عبد الرحمن التميمي يكتب لـ وطن: في بيتنا متدين

20.08.2016 10:29 AM

الظروف الفلسطينية من حيث الضغوط الاجتماعية والاقتصادية والسياسية جعلت المواطن يفكر في قضايا كثيرة وظواهر يراها في المجتمع تجعله يصل إلى سؤال هل هذه ظاهرة فلسطينية بحتة، تقتصر على المجتمع الفلسطيني الذي دائما يفسر الأمور بأنه صاحب خصوصية.

قد يصلح هذا التفسير في قليل من الأحيان ولكنه لا يصلح لتفسير كل ما يحيط بها فنحن جزء من العالم نتأثر به ولا نؤثر لحد الآن، والمجتمعات العربية بشكل عام هي مستعملة ومستخدمة " سلبا وإيجابا"، للمعرفة التي يتيحها العالم ولا تنتج منها شيئا.

هذه المقدمة هي محاولة لتفسير ظاهرة التدين بشكل عام التي تسود المجتمعات الشرقية والغربية .لقد لفت نظري أحد الأصدقاء وقد أصابته الحيرة والعجز في الإجابة لماذا تدين أولاده بينما هو وزوجته لا علاقة لهم بالتدين، والثقافة السائدة في البيت هي العلمانية، فقد خجلت أن أقول له ( فالعربي يخجل من أن يحدث عن مشاكله بينما يستمتع في نصح الآخرين) إنني لدي نفس السؤال وذات الإشكالية، وبعد أن غادرني صديقي، أخذت سؤاله الذي هو في الواقع يتطابق تماما مع سؤالي واستفسارات الكثيرين، وهو باختصار لماذا يتدين أولادنا بينما نحن علمانيون، وما هي مصادر ثقافتهم وكيف يصلون إلى هذه القناعات التي تشكل أحيانا بالترغيب وأحيانا كثيرة بالترهيب، فحاولت أن أرى مصادر المعرفة لأولادنا في المنزل وفي المجتمع وفي المدرسة ومع الأصدقاء، فتبين لي حقائق تكاد تساعد إلى حد كبير في خلق أحادية المعرفة وتنوع المصادر لدى هؤلاء الأطفال.

فعلى سبيل المثال هناك البيئة السياسية التي يتأثر بها الأولاد بالإكراه وهي بيئة التكفير وإظهار المجتمع الفلسطيني على أساس أنه منقسم بين كافر ومؤمن بين علمانيين ومتدينين وهذه الثنائية بالضرورة ستجعل أولادنا يبحثون عن إجابة سؤال هو من أي طرف، ولكي يجيب على هذه الأسئلة، فوسيلة المعرفة المتوفرة والمتاحة إليه في المنزل هي التلفزيون والانترنت، وهناك تربية ما أود تسميته بالمرجع المقدس، ذلك المربع له أربعة أضلاع " حرام، حلال، عيب، مقبول" فعلى الابن أن يلعب في هذا المربع أي قناة تلفزيون يشاهد ما يطبق عليها قانون المربع المقدس وأي صفحة انترنت تخضع إلى نفس القانون، ولهذا لا بد من أن يشاهد على الأقل "85" محطة فضائية برامجها بنسبة 90-100% هي برامج دينية، أما الانترنت بينت الأرقام وحقائق تجعلنا لا نخاف فقط بل نجزم أننا في المستقبل القريب سوف نصبح أبناء ثقافة الممر الإجباري نحو التدين " في ظل فشل العلمانيون في ممارسات علمانيتهم وخوفهم من إظهار علمانيتهم وإلا كيف تفسر أن أعلام اليسار والعلمانية في بلادنا نراهم في مناسبات قد تكون انتخابية أو حالة نفاق

سياسي يحرصون على إظهار تدينهم، وعودة على بدء ما قاله كتاب صادر عن مركزدراسات الوحدة العربيه في بيروت يتعلق بالفضاء المعرفي "المعرفة على شبكة الانترنت" فهناك أكثر من خمس الاف موقع على شبكة الانترنت تعنى بالحديث والقرآن وهناك ما يقارب ثلاثة عشر مليون زياره شهريا لمواقع دينية مقارنة مع خمسون الف لمواقع ثقافية و عدد المتصفحين .لموقع دينيه يفوق ( بثماني ) أضعاف ما يصلون إلى مواقع ثقافية أخرى.

هذه مصادر المعرفة البيتية اما في المدرسة، نجد أن هناك على الأقل 5-6 ساعات من حصص الدين " وهذا ليس عيبا" ولكن المادة التي تدرس لا تعنى بتنمية التفكير وإثارة الأسئلة وبما أننا " أمة الأجوبة " فكل شيء له جواب عند معلمي مادة الدين وبالتالي لا داعي للسؤال لأن الأجوبة مسبقة الصنع صالحة لكل زمان ومكان وهناك خطبة الجمعة التي لا تمت بصله الى الحكمة من خطبة الجمعة فتركز على الوعظ والإرشاد بلغه خشبيه وهي تقام 48 مرة في السنة في جوار منازلنا، ولو كان النصح والإرشاد مؤثرا لأصبح أئمة المساجد هم قادة التغيير في المجتمع الإسلامي.

إذا كانت ثقافة المدرسة والمنزل والمجتمع هي ثقافة تقود أولادنا نحو السؤال الكبير ما دام أهلي ومدرستي ومجتمعي يرغبون أو يجبرونني على أن أكون لاعب في المربع المقدس فلماذا لا أكون الولد المطيع وأكون لاعبا ماهرا يرضي الجميع بأن أتدين، والمشكلة ليس في أن يكون أبناؤنا متدينون المشكلة أنك لا تستطيع أن تضع حدا لأي مدى يستطيع أن يتدين، وما هي نوعية تدينه بعد كل هذا أليس من حق صاحبنا أن يخاف أن يكون في بيتة متدين غير معروف الى أي مدى سيذهب .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير