مهندس فلسطيني يبتكر طريقة لتحويل النفايات الصلبة إلى مواد بناء
وطن- فراس الطويل
في مختبرات جامعة بيرزيت، إنهمك المهندس الفلسطيني مؤيد الريماوي في تجارب لمدة عامين تقريبا، للوصول إلى طريقة للاستفادة من الكميات الهائلة للنفايات في مدينة رام الله من خلال تحويلها إلى خلطة إسمنتية للبناء. ويقدّر إنتاج الفرد في محافظة رام الله والبيرة من النفايات كيلو غرام يوميا، وتواجه البلديات معضلة في نقل هذه النفايات إلى مكب زهرة الفنجان في جنين نظرا لعدم توفر مكب صحي في منطقة الوسط، وتعثر مشروع إقامة مكب في منطقة رمون شرقي المحافظة.
الفكرة خضعت لسلسلة من الاختبارات، أفضت في النهاية إلى خلاصة مفادها، أنه يمكن بالفعل تحويل النفايات من معضلة تشكل أعباء مالية للبلديات إلى ثروة تدرُّ دخلا لا بأس به، وتقلل من الأثر البيئي والصحي.
يقول الريماوي: "كثرة النفايات المتكدّسة في منطقة رام الله ومعاناة الأهالي من روائحها الكريهة، دفعني لخوض مجموعة من التجارب من أجل استغلال هذه النفايات الصلبة وتحويلها إلى مواد بناء".
من داخل مختبرات جامعة بيرزيت يشرح الريماوي لمراسل آفاق البيئة والتنمية، طريقة تحويل النفايات إلى خلطة إسمنتية تستخدم في بناء الجدران والأرصفة وغيرها. أو تحويلها إلى حصمة تستخدم في عمليات التشييد المختلفة. تبدأ العملية بفرز أولي للنفايات والتخلص من المواد العضوية فيها، ومن ثم طحنها وفرمها، وإضافة مادة كيماوية تساعد في تماسك الخليط الذي يضاف إليه الاسمنت والرمل بنسب معينة، وصبه داخل مكعبات بأشكال مختلفة حسب الاستخدام المطلوب، وإدخاله بعد ذلك إلى فرن حراري للحصول على الخصائص المطلوبة. وعن هذه الخصائص يبين الريماوي أنها خفيفة الوزن وتتشابه إلى حد كبير مع ميزات الخرسانة العادية من حيث قوتها وتحملها.
وحتى تجد الفكرة طريقها للتطبيق والخروج من أروقة المختبر إلى السوق، فإنها تحتاج حسب الريماوي لإقامة مصنع لفصل المواد العضوية عن النفايات الصلبة، وطحنها، ومعالجتها حرارياً، وتخزينها، وطرحها للبيع والتسويق. ووفقا لدراسة أولية أجراها الريماوي فإن تكلفة المصنع تصل إلى خمسة ملايين دولار، وهو مبلغ تدفعه بلدية رام الله خلال ثلاث سنوات مقابل ترحيل نفايات المدينة إلى زهرة الفنجان.
وبالإضافة للمردود الاقتصادي لهذه الطريقة الجديدة في التخلص من النفايات، من خلال تقليل الأعباء المالية على البلديات وخلق فرص عمل جديدة، فإنها تقلل من التلوث البيئي الناتج عن حرق النفايات وطمرها وعدم معالجتها، ناهيك عن تقليل عمليات حفر الجبال لاستخراج الحصى، والحفاظ على الحياة البرية بشكل عام.
ابتكار الريماوي حاز على جائزة "المسابقة الخضراء" من أصل 4 جوائز أثناء مشاركته في المسابقة التي نظمها مركز التعليم المستمر في جامعة بيرزيت برعاية من الاتحاد الأوروبي حول "المشاريع الخضراء"، والتي تقدم لها 84 مشاركا من دول عدة، ومثل فلسطين في مؤتمر العلوم البيئية في برشلونة في نهاية 2018.
محافظة رام الله والبيرة تفتقر لمكب صحي للنفايات
أي فكرة من شأنها التقليل من كميات النفايات تعتبر مهمة بشكل عام، وخصوصا في محافظة رام الله والبيرة بسبب معاناة منطقة وسط الضفة من عدم وجود مكب صحي لجمع وإدارة النفايات الصلبة، ما يزيد من العبء المُلقى على مكب زهرة الفنجان، ويؤثر على قدراته التشغيلية، كما يزيد من تكلفة النقل التي تُقّدر بـ 7.5 مليون شيكل سنوياً، ما يفاقم مشكلة انتشار المكبات العشوائية، والتي بلغ عددها 83 موقعًا حسب مجلس الخدمات المشترك؛ علمًا بأن العدد متذبذب وقابل للزيادة أو النقصان من فترة إلى أخرى، بسبب إغلاق بعض المكبات العشوائية وفتح أخرى نظرًا للإغلاقات الإسرائيلية والتمدد السكاني، وغيرها من القضايا.
ولم تنجح المقترحات بإقامة مكب نفايات صحي في المحافظة رغم بداية الحديث عنها في عام 2005، حيث دار الحديث منذ ذلك الحين عن مكب لإدارة النفايات الصلبة في قرية رمون شرقي رام الله، إلا أن المشروع تعثر في بداياته، فلم توافق عليه سلطات الاحتلال بحجة أن الأرض المقترحة للمشروع تقع في منطقة (ج)؛ كما إن التجمعات السكانية المجاورة للموقع تصر على رفض إقامة المكب بجوارها؛ لذا لا زال المشروع دون تنفيذ رغم توفر التمويل اللازم له.
وأمام تعثر إقامة المشروع في منطقة الوسط، بقيت نفايات هذه المنطقة ترحل إلى مكب زهرة الفنجان الذي يستقبل أيضا نفايات منطقة شمال الضفة، الأمر الذي حمل المكب أكثر من طاقته الاستيعابية وعكس نفسه على الوضع البيئي والصحي في المنطقة المجاورة. أما منطقة جنوب الضفة فترحل نفاياتها إلى مكب المنيا في محافظة بيت لحم.
النفايات في الضفة وغزة ثروة مهدورة
تقدر كميات النفايات الصلبة المنتجة في الأراضي الفلسطينية بحوالي 2551 طناً يومياً، بواقع 1835 طناً يوميا في الضفة الغربية و716 طناً يومياً في قطاع غزة، وذلك وفقا لمسح البيئة المنزلية (2015) في الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني والذي تظهر نتائجه أن معدل إنتاج الأسرة الفلسطينية من النفايات الصلبة 2.9 كغم؛ حيث بلغ متوسط إنتاج الأسرة في الضفة الغربية حوالي كغم3.2، أما في قطاع غزة فبلغ حوالي 2.4 كغم.
وفي الوقت الذي تشكل فيه النفايات الصلبة ثروة من المواد الخام في العديد من الدول، بحيث يتم إعادة استغلالها دون ذهابها هدراً. بقي الوضع في الضفة وغزة مختلفا؛ حيث يتم هدر حوالي 20 ألف طن من النفايات الصلبة من المنشآت الاقتصادية شهرياً، باستثناء إعادة تدوير بسيطة للورق والبلاستيك. ويأتي ذلك رغم إطلاق وزارة الحكم المحلي في نهاية 2018 الاستراتيجية الوطنية لإدارة النفايات الصلبة (2017-2022)، والتي هدفت إلى رفع مستوى وعي المواطنين وتقليل إنتاج النفايات، لخفض الكميات المخصصة للتخلص النهائي منها وطمرها إلى 10% على المدى البعيد.
وأظهر تقرير تقييم الوضع الحالي لإدارة النفايات الصلبة، والذي تم نشره من قبل وزارة الحكم المحلي في شهر آب - 2017، أن أكثر من 50% من مكونات النفايات الصلبة عبارة عن مواد عضوية، حيث أنه بمعرفة مكونات النفايات ومصادرها المختلفة يمكن تعزيز فرص معرفة الجدوى من فصل أو تقليل النفايات الصلبة المنتجة مثل فصل البلاستيك والمواد الأخرى لإعادة تدويرها.
وستبقى النفايات مشكلة قائمة في الضفة وغزة ما لم يتم الاستثمار بشكل جدي في توعية الأفراد بداية في تقليل كمياتها بدءا من المنازل، وصولا إلى مرحلة فرز كل صنف على حدىَ لتسهيل التعامل معها. ودون اقتناع القطاع الخاص بجدوى الاستثمار في هذا الثروة، لن تجد مشاريع التدوير وإعادة الاستخدام طريقها نحو التمدد بشكل كبير وصولا إلى مرحلة خلق فرص اقتصادية.
لمشاهدة المراحل المخبرية التي تمر بها عملية إنتاج مواد البناء من النفايات الصلبة، يرجى النقر على الرابط التالي:
https://www.youtube.com/watch?v=OUr8W9GDNVU
خاص بآفاق البيئة والتنمية