ما بين الرسالة والايميل..احساس انساني غائب.. كتبت: ناريمان عواد

13.01.2016 08:10 AM

هل من الممكن الامساك بزمام العاطفة والاشتياق امام الوتيرة المتسارعة من استخدام التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي،  يتوارى فيها العالم الحقيقي امام العالم الافتراضي ويضع الانسان امام مشكلة حقيقية للبحث عما تبقى من احاسيسه الانسانية الواقعية.

في زمن ليس ببعيد كنا ننتظر على احر من الجمر ان تصلنا رسالة  بالبريد من العائلة او من الاصدقاء لنقرا سطورها بشغف كبير، تختفي خلف اسطر الرسالة بصمات ايدي من خطها وعطره او عطرها. اذا هي لمسات انسانية حقيقية لذا كان وقع قراءتها على النفس اكبر بكثير مما تحمله رساله تصل بالبريد الالكتروني  كتبت على عجل، سماتها الاختصار والتاكيد على معلومة رسمية بالغالب، ليس فيها اسهاب ولا توصيف هي معلومة حقيقية بتواريخ اجتماعات او لقاءات او مؤتمرات وحيثيات هذه اللقاءات نقرأها على عجل نلتقط منها موضوعها، مكان انعقادها وتاريخ انعقادها، معلومات دقيقة وصحيحة ليس فيها اية شطحات خيالية.

في الماضي كانت  رسائل يحملها ساعي البريد، تدخل البهجة الى قلوبنا، تزودنا  باخبار الاحبة والاصدقاء، تسعدنا بطاقة معايدة تصلنا في مناسبات سعيدة من حين لاخر او رسالة اعجاب او تطمينات الاهل والاحبة. 

تكتب الرسائل بأناقة شديدة وبلغة متقنة وبتشبيهات ووصف يفوق التصور. تأخذك الرسائل الى عالم الخيال حين يصف فيها الغريب حنينه للقاء الاحبة والعائلة  بصورة رومانسية عالية الوميض، وتاخذ من يكتبها بعض الوقت ليكون وقعها على من يقراها شديد التاثير لتدخل الفرح او الحب والعاطفة المنشودة او الرغبة في اللقاء او الحنين الى الوطن. كل هذه السمات لا تستطيع رسائل البريد الالكتروني ان تحملها، وقد حاول القائمون على استحداث مواقع التواصل الاجتماعي تقديم التسهيلات عبر تويتر، فيسبوك وانستغرام وغيرها لمحاولة الكشف عن الخصوصية  وتسهيل التواصل الاجتماعي فكشفت هذه التواصل تفاصيل لحياة الافراد والاسر  كانت في الماضي من المحرمات الكشف عنها.  فاليوم نجد ان الاصدقاء عبر وسائل الاجتماعي يعيشون معنا في تفاصيل حياتنا في وجباتنا المنزلية، في رحلاتنا الى الخارج في افراحنا واتراحنا لا قدر الله، في لحظات عصيبة من المرض كلها اصبحت مرئية ومكشوفة في زمن ليس بالبعيد كان الاغلاق على الحياة الخاصة السمة السائدة للمجتمع آنذاك.

في الماضي ايضا  كانت امكانية لقاء محبوب لمحبوبته صعب للغاية، فهو يحاول ان يرقبها من بعيد او ان يقتنص لحظة نادرة لمشاهدتها عند ايابها من المدرسة او من التسوق، وينظم القائد والشعر تعبيرا عن عاطفته الجياشة، يطل باحاسيس رومانسية تتحول الى كتابات ابداعية تترجم في رسائل وردية او مذكرات خاصة، الواقع تغير كثيرا فقد اتاحت وسائل التواصل وكسرت هذه الحواجز برمتها واصبح التغني بالاحساس الرومانسي  "دقة قديمة".

هل استطاعت وسائل التواصل الاجتماعي ان تدخل البهجة الى نفوسنا كما كانت رسالة تصلنا من حين الى آخر كان تاثيرها يأخذنا الى عالم من الفرح والسعادة الغامرة؟.

قد نكون قد اشرعنا الابواب لمساحات هامة من حياتنا الشخصية باستخدامنا لوسائل التواصل الاجتماعي ولكن في المقابل، خسرنا لمتنا العائلية اواشتراكنا معا في مشاهدة فيلم او دراما تلفزيونية، خاصة ان اغلب افراد العائلة يطأطاون رؤوسهم خلف بحثا عن اخبار شيقة ومعلومات في هواتفهم الذكية، تنادي الام عدة مرات قبل ان يلتفت اليها الاولاد والبنات، هي سيطرة بكل معنى الكلمة وتعزيز لظاهرة حب الظهور واظهار الذات، وفي نفس الوقت تقديم معلومات مجانية حيث ان اغلب الهواتف الذكية يمكن اختراقها ومراقبتها.

وقد نكون قد حققنا قفزة نوعية في استخدامنا للهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي لكننا خسرنا خصوصيتنا ولهفتنا للقاء اناس لا نعرفهم ووجوه نبحث  عن ملامحها وشخصيات نتمنى لقاءها كل هذا اذابته عوامل التكنولوجيا الحديثة.

كيف يمكن ان نعيد مذاق رحيق الماضي الذي ولى ولن يعود ونوقف الزحف الجارف على حياتنا وخصوصيتنا واوقاتنا العائلية التي بتنا نلملم اشلاءها هنا وهناك؟.
كيف يمكن الحفاظ على الاحاسيس النادرة الرائعة التي رافقت ايامنا الماضية ونتعايش مع سيطرة وسائل التواصل الاجتماعي، التي رغم اعترافنا بقيمتها واهميتها، الا انها سلبت ايام الرواق والعواطف الرومانسية والاشتياق العائلي الذي كانت ترويه رسائل الحنين للاهل والاصدقاء والاحبة؟ .. كيف يمكن ان نستعيد كل ذلك رغم معرفتنا بصعوبة المهمة؟.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير