التعليم الجامعي والمشاكل التي تواجه دراسة القانون في فلسطين

07.12.2020 09:49 PM

رام الله – وطن : سلط برنامج "عدل" الذي يقدّمه المحامي أنس الكسواني عبر شبكة وطن الإعلامية بالتعاون مع الهيئة المستقلة لحقوق الانسان، الضوء على ملف مشاكل التعليم الجامعي في دراسة مادة القانون، بمشاركة أستاذ القانون الدستوري والقانون العام د.رشاد توام، واستاذ القانون الجنائي د.جهاد الكسواني.

وناقش الضيوف مسائل عدة تتعلق بمشاكل التعليم الجامعي في دراسة مادة القانون وأثرها على خريجي كليات القانون في سوق العمل في قطاع العدالة.

واستعرض د. رشاد توام مجموعة ملاحظات شخصية خلال حديثه عن تلك المسألة  قائلاً "ان الاشكاليات التي نواجهها اليوم هي طارئة وجديدة" مستدركا "في فترة من الفترات كان تعليم القانون في فلسطين جيد بل أحيانا جيد جدا وممتاز".

واضاف توام "في فترة من الفترات بدأ التعليم الجامعي يتراجع ويخفت، وقد يكون من أسباب تلك المشكلة كثرة الكليات التي تطرح مساق القانون، وقد تكون المشكلة الاخرى تتعلق بسوق العمل، من خلال توجه الطلاب بطلب من ذويهم الى دراسة القانون ولذلك يجب تدخل الدولة في تحديد ما هي التخصصات المطلوبة".

وتابع " هناك اقبال على القانون زاد عن الحاجة اليه، وبعض الطلاب يتوجهون لدراسة القانون رغم ادراكهم انه غير مناسب لهم"، لافتا الى ان "الكثير من الطلبة يقولون ان سبب توجههم لدراسة القانون نتيجة ضغط الاهالي، لكن التوجه بسبب الرغبة والشغف قليل جدا".

واوضح توام " ان بعض المهن تتطلب ان يكون لها شخصية تناسبها، وشخصية رجل القانون تحتاج لحضور شخصي، ولذلك يتوجب على الطلاب والاهالي والحكومة ان تساعد في انتقاء ودفع واختيار الطلاب الى تخصصاتهم بشكل دقيق".

ولفت توام الى ان التعليم الجامعي يجب ان يقوم على 3 ركائز متوازنة وهي " النظرية وهي الطاغية لدينا، وتعتمد التعليم النظري وهي ركيزة مهمة لكن لا يجب ان تنال الحصة الأكبر من العملية التعليمة، والركيزة الثانية البحث العلمي وهي ليست مساقات وإنما مسار يتم وفق منهجية قانونية وتصنع خريج قانون مميز، والركيزة الثالثة التطبيق او التعليم الاكلينيكي، من خلال عيادات القانون".

واشاد بإقدام الجامعات الفلسطينية على فتح العيادات القانونية، مستدركا "بدأ يظهر ان بعض الجامعات لديها عيادات قانونية صورية "، معربا عن دعمه ان يتم تدريس كل المساقات خلال جوانب تطبيقية.

وعن المحامي المتدرب، وعلاقة ما يتدربه بما تعلمه من الجامعة، وإن كانت الجامعات لدينا تقدم ما نحتاجه  لبناء منظومة قانونية قال توام "الجامعات الفلسطينية اجمالا تقتنع انه دورها ليس تخريج محامين، وإنما رجال قانون، وهي تعول على تدريبهم لمدة عامين، لأنها فترة طويلة".

ولفت توام " ان نقابة المحامين تلوم الجامعة بأنها لا تقوم بالتأهيل اللازم لخريجي القانون، وأن المتدربين يقولون ان هناك فرق شاسع  بين التدريس وبين التدريب".

وشدد توام على اهمية التمتع بأخلاقيات البحث العلمي والأمانة العلمية من أجل بناء منظومتنا القانونية، مضيفاً "من الأهمية بمكان لجامعاتنا ان تهتم بتعليم  أخلاقيات المهنة والبحث العلمي"، وأن تدقق الجامعات جيدا على التزام الطلاب بأمانة وأخلاقيات البحث العلمي.

وتطرق توام الى مسألة سرقة الأبحاث العلمية، او لجوء الطلبة الى جهة ما لاعداد بحثه العملي مقابل اجر مالي قائلا ان "الانتقاد الأول في ذلك موجه الى النظام القانوني لأنه يخلو من عقوبات صريحة"، مضيفاً لدينا  قانون حماية حق المؤلف لعام 1924 وهو يأمر بتطبيق القانوني البريطاني لعام 1911 الذي يتعرض لسرقة الكتب والأبحاث الجامعية، لافتا الى ان نظامنا القانوني يعتريه بعض الثغرات في هذا الجانب.

واضاف " اذا لم اكن قادر على مقاضاة الأكشاك التي تقوم بإعداد الأبحاث العملية مقابل مال للطلبة، لدينا سلطة ضبط إداري تستطيع القيام بعملها كون هذه الاكشاك تقوم باشياء مخالفة، وهم معروفين للجميع بل يقومون بنشر إعلانات حول ذلك".

وعن ما يشكوه المحامين المتدربين من عدم حصولهم على التدريب اللازم ومن يتحمل مسؤولية ذلك قال توام " ان الجميع يتحمل ذلك دون استثناء، بداية من الحكومة في تحديدها لدرجة قبول الطلبة الملتحقين في كلية القانون".
واضاف " نحن بحاجة الى دراسة شاملة حول ذلك، وأن نبدأ بحل المشكلة في المدارس، إذ يجب تأهيل الطالب قبل التحاقه بالجامعة، لكي يدرك انه متوجه الى شكل مختلف في التعليم".

واكد توام ان المحامي المتدرب يتعرض لظلم من عدة جوانب أبرزها " أنه لا يوجد لديه دخل مادي، فبعد دراسة 4 سنوات عليه الالتحاق بالتدريب لمدة عامين دون دخل، بل ان بعض المتدربين يقومون بدفع المال من جيوبهم أثناء تنفيذهم بعد المهمات لأساتذتهم المدربين".

من جانبه قال أستاذ القانون الجنائي د.جهاد الكسواني ان فلسطين بلد محتل وهي لم تؤسس لمدرسة قانونية ذات هوية فلسطينية، لافتا الى ان مدرستنا القانونية من ناحية الفكر هي المدرسة اللاتينية التي تخرج المفكر القانوني الذي لديه  القدرة على التفكير القانوني وليس شخص عامل في القانون.

واكد الكسواني إنه لا يوجد لدينا تدريس التفكير القانوني،  لان منظومتنا على سبيل المثال لا تسمح للطالب أثناء الدراسة بالذهاب للمحكمة للترافع مثلا، كما ان العيادة القانونية نظرية لان المنظومة الفلسطينية لا تسمح بذلك، فالقانون لا يسمح للطالب ان يترافع في المحكمة.

واضاف ان "فكرة العيادات القانونية تم اسقاطها على منظومتنا ولا تتناسب ابدا معها، ولذلك على كليات القانون ان تذهب لطريقة التفكير القانوني، كـ تعليم الطالب حل الاستشارة القانونية على سبيل المثال، او التعليق على حكم محكمة وقرار قضائي، لان ما نحتاج إليه هو التفكير، والطريقة التقليدية لا تخدم وهي دون فائدة".

وحول إن كانت جامعاتنا تُخرج مؤهلين لسوق العمل، قال الكسواني " إذا نظرنا لتطور سوق العمل، فإنه بات يبحث عن مهارات اضافية، وهذه المهارات يجب ان تضاف لخريجي القانون وليس فقط المعلومات النظرية"، مضيفاً "لا يمكن اليوم الحديث وتطبيق المدرسة القانونية بطريقة تقليدية كما كان قبل 30 سنة، فرجل القانون يجب ان يواكب التطورات، وعلى سبيل المثال المحامي لا قيمة له اليوم دون إتقان اللغة الانجليزية ومعرفة ببرامج الكمبيوتر لان هذه مهارات مهمة".

ودعا الكسواني الى ضرورة التركيز على التفكير القانوني لكي يتم تخريج رجل قانون مفكر الى سوق العمل، مضيفاً "نحن نُلام بأننا ضعيفين في طريقة التفكير القانوني وللاسف نحن في فلسطين نبحث عن شهادات، وخلال 14 من التدريس رأيت الطالب يبحث عن شهادة وليس عن علم ومعرفة".

واضاف الكسواني ان طريقة تعليم الجامعات الفلسطينية، مخطئة بحق الطالب، إذ ليس من أساس وواجب كليات القانون ان تخرج انسان على درجة عالية من المعرفة القانونية وانما لزاما عليها ان تخرج رجالا ونساء لدى كل واحد منهم طريقة تفكير قانونية يمتاز بها عن غيره".

وتابع " الجامعات لدينا في فلسطين تُخرج رجال ونساء القانون وهم لديهم الحد الادنى من التفكير القانوني"، مضيفا "المشكلة الاكبر هي في المناهج الجاهزة، فالكتب التي تُعطى للطالب لدراستها طوال فصل هو أمر قاتل، لذلك يجب التركيز على محاور ورؤوس اقلام تُعطى للطالب الذي يجب ان يكون باحثا منذ اليوم الأول لالتحاقه بكلية القانون".

وتطرق الكسواني الى جانب اخر من تداعيات تلك المشكلة تكمن في المنظومة القانونية التي لم تعرف كيف تخطط وترسم في بناء مؤسسات قانونية وبناء فكر قانوني سليم، ولذلك لا بد من تعديل المنظومة القانونية بشكل كامل، وفق قوله.

ودعا الكسواني الى ضرورة بناء مدرسة قانونية فلسطينية، لأن منظومة التفكير القانونية بحاجة الى تعديل وتنظيم وتأطير بشكل افضل، وهذا يتم بموجب تحرك عام من الدولة وطلب استشارة وطنية حول ذلك.

ولفت الكسواني إنه لا يمكن الحديث عن تأخر الوقت في إصلاح المنظومة القانونية التعليمية، فالإصلاح يحتاج الى ارادة فقط، خاصة ان هناك وسائل وجنود لذلك الاصلاح، والمسألة ممكنة وبشكل سريع، ويمكن خلال 10 – 15 عاما إصلاح المنظومة القانونية.

واضاف "اذا كان هناك إرادة سياسية يمكن إصلاح المنظومة القانونية، فهي بحاجة فقط الى ارادة سياسية واشخاص قادرين على اعطاء استشارة وطنية سليمة بذلك".

 

تصميم وتطوير