حمدي فراج يكتب لوطــن.. كلنا نيجر و غابون

01.09.2023 11:07 AM

بعد حوالي شهر من انقلاب النيجر ، يأتي انقلاب الغابون ، و هما دولتان وازنتان من حيث ثرواتهما الطبيعية ، شأنهما شأن معظم أراضي القارة السمراء ، التي قيل فيها انها أغنى قارة و أفقر شعوب ، لكن ما ميز الانقلابين الاخيرين انهما يحصلان في ظل نظام انتخابي ديمقراطي ، و مع ذلك رأينا ان شعبي البلدين يؤيدان المنقلبين ، فكيف ذلك ، كيف يفوز هذا الزعيم او ذاك ثم ينقلب عليه عسكره و من ثم شعبه .

أولا : يستمر الفقر بين أبناء الطبقات العاملة و المسحوقة ، البطالة ، تردي الأوضاع الصحية ، ارتفاع الأسعار و غلاء المعيشة ، قمع الحريات ، شراء الولاءات ، الموت جوعا ، او شبعا "من التخمة" ، ثم الاستحواذ على السلطة حتى الموت ليأتي "الشبل من ذاك الأسد" ليكمل المسيرة الديمقراطية .

ثانيا : اكتشاف ان الاستعمار "الفرنسي في الدولتين" قد خرج من الباب قبل اكثر من ستين سنة ، و سرعان ما قفز من الشباك ، ما زال هذا الاستعمار "النظيف" بالبذلة و ربطة العنق ، يتعاطى مع البلد انها ملكا فرنسيا خالصا يستحوذ عليها كما لو انها مزرعته ، خيراتها  و مقدراتها و ايدي عمالها الرخيصة ، و كلما حفر أكثر في جوفها ، يكتشف المزيد من كنوزها ، فتزداد أطماعه و شراهته ، و لا ينسى بالطبع ان يرمي لحراس المزرعة بعض الفضلات .

ثالثا : يحرص صاحب المزرعة ان تظل البلد مربوطة بحبله الحديدي عبر عدم السماح بالتطوير و التنمية ، واحيانا عبر خلق الصراعات الاثنية و الطائفية و العشائرية ، و لهذا فإن اللغة الأساسية في البلدين هي الفرنسية ، و العملة الرسمية هي الفرانك .

رابعا : اكتشفت الجماهير الشعبية ، و ربما عبر طلائعها ، ان "الديمقراطية" الانتخابية كل اربع سنوات مرة ، او حتى كل عشر سنوات ، ما هي الا وصفة علاجية مضادة ، تزيد الفقير فقرا ، و الغني غنى ، و ان ستين سنة من "الاستقلال" و "الديمقراطية" كافية لنفض هذه الوصفة عن كاهل الناس ، عبر طرد الاستعمار الجديد / القديم ، الذي قام بتغيير واحد فقط ، استبدل بدلته العسكرية بأخرى مدنية . لكن هذا لن يتحقق قبل ان يتخلص من الشراذم الوطنية الداخلية التي لا تجيد الا التآمر مع الاستعمار ضد البلد و مقدراته و خيراته و ثرواته .

البعض يتساءل عمن تكون الدولة الافريقية الثالثة ، هل ممكن ان تكون عربية ، خاصة بعد  فضيحة لقاء وزيرة خارجية ليبيا مع ما يسمى نظيرها الإسرائيلي ، و التخريجات الكاذبة التي اسمعت عن حقيقة اللقاء والذي تبين ان الرئيس ليس خارج دائرة التورط لطالما ان سيدة العالم الحر و الديمقراطية هي التي أشرفت على اللقاء . ففرت الوزيرة الى تركيا زعيمة الاخوان المسلمين و من ثم الى لندن عاصمة الاستعمارات التي لا تغيب عنها الشمس .

إن الوطن العربي ، منذ انبعاث استقلال بلدانه أواسط القرن الماضي ، مبتلى بما ابتليت به النيجر و الغابون ، بل بما هو أسوأ ، من ان الديمقراطية ، حتى في حدودها الدنيا ، ديمقراطية الصناديق والانتخابات ، مجرد ترف لا لزوم له ، و حين يحدث مرة او مرتين في العمر ، تكون نسبة النجاح 99.99% .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير