اليوم الثامن والخمسون بعد المائة لحرب الإبادة على غزة، 12 مارس 2024

زينب الغنيمي تكتب لوطن:الثاني من رمضان: يومٌ آخر يتلو يومًا سابقًا تحت العدوان الصهيوني على غزة

18.03.2024 12:48 PM

تتكرّر اليوم الأحداث القاسية في ظلّ العدوان الصهيوني المتوحّش على قطاع غزّة، حيث سقطت المزيد من الشهيدات والشهداء جرّاء القصف المباشر الذي استهدف عددًا من المنازل في مدينة غزة والشمال ومخيم النصيرات ومدينة خانيونس بصواريخ من طائرات F16 اللعينة، وأيضًا القصف المباشر من مدفعية الدبابات على المواطنين الباحثين عن كيس طحين أو صندوق معلبات لسدّ جوعهم، ليصبح عدد شهداء الطحين منذ بدء السماح لشاحنات المساعدات الدخول إلى غزة نحو أربعمائة شهيد.

اليوم أيضًا هو ثاني أيام شهر رمضان، ومازال المواطنون والمواطنات يبحثون وتبحثن ولا يجدون ما يسدّ جوعهم وجوعهنّ بعد يوم صومٍ طويل. قالت لي زوجة الحارس: "سنطبخ الحُمّيض وثمن الكيلو 15 شيكلا"، قُلت لها "لكن الحميض به مرارة شديدة، نحن اشتريناه ظنًا بأنّه نبات السلق، ولكن طعمه كان مُرًّا لا يُحتمل، ثم عرفنا أنّه حميض"، فردّت علي بإحباط "هذا هو المتوفر في السوق أو الخبيزة، وإيش بدنا نعمل؟".

يستمرّ كذلك الشعور بالقهر لدى الآباء والأمهات العاجزين عن تأمين حليبٍ لأطفالهم الرُّضع، وكلٌّ يخشى أن يكون مصير طفله أو طفلها مثل أعداد الأطفال الذين يموتون بسبب نقص الغذاء. وقد أحزنني الشاب الذي طرق باب بيتي يرجوني مساعدته في توفير علبة حليبٍ لأطفاله، وهم ثلاثة توائم رزق بهم قبل أقلّ من شهر والذين جاءوا لهذه الدنيا بعد انتظار ستّ سنوات وعناء نتيجة عملية زراعة. وقد أخبرني أنه بحث في كلّ الصيدليات ولم يجد الحليب، ولجأ لكلّ المراكز الصحية والمشافي وكلّ ما استطاع الحصول عليه علبة حليب واحدة لن تكفي لغذاء أطفاله الثلاثة. انشغلت بقضيته وبذلت جهدي لمساعدته من خلال أكثر من مصدر وأرجو أن تتحقق الوعود التي حصلت عليها لتأمين الحليب لهم، وأنا أعرف مدى صعوبة الحصول على الحليب عمومًا وحليب الأطفال خصوصًا.

ما زالت الجهود مستمرّةً أيضًا للقضاء على عدوان الفئران على بيتي كما هو حال معظم أصحاب المنازل في غزة، وللأسف فالجميع يواجهون صعوباتٍ شديدة في هذا الأمر نتيجة تكاثر الجرذان والعِرس بسبب استمرار تراكم تلال القمامة في الشوارع، وعدم توفّر المبيدات اللازمة للقضاء عليها في الأسواق نتيجة الحصار المفروض على مدينة غزة وشمالها. وقد بات غزو الفئران للمنازل الحديث الرئيسي بين الناس، والكُلّ يشكو من الموضوع وكافة المحاولات فاشلة نتيجة تعطُّل أعمال خدمات وسيارات البلدية. أمّا أنا فما زلت في حربٍ يومية لتطهير بيتي من الفئران، العدوّ الجديد المخرّب والقذر.

في طريق عودتي لمحلّ إقامتي الحالي، تحسّن مزاجي قليلا، وشعرت أنّ الحظّ مازال جيدًا، فقد صادفت أحد الزملاء الذي وفّر لي خمسة كيلوات من الطحين، كما تمكّنت أيضًا من الحصول على بعض المواد المعلبة المختلفة والتي تلزم لوجبة السحور للمقيمات والمقيمين معي في المنزل.

لكنّنا ككلّ يوم، ما زلنا أيضًا بانتظار سماع أي أخبارٍ إيجابية عن أيّ اتفاقٍ لإنهاء هذا العدوان البغيض، كي يتمكّن الشعب من العودة للحياة الطبيعية تدريجيًا، ويحلم الجميع أن يتحقق ذلك قريبًا، حيث انتقل أملهم من بداية رمضان إلى الحلم بانتهائه قبل عيد الفطر.

زينب الغنيمي، من مدينة غزة تحت القصف والحصار

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير