرت البيانات عن المزارعين والزراعة، يمكن الإنطلاق منها لبناء نظام معلومات وبيانات عن المزارعين سبق وورد ذكرة وشرحه وشرح متطلباته في قانون الزراعة لعام 2003 والذي لا زال ينتظر اللوائح الداخلية لتنفيذه، وربما ألقيت في الأدراج لأنها غير مشجعة أومغرية للتمويل.

والآن تخرج علينا وزارة الزراعة ومنظمة الأغذية والزراعة إياها، بنظام إنذار مبكر للكوارث والتعويض مبنية على التجارب العالمية والإستشعار عن بعد وبخبرات أجنبية وخبراء أجانب وبملايين اليوروهات تقترب من الأربعة. أين كانت هذه الجهود يا وزارة الزراعة عندما تعرض مزارعنا للتجريف والمصادرة وأشجارنا للقلع وأراضينا للمصادرة وخرافنا للتسميم؟ هل قاعدة البيانات الخاصة بخسائر القطاع الزراعي سيبنى عليها أم أنها ذهبت أدراج الرياح وإنتهى مفعولها وتمويلها؟ وهل سيأتي جيل جديد من الأنظمة المعلوماتية الأكثر ذكاءاً ويمكن باللمس وبقرون إستشعار وبالأقمار الصناعية؟ ألم تبني وزارة الزراعة قاعدة معلومات عن الخسائر وعوضت المزارعين بناءاً عليها منذ 2007 وراكمت من الخبرة ما تصدره للدول التي لم تتعرض للتقليع والمصادرة وهدم البركسات ... ألخ. ولا زلت أذكر أحد الاصدقاء والذي جاء مع باقة من المزارعين يشكون خسائرهم قائلين، لم نبكي عندما خسرنا ولكننا بكينا عندما تم التعويض. فقد خسر البعض وتم التعويض على آخرين. واليوم تستغل مشاكل المزارعين ومآسيهم لتعبئة جيوب آخرين وإشباعهم رحلات وجولات وورش عمل ودراسات وإستراتيجيات ونظم معلومات. متى يا وزارة الزراعة تنظرين إلى المزارع لنصرته والنهوض بحالة وحل مشاكله؟ بدل إستغلال مشاكله للنهوض بأحوالكم؟

كم من المشاريع قدمت لبناء قدرات المزارعين في ترقيم الأغنام وكل ما دب على الأرض بأربعة وإستخدمت أنواع عديدة من الأرقام وخزقت آذان الأغنام مرة ومرتين وبعضهم ثلاثة، كونه مدفوع من الدول المانحة وفيه لقمة للمنفذين؟ أين وصلت هذه الجهود وتلك المشاريع؟ وكيف كان التقييم لنتائجها؟ وما هي التوصيات؟ وهل هذه التدخلات الآن نتيجة لتلك التدخلات والتقييم أم أنها فرصة جذابة للتمويل وبعزقة للفلوس على البعض الذين سيقدمون الدراسات والإستشارات والرحلات المحلية والخارجية وبعض أرقام الآذان البلاستيكية أو الذكية ... ألخ. أعتقد ان فلسطين ستدخل موسوعة جينس للأرقام القياسية في بعزقة فلوس المانحين، وهذا إنجاز يضاف إلى المسخن والمفتول.

نعود للمخاطر، فأهم ما يواجه المزارعين من المخاطر بعد الإحتلال وإجراءاته وإفرازاته ياتي إجراءات وزارة الزراعة وتخبطها والسياسات التي لا تضع المزارع وإبناء القرى والأرياف على قمة الأولويات كمستفيدين وتضعهم كسلعة لجلب التمويل. فهل سيستشعر لنا هذا النظام المبجل متى التعديل الوزاري القادم؟ وهل سيتنبأ لنا عن بعد من سيتسلم حقيبة الزراعة؟ أو كيف سيكون مزاج الوزير في اليوم التالي وماهية القرار الذي سيدعمه عشرات المستشارين والمدراء العامين والوكلاء المساعديي والوكيل؟ فنحن على ما أجزم نفتقد لمأسسة السياسة الزراعية على الاقل، هذا إن وجدت سياسة زراعية من حيث الاصل، وإن كنت من المقتنعين أن عدم وجود سياسة زراعية هو أوضح سياسة.

أشعر بالحزن فعلاً لأن الوزارة التي يفترض أن تضع نصب عينها المزارع وهمومه وآمالة لا زالت تضع المزارع في نهاية الأولويات وينظر إليه كأداة لجلب التمويل لا كأغلى ما نملك وكحارس لذرات العيون وهي الأرض والجبل والشجر.

من الواضح أن هناك ملايين مرصودة للقطاع الزراعي من قبل الدول المانحة، فهل هي مرصودة لتذهب هباء دون حسيب أو رقيب أم أن هناك من يتابع الأمر ويسأل، أين ذهبت هذه الأموال؟ وماذا حل بالمشاريع؟ أم أن التقييم الذي يتم لهذه المشاريع داخلي أو خارجي ومعروف نتائجه وسيعطي 100% وذلك من أجل جلب مزيد من التمويل.

أين دور الجهات الوطنية الأهلية والمدنية الحريصة على مصلحة الزراعة والمزارع والأرض، أم أن المشكلة أكبر منهم؟ أم أن لهم حصة في هذه الكعكة وعليهم بالسكوت، وإلا ضاعت عليهم الفرصة؟ هل أطعمت هذه المنظمات فإستحت ولم تعد ترفع الصوت في وجع هذا العبث وهذه البعزقة للأموال.

أحمل المسؤولية للمنظمات الأهلية والمجتمع المدني الذي يرى ويسكت ولا يحرك ساكن، والأحزاب والمنظمات التي تدعي الحرص على المواطن والمزارع ولا تتحرك لوضع الأمور على نصابها. الكل يرى ما يحصل ويعرف أن المزارع صاحب الأرض قد همش؟ وأن الزراعة تتراجع خاصة ببعدها الإجتماعي والوطني. أين القوى الوطنية التي يفترض أن يشكل الهم الوطني أولويتها، نتفق على اللاعنف تجاه الإحتلال فهل نحن متفقون أيضاُ على تهمييش المزارعين وأبناء البلد وفك إرتباطهم بالأرض؟ هل نقول أن إسرائيل حاولت تهميش الزراعة ولم تنجه وها هي السلطة تفك إرتباط المزارع بأرضه من خلال مشاريع وهمية تذر أموالها وأرضنا في الهواء.

أكتب هذا وأنا على يقين بأن لا شيء سيتغير، ولكني قد بلَّغت. وواجبنا أن لا نسكت، فأموال المانحين ذاهبة وعلينا التشبث بالأرض لأن من يقوم عليها يستحق الحياة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير