فراس ياغي يكتب لوطن.. العوج في الفهم الإستراتيجي للسابع من أكتوبر

19.03.2024 12:15 AM

في سجال غير مسبوق يصدر بيان متسرع من قبل من يقودون حركة التحرير الوطني الفلسطيني - فتح، ويتهم فيه القائمين على عملية السابع من اكتوبر بأنهم "من تسبب في احتلال إسرائيل لقطاع غزة وتسبب بوقوع النكبة التي يعيشها الشعب الفلسطيني وخصوصا في قطاع غزة"

يأتي ذلك ردا على رفض حركة حماس ومعها الجهاد والجبهة الشعبية والمبادرة الوطنية، لتكليف الرئيس ابو مازن للدكتور محمد مصطفى لتشكيل حكومة فلسطينية بشكل منفرد وبعيدا عن اي توافق وطني

وهنا لا أريد الدخول في السجالات  الفلسطينية الفلسطينية، ولكن من الضروري تبيان بعض الحقائق المهمة ومن خلال نظرة إستراتيجية بعيدا عن مفاهيم الفئوية والحزبية، ولنكون أكثر دقة بعيدا عن نظرة شريحة فلسطينية ترى في نفسها انها من تقود الشعب الفلسطيني وان من حقها وفقا للقانون وللشرعية إتخاذ الخطوات التي ترى فيها مصلحة للشعب الفلسطيني، بإعتبار أن غيرهم عاجز أو مغامر أو لا يحمل صفة الشرعية، وهم بذلك مستندين للاعتراف العربي الرسمي والدولي وليس لما يريده الشعب الفلسطيني صاحب الولاية الاساس وفقا للمادة الثانية في القانون الأساسي الفلسطيني

لذلك نرى من الأهمية بمكان الخروج من الصندوق والحديث عن السابع من أكتوبر بمنظار ينحو نحو الفهم الإستراتيجي وليس نحو الفهم الإسرائيلي المستند إلى سياسة "كي الوعي" الذي تمتاز فيه تلك الشريحة، لذلك نقول لهم بين النكبة والفرصة التاريخية هناك هراري

حيث يقول المؤرخ الإسرائيلي وأستاذ الجامعة في قسم التاريخ في الجامعة العبرية في القدس يوفال نوح هراري، في مقال له في "يديعوت احرنوت" وتحت عنوان "الإنتصار في كل المعارك وخسارة الحرب":

"الحرب في قطاع غزة ليست على من يقتل أكثر، بل على من يقترب من تحقيق أهدافه السياسية"

ويضيف "المنتصر في الحرب ليس من يقتل أكثر أو يأسر أكثر، أو يدمر مباني أكثر، أو يحتل أكثر أراضي، المنتصر من يحقق أهدافه السياسية في الحرب، ولمعرفة من المنتصر، علينا التعرف على أهداف الطرفين في الحرب"

هذا هي النظرة الإستراتيجية التي كنا نناقش فيها منذ البداية والبعض لا يرى إلا الركام والقتل او ما أسموه نكبة ثانية واعادة إحتلال لغزة.

قلنا منذ البداية أن إسرائيل خسرت على المستوى الإستراتيجي رغم تحقيق بعض الانجازات التكتيكية عبر الإبادة والتدمير الشامل ومحاولة التهجير وسياسة التطهير العرقي..وقلنا لا شيء إسمه نصر حاسم ومطلق كما يكذب "نتنياهو".

ونلاحظ نتائج السابع من اكتوبر حتى الآن وفق ما يراه هراري:

1- حماس تمكنت من احباط التطبيع بين السعودية وإسرائيل الى اجل غير مسمى.
2- حماس تمكنت من زرع الكراهية لإسرائيل في قلوب الملايين في العالم العربي والعالم اجمع، ومعاداة السامية ومعاداة اسرائيل تتسع في كل العالم.
3- لكن جرها قوى اخرى للحرب مع اسرائيل كان نجاحها محدود، مع أن الوقت يعمل لصالحها، فكل يوم هناك معارك مع حزب الله وكل يوم هناك صدام في الضفة، وهذا يعني دوران لعجلة المواجهة.

وهنا لا بد من إضافة بعض الأمور المهمة على ما قاله "هراري" ووفق ما نراه نحن وغيرنا:

اولا- السابع من اكتوبر حرك كل الجبهات وانصار الله في اليمن فرضوا حصار على الشحنات لإسرائيل ادى لتورط الأمريكي والبريطاني في الحرب بشكل مباشر.

ثانيا- السابع من اكتوبر دفع القضية الفلسطينية على اجندة العالم وهناك رؤيا امريكية اوروبية وعربية جوهرها قيام دولة فلسطينية.

ثالثا- السابع من اكتوبر كشف بشكل واضح المعايير المزدوجة والمٓظلمة الكبيرة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني حيث يتم إبادة جزء منه على الهواء مباشرة، وهذا اصبح ضاغط على الكل الدولي وبالذات الامريكي، لذلك سنبدأ نلمس الضغوط على إسرائيل كل يوم وعملية رفح ستكون حاسمة في هذا المجال، فإما ذهاب نتنياهو مرغما لوقف إطلاق النار وتبادل للاسرى وإنسحاب من قطاع غزة، وإما الذهاب لمناورة برية في رفح ستؤدي لعجلة التصعيد في كل الجبهات، ويتضح ذلك من شدة الضغوط الأمريكية على "نتنياهو"، ووفق "المحلل الإسرائيلي شاي هار تسفي":
"فإن نتنياهو يقترب من نقطة الحسم التي قد تكون في نهاية شهر رمضان"

رابعا- لاول مرة وبعد اكثر من 76 عاما من الظلم والابارتهيد والعنصرية والوحشية الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني، تقوم دولة "جنوب افريقيا" بمحاكمة دولة "إسرائيل" امام محكمة العدل الدولية بتهمة وجود نوايا لتطهير عرقي، وهذه تعتبر جريمة إبادة، وهي تحدث لأول مرة لمن لديه حصانة ومناعة دولية

اخيرا، رغم كل المأساة التي يعاني منها شعبنا في قطاع غزة، ورغم الحاجة الملحة لوقف حرب الإبادة التي تمارس ضده، إلا أن الألم الذي لا يمكن وصفه ولا حتى الكتابة عنه أنتج فرصة تاريخية في أمرين:

الاول- عودة العلاقة بين "الشعب الفلسطيني" و"إسرائيل" الى وضعه الطبيعي، شعب تحت الإحتلال يقاوم المحتل، بعد ان شوه "اوسلو" طبيعة الواقع لدرجة ان العالم كله لم يفكر إلا بكيفية بقاء سلطة فلسطينية تعمل وكيل للمحتل، اي أنه رهن بقائها مقابل حفظ امن الأحتلال، وهذا يعني تدفيع الإحتلال ثمن إحتلاله

الثاني- فرصة التخلص من الإحتلال خلال سنوات متعددة، بشرط ان يتوحد الفلسطيني بعيدا عن سيف واشتراطات الإحتلال، بما يؤسس لتحالف وطني فلسطيني يشمل الجميع وفقا لنظرة جديدة مختلفة عن صندوق "اوسلو"، وعن التشكيلات الخاصة بالنظام السياسي الفلسطيني القائمة، وتغييرها جذريا بما يخدم الحالة الجديدة إن كانت فلسطينيا او عربيا او دوليا، وهناك تطور بهذا الخصوص يتم تداوله في الكواليس العربية والدولية سيؤس لقيام دولة فلسطينية شاء الإسرائيلي أما أبى

"لكن مع مع كل الأسف لا زال البعض لا يرى إلا نفسه ولا يرى إلا برنامجه، ولا يرى إلا شخصه بإعتبار شخصه هو المعبر عن الكل الفلسطيني في حين هذا الكل لا يعطيه هذه الميزة، بل يريد تنحيه جانبا، وهذا هو الذي سيكون العائق امام اي استحقاق ممكن تحقيقه وقطفه كمحصلة لكل ما حدث ويحدث بسبب من العوج في الفهم الإستراتيجي للسابع من أكتوبر عند البعض الفطحل

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير