هل حقاً يمكن إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة ؟!.. كتب: عبدالله أبو شرخ

13.02.2016 08:32 AM

المثقف القدوة هو الذي يستطيع منهجياً ووظيفياً أن يمتلك القدرة النقدية في التعامل مع الواقع تحليلاً وتركيباً

يخطيء غالبية المثقفين الفلسطينيين عندما يطالبون بإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة بين فتح وحماس، فقولهم ( إنهاء الانقسام ) مطلب رومانسي حالم " غير واقعي "، أما قولهم " استعادة الوحدة " فيعني أنه كانت هناك ثمة وحدة في الماضي ونريد ( استعادتها ). بالطبع لم يكن أي وحدة سياسية بين حماس والقوى الوطنية كما سنرى لاحقاً.

الانقسام لم يبدأ عام 2007 بسيطرة حماس على غزة، فهذه كانت حلقة مبكرة فيما يسمى بالربيع العربي الذي بدأ في الجزائر في تسعينات القرن الماضي ثم غزة عام 2006 ثم تلى ذلك ثورة تونس ومصر عام 2011 التي أطاحت بزين العابدين ومبارك.

صحيح أننا أيدنا بقوة ثورات الشعوب للمطالبة بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والخبز، ولكن للأسف كان الإخوان المسلمون في أتم الجهوزية للركوب على ظهر الشعوب، وخلال أكثر من 15 عاماً من النباح على قناة " البعيرة " تخيل العرب أن الديمقراطية إنما تعني إجراء انتخابات نزيهة فقط، وهي ديمقراطية الصناديق التي تطالب بها حماس الآن لإجراء انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني كمأساة جديدة تضاف لفوزهم في انتخابات عام 2006. بالطبع إجراء انتخابات مجلس وطني يعني ضم الشتات لتلك الانتخابات، وحماس تعلم أن الشتات محسوم لها سلفاً، ذلك أن أغلبية الفلسطينيين في الشتات يعتقدون أن حماس ستحرر لهم فلسطين ( كما حرر بن لادن نيويورك ولندن ) !

ولأن عنوان المقال هو ( الانقسام )، فسوف نؤجل الحديث عن مؤامرة الربيع العربي التي تقودها أمريكا وإسرائيل وينفذها الإخوان المسلمون وما تفرع عنهم من دواعش ونصرة ولواء التوحيد وجند الشام وجيش الإسلام. إنهم باختصار مجرد أداة لتنفيذ مخطط الشرق الأوسط الجديد الذي بشر به شمعون بيريز، وهو إسقاط ما تبقى من أنظمة وطنية أو قومية لإعادة تقسيم المنطقة إلى دويلات متناحرة، وهو ما يعتبر بنظري أخطر ما يواجه الأمة العربية في وجودها.

الديمقراطية الخادعة التي صدرتها أمريكا وإسرائيل عبر قناة " البعيرة " ( أبواق الموساد والسي آي إيه )، هي ديمقراطية زائفة وغير حقيقية، عمادها جهل الشعوب العربية وتخلفها حضارياً وثقافياً وهو أحد أهم منجزات الإخوان المسلمين والفكر السلفي. الديمقراطية لا تعني استفتاء صناديق يتم لمرة واحدة. الديمقراطية منظومة كاملة نفتقدها في العالم العربي. صحيح أن الانتخابات هي آلية ضرورية لانتخاب سلطة، ولكن المثقف الفلسطيني والعربي فاته الكثير من مكونات الديمقراطية. فالديمقراطية تعني:
1- التداول السلمي للسلطة كل فترة انتخابية، وها نحن رأينا ما حدث في الجزائر وفي مصر وفي غزة ومن قبل في السودان حيث يتربع الإخوان المسلمون على عرش السلطة منذ ثلاثين سنة ! وها هي حماس ترفض إجراء انتخابات جديدة للضفة وغزة وتربطها بالشتات لكي تضمن ( ربيعاً إسلامياً ) داخل منظمة التحرير بهدف تقويضها وضربها والإطاحة بمشروعها لصالح إمارة إسلامية في غزة والضفة، أو ممكن ( إمارة للضفة وإمارة لغزة )، أو لنتوقع الأسوأ، إمارة نابلس وإمارة الخليل وإمارة طولكرم وإلخ !
2- حرية الرأي والتعبير وحرية المعتقد، فهل الإسلاميين الذين اغتالوا فرج فودة ومهدي عامل وحسين مروة وشكري بلعيد وغيرهم، يؤمنون حقاً بحرية التعبير ؟؟!
3- الإيمان والإقرار دون تحفظ بمباديء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
4- احترام التعددية الفكرية والسياسية والثقافية، فهل للإخوان المسلمين مثل هذه الميزة ؟!
5- الديمقراطية تعني أيضاً بناء علماني يفصل الدين عن الدولة والسياسة ويجرد رجال الدين سلطتهم المجتمعية المدمرة. تركيا وماليزيا بالمناسبة هي دول علمانية باعتراف أردوغان نفسه !

وطالما أن الإخوان المسلمين بعيدون كل البعد عن النظام الديمقراطي، فما جدوى إشراكهم في انتخابات منظمة التحرير ؟؟! ولو جرت الانتخابات وفازت بها حماس، هل نتوقع من دول العالم التي تعترف بمنظمة التحرير أن تستمر في اعترافها أم أن سحب الاعترافات سينهال علينا كما حدث في حصار غزة ؟؟! 

بقي التوضيح أن الانقسام بين حماس والقوى الوطنية ممثلة بفتح، لم يبدأ في 2007 بعد سيطرة حماس على القطاع. لقد بدأ الانقسام مبكراً منذ أول تواجد للإخوان في غزة عندما أحرقوا مكتبة الهلال الأحمر عام 1980 وجهزوا السلاح لتنفيذ حملة اغتيالات لقيادات منظمة التحرير على رأسهم القائد المحترم حيدر عبد الشافي. الانقسام بدأ منذ رفضت حماس الانضمام للقيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة الأولى عام 1987ثم استثمرت ملايين الدولارات في بناء مقرات حزبية لها تحت مسمى " مساجد "، وما زالت المقرات تبنى بسرعة خارقة بينما ينام ضحايا الحروب في الكرافانات !
أساس الانقسام هو فكري وأيدلوجي وثقافي. لقد حرموا أجيالنا من الفنون الجميلة من خلال تحريم الموسيقى والغناء والنحت والتمثيل، فتحول الناس إلى آلات جامدة بلا وجدان أو مشاعر.

إن حركة الإخوان المسلمين ولدت عام 1928 على يد المخابرات البريطانية لمواجهة الثورة الاشتراكية التي انطلقت في روسيا عام 1917. بريطانيا والغرب عامة، حققت مخططها الاستراتيجي بنجاح تام، فتم حصار العقل العربي بالخزعبلات والتسطيح والخرافات، وبالفعل من يراقب تاريخ الإخوان المخضب بالعنف ضد القوى الوطنية والقومية سيفهم أن القوى الغربية التي دعمت وجودهم واستقبلت قياداتهم في لندن وواشنطن وبرلين، ما زالت تعتمد عليهم في مؤامرات الشرق الأوسط الجديد ضمن حروبهم الظالمة على الشعوب ومقدراتها.

الخلاصة:

1- إن إجراء انتخابات المجلس الوطني سيؤدي حالياً إلى فوز الإخوان المسلمين، ونحن في غنى عن التصادم مع العالم مجدداً !
2- يجب على الثقافة الوطنية الفلسطينية أن ترسخ مفاهيم المنظومة الديمقراطية الشاملة وتوضيح ذلك في الندوات واللقاءات والمقالات. يجب إدراك أن ديمقراطية الصناديق التي روجت لها قناة " البعيرة " هي ديمقراطية قاتلة ومدمرة ويكفي أن نشاهد الجزائر ومصر وغزة وما يحدث في سوريا حالياً.
3- إن الإخوان المسلمين مشروع مدعوم وممول من القوى العظمى وممالك النفط لتخريب وتدمير الدول العربية وتحويلها إلى دول فاشلة .. ( ليبيا واليمن والصومال والسودان وسوريا وغزة ) نماذج حية !

دمتم بخير

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير