د. عقل أبو قرع يكتب لوطن.. شهر رمضان والحاجة الى خطة متكاملة لكبح الأسعار

08.03.2024 09:56 AM

نستقبل خلال أيام شهر رمضان المبارك، ومرة أخرى وكما حدث خلال الأعوام الماضية، وبغض النظر عن الاسباب،  قد ترتفع الأسعار لبعض السلع بشكل كبير، ومنها الأطعمة ألمختلفة، من لحوم حمراء وبيضاء، ومن خضروات وفواكه، ومن حلويات ومشروبات مختلفة، ومن أطعمة مجمدة ومصنعة وغير ذلك من المنتجات، ومع ازدياد الإقبال أو الطلب من قبل الناس خاصة في بداية شهر رمضان، يتواصل ارتفاع الأسعار وربما يزداد عاما بعد الآخر ، في ظل عدم وجود خطة رسمية للتعامل مع هذه الاوضاع، أو مظلة اجتماعية توفر نوعا من الحماية والأمان الحقيقي والكريم.


وارتفاع الأسعار مع بداية شهر رمضان، له مضاعفات عديدة بالإضافة الى إرهاق الناس، حيث مع ارتفاع الاسعار يلجأ الناس الى الإقبال على الأطعمة الارخص، أو بمعنى أخر الأطعمة الأقل جودة، أو ألملوثة، أو ربما الأطعمة الفاسدة أو غير الصالحة أو الرديئة وما لذلك من تبعات ومن أثار، قد تكون بعيدة المدى، وهذا بدوره يدعو الجهات المسؤولة إلى إيلاء العلاقة بين ارتفاع الأسعار وبين انتشار الأطعمة الرديئة، وإيلاء الأهمية الخاصة في شهر رمضان.

ومع بداية هذا الشهر الفضيل، المطلوب العمل على زيادة نجاعة الجهات التي تراقب وتفتش، من حيث العدد ومن حيث النوعية والتدريب، حيث من المتوقع ان تم زيادة طاقمها او ان ازدادت امكانياتها وازداد تدريبها واعدادها، بان تكون قادرة على القيام بدور أكبر هذا مع العلم ان وصول المنتجات الفاسدة الى الى السوق الفلسطيني ومن ثم الى المستهلك ينتج عنه خسائر اقتصادية كبيرة، يمكن ان تفوق ما سوف يتم استثماره في إعداد المزيد من طواقم.

ومهما كانت المبررات والتفسيرات لارتفاع الأسعار المتوقعة خلال شهر رمضان، الا ان الوضع وفي هذه الصورة وهذه الاحوال، لا يمكن تحمله للمستهلك، واصبح يتطلب تدخلا مباشرا وجديا ومتابعة ومحاسبة ومراقبة من الجهات المختصة، لأسعار السوق، وبالأخص للأسعار الاسترشادية، التي تعلن عنها وزارة الاقتصاد، بين الفينة والاخرى، والامر يتطلب التطبيق الحازم للقوانين، وبشكل علني، ونحن نعلم ان غالبية عمال القطاع الخاص او الداخل في بلادنا، لا يجدون مصدرا محترما للرزق هذه الايام، وان موظفي القطاع العام يحصلون فقط غلى 60% من رواتبهم.
ومهما تحدثنا عن اقتصاد السوق، وعن فلسفة أو نظرية العرض والطلب، وعن التقلبات الجوية، وعن الظروف السياسية، وعن المعابر والحدود، وما الى ذلك، من امور يمكن ان تساهم في ارتفاع الاسعار، الا انه لا يعقل ان تضاهي الاسعار عندنا أو تزيد بكثير عن الأسعار في الكثير من الدول، التي يبلغ دخل الفرد السنوي فيها، اضعاف واضعاف ما عندنا.
وهذا يتطلب تغيير جذري وجدي في سياسة الجهات الرسمية، وهذا يتطلب المراقبة الجدية، وهذا يتطلب المحاسبة الصارمة لجشع بعض التجار، وهذا يتطلب التدخل الرسمي الجدي لإيقاف شبح ارتفاع الاسعار، والذي بات يرهق ويقلق الجميع، ونحن نعرف ان نسبة الفقر في بلادنا تصل الى حوالي 30%، وان نسبة البطالة تصل الى حوالي 40% من الايادي العاملة، وتواصل الازدياد عاما بعد الآخر.
ونحتاج كذلك الى وضع برنامج  منظم ومتكامل من أجل سحب عينات عشوائية من الأطعمة وإجراء الفحوصات الروتينية لهذه العينات، في مختبرات فلسطينية، تم اعتمادها، وتم التأكد ومن خلال مختصين علميين بإمكانياتها، سواء طاقمها او أجهزتها او خبرتها، في القيام، بهذه الفحوصات، المراقبة والتفتيش والاهم ومع بدء شهر رمضان، أن يتم اتخاذ الإجراءات المطلوبة ومنها الإجراءات القضائية بحق من يروج او من يتعامل مع الأطعمة الفاسدة،  وان يتم تطبيق القوانين الفلسطينية وبحزم وعلى الملأ وخاصة على الجهات التي تسوق المنتجات الفاسدة بأنواعها.
وبدون شك، ان من اهم الاسباب لارتفاع الاسعار، هو الجشع المخيف، عند بعض التجار او الموردين وبالأخص مع قدوم شهر رمضان، واذا سألت احد التجار مثلا، عن سبب ارتفاع اسعار اللحوم، فيكون الجواب بسبب قلة العرض، اي قلة اللحم ، ولكن هل يعقل ان يرتفع السعر بشكل فجائي، اي بسبب هذه الانباء، اي هل يعقل، ان لا يملك التجار كمية من العجول او اللحوم، في الثلاجات او في المسالخ، تكفي لأيام او لأسابيع، والتي كانوا قد حصلوا عليها بالسعر القديم، وهل يعقل ان لا تملك الجهات الرسمية، خطة او برنامج لتوفير كمية من لحوم العجل مثلا، لأسابيع او لأيام أو لشهر رمضان. .  
ورغم إصدار قائمة بالأسعار الاسترشادية كل عام في رمضان، الا ان غياب اشهار الاسعار او اظهارها على السلعة، سواء في حسبة الخضار او في المحلات التجارية، وعدم فعالية حملات التفتيش والرقابة وذلك لعدم كفاية الطواقم او قلة الامكانيات، وكذلك ضعف ردع القوانين وعدم تطبيق قانون حماية المستهلك الفلسطيني لعام 2005 في هذا الصدد، سوف يبقى الأسعار ترتفع حسب شهية بعض غير المبالين، وحسب مزاج او مستوى جشع التاجر او المزارع او المورد، والذي سيدفع الثمن خلال شهر رمضان هو المستهلك الفلسطيني وافراد عائلته.

وفي خضم الأوضاع الصعبة التي يعيشها الناس في بلادنا هذه الايام، ومع حلول شهر رمضان الفضيل،  فالمطلوب هو اعادة دارسة سياسة الجهات الرسمية، وبشكل جدي، فيما يتعلق بسياسة تحديد ومراقبة ومتابعة الاسعار، وبما ان حماية المستهلك الفلسطيني من المفترض ان يكون هو الهدف النهائي لكافة الأطراف الفاعلة في هذا المجال، فمن المنطق والواجب والاهمية وجود الية واضحة للتعاون والتنسيق لحماية هذا المستهلك، وبالأخص هذه الايام،  ليس فقط من شبح ارتفاع الأسعار المتواصل، ولكن كذلك فيما يتعلق بسلامة الغذاء بأنواعه، وجودة المياه، وتوفر ونوعية  وفعالية الدواء، وما الى ذلك من أمور تصيب الحياة اليومية للمواطن.

وفي خضم هذا الوضع المقلق وبل المحزن للكثير، وفي ظل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية التي نحيا فيها، وفي ظل التخبط بأنواعه الذي اصبح جزء من حياتنا اليومية، وان تواصل الارتفاع الجنوني للأسعار وتوسع كما يعتقد البعض خلال شهر رمضان، وبدون تدخل فاعل وحازم من الجهات ذات العلاق، بدعوى الحفاظ على مبادئ اقتصاد السوق، فأن هذا الوضع الصعب سيكون له تداعيات من اليأس والبطالة والعنف بكافة أنواعه، ومن هذا المنطلق فالمطلوب من كافة الجهات الفاعلة في هذا الصدد وضع خطة متكاملة لضبط الاسواق والاسعار والحفاظ على حقوق المستهلك الذي في العادة هو من يدفع الثمن.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير