خاص لـ"وطن": بالفيديو.."قيسارية" غزة.. الوجهة الأولى لشراء الذهب رغم قدمها
غزة - وطن - خلود نصار: لتدخل التاريخ من أحد أبوابه عليك أن تمر من سوق الذهب المسمى بالقيسارية، ذلك الشارع الطويل الضيق الذي يأخذ طراز بنائه شكل أقواس من الأعلى، وتتراص فيه محال الذهب، فكل صائغ يحاول عرض منتوجاته اللامعة بشكل أكثر إغراءً.
يبلغ طول هذا الشارع حوالي 60 مترًا وعرضه لا يتجاوز الثلاثة أمتار، وتعلوه فتحات صغيرة تسمح بدخول الضوء والهواء من خلاله ويصل عرض محاله المترين ونصف المتر.
ويكتسب هذا الذهب قيمة معنوية أكبر عند بيعه في هذا المكان الأثري الذي يملك أصولا ضاربة في التاريخ الإسلامي وتوارث أصحاب هذه المحال الصغيرة مهنتهم ومحالهم التجارية من أجدادهم وستبقى ميراثا يورث لأحفادهم.
يقول رفيق عياد، ( 75 عامًا)، إنه "ورث هذا المكان وهذه المهنة عن أجداده والذين ورثوها عن أجدادهم فهو ميراث لهذه العائلة سيستمر معهم".
وتحدث عن عملهم بالذهب، قائلًا لـوطن: نحن عملنا بأيدينا وشربنا صناعة الذهب وبيعه وشرائه رغم أننا جميعا من خريجي الجامعات إلا أن العمل بالذهب إرث لا نتخلى عنه.
ويذكر أنه عندما كان طفلًا كان ينتهي من مدرسته ويذهب ليلعب في محل والده، ويضيف: كنت صغيرا جدا ورغم أنني مسيحي الديانة كنت أنام في المسجد العمري عند تعبي حتى أستيقظ وأعود إلى محل والدي من جديد.
وخلال احتسائه فنجان قهوته، يشير عياد إلى ظهور الذهب الصيني الذي لا قيمة له، حسب وصفه، مضيفًا: وأصبح "موضة" نظرا للظروف الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها القطاع وخاصة فئة الشباب المقبلين على الزواج، في المقابل يبقى الذهب محتفظًا بقيمته حتى وإن مر عليه أعوام طويلة بل بالعكس قد تزيد قيمته.
ويعود بناء السوق للقرن الـ13، وهو يعد من أقدم الأسواق القديمة المتبقية في قطاع غزة، وسمي بالقيسارية نسبة إلى القيساريات وهي أحد أشكال المنشآت التجارية الحرفية والصناعية القديم، التي عُرفت في العصر الروماني خلال عهد قيصر، وفق الموقع الإلكتروني لوزارة السياحة والآثار.
ولتكتمل تلك اللوحة التاريخية المسطرة بمبان معمارية لابد أن تعرف أن هذا السوق هو جزء من ضمن وحدة معمارية متكاملة تشكل عناصر الدولة الإسلامية، وهي متكونة من الجامع العمري الكبير الذي يقع أحد أبوابه داخل سوق القيسارية، بالإضافة إلى حمام السمرة وقصر الباشا.
وكان هذا السوق سابقا مكانا لبيع الحبوب والجلود والمشغولات الجلدية، وسمي من قبل بسوق العطور والبخور؛ لأنه كان يشتهر بهما، حتى استقر عليه الحال ليكون سوقًا لبيع وشراء الذهب.
أما في المحل المجاور لعياد، تحدث زاهر أبو خاطر، (49 عامًا)، والذي اكتسب أيضا هذه المهنة من والده وأجداده، قائلًا: العمل بالذهب سابقا كان أفضل لأن الطرق كانت مفتوحة وكان الجميع يستطيع زيارة غزة، فكان يزوره سكان بئر السبع والـ48، ويشترون منه، أما الآن فالبيع يقتصر على سكان القطاع الذين يعانون من ضيق المعيشة.
ويشير إلى اعتمادهم الكلي في هذه الأيام على مصانع الذهب المحلية فقط، حيث يمنع استيراد الذهب من أي مكان في العالم، وإن أمكن استيراده تتم مصادرته على معابر الاحتلال.
وحول المواسم التي يزداد فيها بيع الذهب، يوضح أبو خاطر: تكثر حركة البيع في مواسم الأفراح بالصيف، إضافة إلى ارتباط البيع والشراء بالحركة الاقتصادية في قطاع غزة مثل حركة البناء ودخول الاسمنت.
ووسط اندماجها في اختيار قطعة ذهبية، تشير المواطنة أم حمدي عياد، (54 عامًا)، إلى أنها تفضل الشراء من هذا السوق واعتادت على ذلك منذ زمن طويل، وتشعر براحة في التعامل مع الباعة فيه.
وتشير إلى أن شراء الذهب أصبح في هذه الأيام لتجميد المال فقط ويتم بيعه مباشرة عند الوقوع بأي ضائقة وخاصة أن غزة تعاني من سوء الأوضاع الاقتصادية.