قرض صندوق النقد.. مصر في براثن الاستعمار الاقتصادي

13.09.2016 05:51 PM

وطن- وكالات: عندما يتعلق الأمر بالأحداث الأليمة، نتذكر مظاهرات الخبز في يناير 1977، فهي مثل علامة في الذاكرة، عالقة في ذهن طفل كان عمره 10 سنوات آنذاك، كان هناك دخان يملأ سماء القاهرة بعد اشتباكات عنيفة بين الشرطة والمتظاهرين بسبب الخبز.

دوّت أعمال الشغب في الشارع المصري، وقع نحو 80 قتيلا، بمجرد موافقة الرئيس الأسبق أنور السادات، على السياسات الاقتصادية لصندوق النقد الدولي. ما قام به السادات كان خطأ فادحا، ويعتقد البعض أنه قاد إلى اغتياله بعد 4 سنوات فقط.

وبعد 39 عاما، يحل الرئيس عبد الفتاح السيسي محل السادات، وتواجه إدارته خيارات بين الحياة والموت، بين الشعب وصندق النقد الدولي، تماما مثل السادات، الأمر يعد قنبلة، في الحالتين سيلقى اللوم على السيسي حال قبوله قرض صندوق النقد أو رفضه، فعندما تكون الخيارات المتاحة إما الغرق أو الغرق، أنت تفعل الشيء الخطأ.

الاقتصاد المصري على حافة الهاوية، ولكن لماذا؟، زادت البطالة بين الشباب بدرجة كبيرة، ومعدل النمو الاقتصادي غير متكافئ مما أدى إلى عيش أكثر من ربع المصريين حتى خط الفقر الآن، أو بعبارة أخرى يعيشون بنحو 1.90 دولار أو أقل في اليوم.

هناك أزمة في العملة الصعبة دفعت لوصول الدولار الأمريكي لـ13 جنيها، ارتفاع التضخم في نفس الوقت يقتل الاقتصاد في صمت، حيث وصل إلى 14%.

ارتفع الدين الخارجي حتى وصل لمستوى خطير بما يدفع نحو استمرار تآكل احتياطي العملة الأجنبية في مصر، وقد ارتفع الدين في يوليو 2014 إلى 44.8 مليار دولار، وفي يناير 2016 إلى 53.4 مليار دولار.

مستقبل البلاد على المحك، وحذرت فاطمة الأسيوطي، باحثة ومحللة اقتصادية من أن “الحكومة الحالية ستنتهي في اسوأ كارثة اقصادية”، وتضيف: “الشعب لن يتسامح مع صعود الدولار والتوسع في الديون الخارجية والبطالة وارتفاع الاسعار”.

تراجعت شعبية النظام المصري، واتجه للاقتراض من صندوق النقد الدولي باعتبارها خطوة تصحيح مسار، ولكن في الوقت نفسه، تعكس اليأس والمعارضة المثيرة للجدل تاريخيا بين الصندوق ومصر.

الانهيار المحتمل للاقتصاد قد يدفع السيسي لانتظار القرض، وبعد كل شيء الصندوق وهو كيان اقتصادي سياسي معقد، يكلف الكثير من رأس المال السياسي للحاكم.

بطبيعة الحال، ينظر صندوق النقد لنفسه على أنه يد المساعدة الدولية، حيث التعاون وإعادة الإعمار، وعلى الرغم من تصوير نفسه هكذا، إلا أن الصندوق كابوس يتنكر في صورة حلم، حيث يجبر الدول على التقشف وإعادة المشهد الاقتصادي للدول القارضة، ولكن في النهاية تغرق هذه الدول في ديون أعمق.

وتشير آنا إيراس، المحللة السياسية البارزة في مركز التجارة والاقتصاد إلى أن “هذه السياسات النيوليبرالية تدعو إلى التشاؤم، وفي كثير من الأحيان تساعد النخب في الدولة في الضغط على الفقراء، وفي كثير من الحالات يصبح مستلمو الأموال أسوأ حالا من اليوم، قبل استلام قرض الصندوق”.

سياسات الصندوق غالبا ما تسعى لخفض قيمة عملة البلاد، وهذا ما يفعله الصندوق مع مصر، السياسات تنوي جلب المستثمرين الأجانب إلى طاولة في حين تخفض تكاليف التصدير، مدعومة بخصخصة الأصول الوطنية.

يرى البعض أن السيسي يتبع نفس تكتيكات السادات الاقتصادية في السبعينات، والتي قادت إلى تفجير انتفاضة الخبز وأعمال الشغب، وهي نفسها السياسات التي يدفع المصريون ثمنها حتى الآن.

برنامج التكيف الهيكلي، الذي يتعلق بحزمة قروض صندوق النقد 12 مليار دولار، سيتطلب من السيسي القيام بما قاله المحللون: “الدول الفقيرة تقلل من مستوى معيشة شعوبها”، وسترفع من معاناة المصريين حيث الارتفاع الشديد في معدلات التضخم والأسعار، أمام انخفاض قيمة العملة.

الأغلبية لا تدرك أن قرض صندوق النقد الدولي يهدف إلى تحقيق الاستقرار في سوق العملات الذي يشهد كارثة، بالإضافة إلى أنها تدابير لبناء ثقة المستثمرين.

من سيثق في البنك المركزي المصري بعد تلعثمه عدة مرات تحت قيادة محافظه طارق عامر؟، فإذا وصف البرلمانيون الموالون للحكومة المصرية عامر كمصدر لأزمة الدولار، فكيف يمكن أن تثق إدارة البنك الدولي به حين تطلب خفض قيمة الجنيه؟.

يعتقد الكثيرون أن آذان السيسي مفتوحة فقط لدائرة رجال الأعمال الضيقة، ومثل هذا المناخ وحزمة أخرى من قرض صندوق النقد لن تزيد سوى الفقر والديون الخارجية، وربما ترمي مصر في براثن الاستعمار الاقتصادي.

 

"ميدل ايست آي"

تصميم وتطوير