"دير القلعة" في فلسطين ولبنان.. سحر التشابه اسمًا وعمرانًا في المَشرق الواحد

21.08.2021 02:39 PM

وطن- خالــد أبـو علــي

تقول د.فيفيان حنّا الشويري أستاذةُ الفنون والآثار والحضارات في الجامعة اللبنانية "نحن إذ ارتأينا إجراء هذه المقاربة بين موقعين متباعدين جغرافياً، ومتماثلين من حيث الاسمِ والنمط المعماري، فذلك لأن المشهدَ استرعانا، إذ لا تشعر بالفرقِ رغم بعد المسافة، وتخال وأنت تنظرُ الى موقع " دَير قلعة" الفلسطيني وكأنك في دَير القلعة اللبناني، فنحن نرى وطناً واحداً ممتداً على رقعة المشرق السوري كلِه، متجانساً من حيث طريقةِ المعمار، والعناصرِ الهندسية، والتقاليد، والعادات، واللغة، والثقافة، كونه شعبًا واحدًا أبدع في الفكر والعمران والحضارة ونقلها إلى العالم". 

وتتساءل الدكتورة الشويري: "هل تُحدِثْ "أل التعريف" الفرقَ أم أنها عاملُ جمع؟  على الأرجح أنها لا قيمة لها، ذلك أن المسمى والنمطَ المعماري واحد والرقعة الجغرافية واحدة في الوطن الواحد: سورية.

حوالي 150 كيلو متر تقريباً تفصلُ بين " دَير القلعة" في جبل لبنان وهي البلادُ الخلفية لبيروت وتقع في بلدةِ "بيت مري" (ترتفع 750 متراً عن سطحِ البحر وتبعدُ عن العاصمة بيروت 17 كيلو متر)، وبين " دَير قلعة" في الجبالِ الفلسطينية الوسطى قربَ موقع " دير المير" التي تقعُ على بعدِ 2 كيلو متر شرقي بلدة دير بَـــلُّوط غربَ محافظةِ سلفيت (على ارتفاع 368 مترا عن مستوى سطحِ البحر في منطقةٍ تشرِفُ على الساحلِ الفلسطيني) ما يجعلُ التشابهَ واضحاً بين الموقعين من حيث الموقعِ الجغرافي المطلِ على البحر.

دلالات ضخامة الحجارة
"قلعة تعني العلو والارتفاع والإشراف، ومن هنا يصبح معنى الاسم واضحاً، ولهذا كثُرت المواقعُ الأثرية التي حملت اسمَ القلعة والتي عادة ما تحتضنُ معلماً أثرياً يمتاز بضخامة الحجارة " كما تقولُ الدكتورة الشويري.
وتؤكد أن ضخامة الحجارة لها مدلولها الذي يشير إلى جوانبَ صارت ثوابتَ في قراءة المواقعِ الأثرية في سورية، وتختصرُها على النحو الآتي:

 الموقع صخريٌ ونُحت فيه لتشييد معبد؛ وكلا الموقعين، موضوعَ بحثِنا، يبرزان النحت في صخرِ الموقع نفسِه؛ هذه الطريقة المعمارية منتشرة في مواقعَ أثريةٍ كثيرة في سورية وليست بعلبك أو قصر نبا (البقاع - لبنان) سوى الأنموذجِ الأوضح.
 ضخامةُ الحجارة تساعدُ على مقاومةِ المعبد للزلازل وتحول دون انهيارِه تحت عوامل المناخ أو النحت أو تصدّعه مع مرورِ الزمن وهذه خاصية معمارية سورية بحتة.
 كلا الموقعين في دَير القلعة ودَير قلعة عبارة عن مساحة كبيرة شُيّد عليها أكثرُ من صرحٍ، وهذا ما ينبغي أن تظهره التنقيبات الأثرية المنهجية والتي لم تجرِ بعد كلياً في دير قلعة سلفيت.
 كلا الموقعين شيّد فيهما معبدٌ ضخمٌ يعودُ إلى الألفِ الثاني قبل الميلاد؛ وظلّ استخدامُه متواصلاً في الحقب المتلاحقة فأضيفت تباعاً العناصرُ الجديدة مكان الأجزاءِ المنهارة فوق القاعدة الصخرية الأساسية.

وأوضحت  الدكتوره الشويري أن "المرحلةَ الأخيرة التي عُدل فيها على تصميمِ المعبدين، كانت في العصرِ البيزنطي؛ إذ تحوّلت أغلبُ المعابد السورية الى كنائس، وتظهر نصفُ الدائرة المخصصة للمذبح جلية، وكذلك الأرضيةُ المغطاة بالفسيفساء وهما خاصيتان أساسيتان في الكنائس؛ كما توسّع محيطُ العمران حول المعبد- الكنيسة شاملاً المشاغل والمعاصر (تكثر الأجران والآبار في كلا الموقعين) والحمامات وغيرها من المباني الرديفة، وبهذا اكتسب الموقع صفة الدير بما حوله من أراضي تابعة له كانت مساحات زراعية تستغل منتوجاتها في صناعة الزيوت والخمور. 

في حديثها مع مراسل مجلة "آفاق البيئة والتنمية" تتطرق الدكتورة الشويري إلى التعديلات التي جرت على كلا الموقعين بقولها: "أضيفت مع تعديل مخططِ المعبد الأساسي أقسامٌ جديدة، مثل: الحنايا، وأزيل الرواق الخارجي ليصار إلى تقسيمٍ داخل المعبد إلى أروقةٍ عادةً ما تكونُ ثلاثًا أو ممراتٍ معمّدة، أي على شكلِ صفوفٍ من الأعمدة والتي نرى بقاياها في أرضية الموقعين، وهذا التصميمُ الكنسي المستحدث غيّر من وظيفةِ المعبد القديم، ففي حين لم يكن يدخل إليه أحد، وتقامُ الصلواتُ الجماعية في الساحةِ الخارجية التابعة له، صار مع تحوّلِه الى كنيسة يستقبلُ المصلين ما توجّب توسيع صحنِه وإضافة أقسامٍ رديفة " .

وتضيف الشويري أن تحويلُ المعبد إلى كنيسة أدى إلى إزالة المنحوتات والتزايين الخاصة بنوعِ المعبود القديم، وطبيعةِ العبادة القديمة، وإضافةِ الصلبان والزخارف والحنايا التي تُعرضُ فيها تماثيل القديسين، وإضافة "الموزاييك" التي غطت أرضيةَ تلك الحنايا وتضمّنت تصاويرَ نباتية وحيوانية وأشكالَ هندسية، وهذه المزايا العامة تشكلُ نمطاً واحداً في العصر البيزنطي في سورية.

وبحسب قولها إن هذا التحويلُ للمعابد القديمة إلى كنائسَ يتبع نمطيةً واحدة في كلِّ المشرق "حتى لتظنَ أن فريقاً واحداً عمل فيها كلّها وعلى مرّ الأعوام، بمعنى أنه كانت الورشُ تتوارثُ المهنة من جيلٍ إلى جيل، وبهذا يستمرُ نفسُ الأسلوب ونفسُ التقنية".
وتضيف: "لا ننسى أن المؤسسةُ الكنسية ارتأت الحفاظ على نفسِ الأسلوب المعماري لسنين طويلة ما يفسّر التشابه بين كلّ الكنائسِ والأديرة في العصرِ البيزنطي" .

وتختتم الدكتورة الشويري حديثَها معنا بالقول: "لا يخلو الموقعُ من وجودِ المدافن كونَ الأديرة تشتملُ عليها، وما زالت هذه العادة مستمرة الى يومنا، في حين استمر السكن في دَير القلعة في لبنان واحتُضن الموقعُ الأثري ضمن مبنى الكنيسة الحديثة، فلم يكن الحالُ هكذا في دَير قلعة في فلسطين وتعرّضت الكنيسة كما الدير كلِه للإهمالِ والانهيار".

نهبٌ وسرقة وتدمير
يقع دَير قلعة الأثري على بُعد كيلومترين شرقًا من بلدةِ دَير بَـــلُّوط غربَ محافظة سلفيت في فلسطين، وتبلغ مساحة دَير قلعة 18 دونماً تقريباً، ويقعُ على ارتفاع 368 متراً عن مستوى سطحِ البحر في منطقةٍ تشرف على الساحل الفلسطيني المحتل عام 1948 لذلك اكتسب الدَير أهميته التاريخية من موقعِه الإستراتيجي.

ومنذ أنْ اُحتلت بلدةُ دَير بَـــلُّوط عام النكسة 1967، بدأت عملياتُ النهبِ والسرقة والتدمير للموقع، وبدا واضحًا أن قطعاً من الفسيفساء قد نُقلت إلى متاحفَ إسرائيلية، وهذا ما أكدته تقاريرُ وتحقيقاتٌ صحفية فلسطينية سابقة، ولا يفصل موقعَ دَير قلعة الأثري عن "مستوطنة بدوئيل" سوى 100 مترًا.

يطلقُ سكانُ بلدة دَير بَـــلُّوط التي تبعد نحو 20 كيلو متر إلى الغرب من مدينة سلفيت في فلسطين اسمَ "المرج"، والذي يقعُ في المنطقة الشرقية للبلدة، وتبلغُ مساحتُه حوالي 1200 دونماً، فيما تضمُ في جوفِها منطقةً تُعرف بـــــ"البالوع " وتتجمعُ فيه مياهُ الأمطار بمعدل 2000 كوباً، وما تلبثُ أن تزول هذه الكميات وتذهبَ هدراً دون الاستفادةِ منها.

ويقيم مزارعو دير بَـــلُّوط مهرجان التسوق الزراعي كل سنة؛ للترويج والتعريف بالبلدة، ولتسويق منتجاتها البعلية الطبيعية الخالية من أي مواد كيماوية، وفي محاولةٍ أيضًا للفتِ أنظارِ الفلسطينيين؛ إذ أصبحت مقصدًا للمئات منهم والراغبين بشراءِ ثمار الفقّوس من هذه البلدة الوادعة التي تعاني الحصار العسكري الإسرائيلي، وعدم القدرةِ على التوسع وتقلص مساحة الأراضي الزراعية لصالح المستوطنات الإسرائيلية المجاورة.

وتجدر الإشارة إلى أنه توجدُ قريةٌ سوريّة اسمها "دَير بَـــلُّوط" وتتبع إداريًّا لمحافظة حلب منطقة عفرين ناحية جنديرس، وصل عدد سكانها إلى 465 نسمة في عام 2007، وأنشئ فيها في شهر مايو/ أيار في عام 2018 مخيم نُقل إليه لاجئون فلسطينيون وسوريون ومواطنون سوريون هُجرّوا قسريًا من مناطق جنوب دمشق ومخيم اليرموك.

وفي الخامس من سبتمبر/ أيلول 2020 استولت قواتُ الاحتلالِ الإسرائيلي على خربتيّ دير سمعان ودير قلعـة الأَثريتين غرب محافظة سلفيت، فيما أدانت وزارةُ السياحة والآثار الفلسطينية قرارَ المُصادرة بقولها: "يستمر الاحتلال في تزييف التاريخ والحقائق، ونهبِ الآثار وتاريخِ الحضارات التي تعاقبت على أرض فلسطين في محاولةٍ باطلة لإثبات أنه صاحب الأرض".
وترى "السياحة والآثار" في قرار الاحتلال بالمصادرة، مخالفةً لجميع القوانين والاتفاقيات الدولية، مثل اتفاقيات لاهاي وجنيف الرابعة وقرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة التي تمنع القوة المحتلة من مصادرة وضمِ وتدمير الممتلكات الثقافية في الأراضي التي تحتلُها.

التهام بقية الأرض هو الخطر
يقول المرشد المحلي داوود عبد الله ابن بلدة دير بَـــلُّوط والذي رافق الفريق في المسار:" تكمن خطورة قرار الاحتلال بمصادرة موقع دير قلعة والذي يقع ضمن مناطق "ج" الخاضعة لسيطرة قوات الاحتلال، في أن ذلك سيؤدي إلى مصادرة بقية الأرض لصالح المستوطنات الثلاثة الجاثمة فوق الموقعين الأثريين، دير سمعان ودير قلعة ".

ويضيف عبد الله: "نتيجةً للتغييراتِ المتسارعة التي رٌصدت قربَ الموقعين الأثريين لصالحِ توسعةِ المستوطنات، لم يعدْ وصولُ الفلسطينيين للمكانِ سهلًا، فالمستوطنون يهاجمون المواطنين ويعتدون عليهم، الأمر الذي حالَ في بعض الأوقات دون القدرة على تنظيمِ المساراتِ والجولاتِ السياحية".

وتضمُ محافظةُ سلفيت أكثر من 130 موقعاً أثرياً، معظمُها في المنطقة "ج"، ويمنع فيها الاحتلال الفلسطينيين من القيامِ بعملياتِ الترميم وتحويلِها إلى مزاراتٍ سياحية، وفق وزارةِ السياحة والآثارِ.

ويُعد الدَيران كغيرهما من المواقعِ الأثرية، عرضةً للاندثارِ والتدمير بفعل سياسةِ الاحتلال الإسرائيلي الذي أحكم قبضته على تلك المواقع؛ وحدَّ من نشاط السلطة الفلسطينية فيها بالإعلان عنها مناطقَ عسكرية مغلقة أو مناطقَ مصنفة "ج".

ويُعد دَير سمعان من أهم المواقعِ الأثرية في محافظة سلفيت، فهو مبني من حجارة منقوشة كما رُصّعت أرضيتُه بالفسيفساء البيضاء والملونة والرخام، إلى جانبِ الزخارف المعمارية التي تنتشرُ فيه، والتي تعودُ إلى العهدِ البيزنطي. كما تظهرُ بقايا الأدراج والجدران الاستنادية التي كانت تؤدي إلى الدَير، هذا الأمر جعل الموقعَ عرضةً لاستهداف مباشرٍ من الاحتلال ومستوطنيه على مدارِ العقودِ الماضية، وفق خطةٍ محكمة قامت على سرقةِ الآثارِ الموجودة فيه تحديداً الحجارة، مع العمل على تغييرِ معالمِه ليبدو كأنّه موقعٌ يهودي.

أما دَير قلعـة المقام في أعلى قمة جبل القلعة، شرقي بلدة دَير بلوط، في محافظة سلفيت، فحسب قول خبراء علم الآثار، إن الدَير شُيد في القرن الخامس أو السادس في عهد الإمبراطور جوستنيان إبان الفترة البيزنطية.

ويضم دَير قلعـة آبار وبرك وصهريجَ مياهٍ رئيسي والذي كان مخصصاً لتجميعِ المياه، ومنازلَ منحوتة في الصخر، وسوراً داخلياً وآخرَ خارجياً، وأقواساً، وطاقات في أعلى جدران الدَير، وغرفَ طعام واستقبال ومعاصرَ للعنب والزيتون منحوتةً أيضا في الصخر.

علمًا أن دَير قلعة بُني من حجارة مُشذّبة، مُرّصعة أرضيتُهما بالفسيفساء البيضاء والملونة والرخام ذات رسومٍ هندسية وعناصر مستوحاةٍ من الطبيعة كالنباتات والطيور، إلى جانبِ الزخارف المعمارية التي تنتشرُ في شتى أنحاءِ الموقع وتشكلُ لوحةً رائعةَ الجمال من الداخل، كما ينتشرُ في الموقع عددٌ من المذابح التذكارية التي حفر معظمُها في الصخر، إضافةً إلى الحمامات التي تختلفُ فيها درجاتُ الحرارة بين الباردة والفاترة والساخنة.

وفي جولتِنا مع فريق " امشِ، تعرّف على بلدك" في بلدة دَير بلوط باتجاه دَير قلعـة، دخلناه من الجهة الشرقية؛ وسرنا عبر ممرٍ يؤدي إلى الكنيسة، وفي الجهةِ الجنوبية الشرقية شاهدنا غرفةَ الطعام، حيث بالقربِ منها يقعُ خزان المياه الذي يُوصف أنه الأضخمُ في فلسطين في الفترةِ البيزنطية، إذ تبلغ مساحتُه 10.3 x 33.4 مترا، ويبلغ عمقُه الأصلي 15 مترًا، ويتسعُ لـ 5000 متر مكعب من المياه.

نقل الفسيفساء إلى متاحف إسرائيلية
وللحديث عن أهمية الدير التاريخية والاستراتيجية، يقول منتصر موسى مدَير مدَيرية وزارة السياحة والآثار الفلسطينية في مدينة سلفيت: "يقع الدير على تقاطعِ طرقاتِ اللد وقيسارية ونابلس، وتبرز أهميتُه الدينية في كنيسته ظاهرة المعالم، وقبل عملياتِ التنقيب الإسرائيلية الأخيرة، كشفت المسوح الأثرية عن بوابةٍ رئيسية في الجدار الجنوبي لدَير قلعة، إذ تتناثرُ في المكان بقايا معمارية من أعمدةٍ وتيجان تحملُ رمزَ الصليب، كما تظهر في المكان بقايا الخزان المائي المركزي ".

ويضيف موسى: "يُعد من أكبر الخزانات المائية المعروفة في الفترةِ البيزنطية، لكن زيارةً سريعة للمكان بالرغم من خطورتِها البالغة بسبب التواجد الدائم لقوات الاحتلال وعصابات المستوطنين، تكشف حجم التنقيبِ المدمر الذي لحق به".

ومن المؤلم أن قطع فسيفساءٍ بأكملِها نُقلت إلى متاحفَ إسرائيلية، وفق تقريرٍ لوزارةِ السياحة عام 2005، فقد نظَّم خبراء آثارٍ إسرائيليين حملاتِ تنقيبٍ واسعة في أراضي دَير بلوط، وقد كشفت عن سلسلةٍ من الغرفِ والأرضيات الفسيفسائية الملونة والعادية، إضافة إلى الكشفِ عن قنواتٍ مائية، وصهاريج ومعاصر عنبٍ ومدافن".

وامتد الأمر إلى سرقةِ الآثارِ والحجارة القديمة من تلك المنطقة، ونقلِها إلى داخلِ المستوطنات المجاورة واستعمالِها في بناءِ البيوت والمرافِق العامة، في محاولةٍ يائسة للادعاءِ بوجودِ جذورٍ تاريخية لتلك المستوطنات، تبعًا لقول موسى.

تعمل إسرائيلُ على نفي هذه الصفة التاريخية عن تلك المواقع في المناطقِ الفلسطينية ونسبتِها إليها بحكم وقوعِها ضمن مناطق "ج" كما هو الحال في سلفيت التي تحوي 80 خربةً أثرية ونحو 300 موقع بين مزارٍ ومقامٍ وقبور ومقاطعَ صخرية، أكثر من 70% منها وفق "منتصر موسى" تحت سيطرةِ الاحتلال في مناطق "ج"، رغم أن القانونَ الدولي يُلزِم دولةَ الاحتلال بالاهتمامِ بالآثار لصالحِ المجتمع المحلي، أي الفلسطينيين، فغرضُ المصادرة سيجعلُ المستوطنين المستفيدين الوحيدين، ويُقصي الفلسطينيين عن أراضيهم.

ويقع الدَير ضمن المناطق المصنفة "ج" وفق اتفاق أوسلو، وهو بحسب موسى، ما شكل صعوبة في وصول الفلسطينيين إليه لحمايته وترميمه، ووفر فرصة لتجار الآثار اليهود للتنقيب عن الآثار هناك وسرقتها، بالإضافة إلى الاستيلاء على نحو 850 دونماً من المنطقة لصالح الأراضي المقامة عليها المستوطنات، بهدف الالتفاف على الموقع الأثري وضمّه ليصبح ضمن حدود وهيكلية المستوطنات، وهو ما تم لاحقاً.

وفي سلفيت أيضاً، ليس الصراعُ حضارياً وتراثياً فقط، بل إنه ديمغرافي أيضاً، وحسب خبراءَ فلسطينيين في شؤونِ الإستيطان، تعد محافظةَ سلفيت ثاني محافظة بعد القدس المحتلة يتمركز فيها الاستيطان، إذ يتفوقُ فيها عدد المستوطنين على عددِ الفلسطينيين وقراهم، ففوق أراضيها التي تبلغ مساحتها ـ204 كيلومتر مربع؛ تجثم خمسةٌ وعشرون مستوطنة وتسعُ بؤر استيطانية، بالإضافة إلى معسكرين لجيشِ الاحتلال مقامين على أراضي محافظة سلفيت، يقابلُها تسعةَ عشرَ تجمعاً سكانياً فلسطينياً فقط .

المصادر التوراتية معلومات مضللة
وعن علاقة مملكة سبسطية المزعومة بدير قلعة الأثري، يقول عبد الرحيم حمران وهو خبيرُ آثارٍ فلسطيني: "لا علاقةَ لدَير قلعـة بسبسطية، سواءٌ من الناحيةِ التاريخية أم الجغرافيا السياسية، وهذا خلْطٌ تتعمدُه الرواياتُ التوراتية؛ إذ كانت سبسطية في العهدِ البيزنطي مركزًا أُسقفيًا، ولم تكن مملكةً يوماً ما، وأهميتُها في تلك الفترة ترتبط بـ يوحنا المعمدان".

ويضيف حمران: "هذه المملكة تعود إلى العصرِ الحديدي الثاني في نهاية القرن التاسع قبل الميلاد، وكانت فلسطين في هذا العهد تضمُ عددًا كبيرًا من الممالك، وما تورده المصادرُ التوراتية مضلل، والحقائقُ الأثرية تظهر مدى الحضارة الفينيقية لهذه المدينة، من حيث طرازِ البناء أو الزخارف، كما لا يوجد أيُ بحثٍ أو مقالٍ علميٍ تاريخي أو أثري .

وتجدر الإشارة إلى أن سبسطية كانت مدينةً مركزيةً، أعاد بناءَها القائدُ الروماني هيرود، وفقدت مركزيتها بتأسيسِ مدينةِ نابلس.
ويتابع خبير الآثار حديثه: "البرِك كانت في هذه المواقع وغيرِها، عبارة عن محاجرَ لاستخراجِ حجارةِ البناء، وكان لديهم إدارةٌ في تشكيلِها على شكلِ بركٍ لتجميعِ مياهِ الأمطار وتخزينِها لفصل الصيف مثل البركِ الأثرية الموجودة في بيت ليد، وسنيريا، ودَير سمعان، وبروقين وغيرِها الكثير".

وعن ما آلت إليه هذه المواقع يقول حمران: "يعود دير قلعة إلى العصرِ البيزنطي، الذي وقعت في نهايته كوارث طبيعية وزلازل دمّرت هذه المواقع، وما تبقَّى من السكان تجمَعوا في القرى الحالية وبقيت المواقعُ الأخرى".
ويذكر أن "معظمُ هذه الخرِب والأَديرة أُعيد استخدامها في العصر الإسلامي، خاصة في العهدِ المملوكي، وكانت في ذلك الوقت عبارة عن مبانٍ زراعية وعزبٍ لمربّي المواشي والمزارعين"

"نحن إذ ارتأينا القيامَ بهذه المقاربة بين موقعين متباعدين جغرافياً، ومتماثلين من حيث الاسمِ والنمط المعماري، فذلك لأن المشهدَ استرعانا، إذ لا تشعر بالفرقِ رغم بعد المسافة، وتخال وأنت تنظرُ الى موقع " دَير قلعة" الفلسطيني وكأنك في " دَير القلعة " اللبناني، فنحن نرى وطناً واحداً، ممتداً على رقعةِ المشرق السوري كلِه، متجانساً من حيث طريقةِ المعمار، والعناصرِ الهندسية، والتقاليد، والعادات، واللغة، والثقافة، كونه شعبًا واحدًا أبدع في الفكر والعمران والحضارة ونقلها إلى العالم أيضاً". 
"هل تُحدِثْ "أل التعريف" الفرقَ أم أنها عامل جمع!  الأرجح أنها لا قيمة لها لأن المسمى والنمط المعماري واحد والرقعة الجغرافية واحدة في الوطن الواحد: سورية.

 

خاص بآفاق البيئة والتنمية

تصميم وتطوير