الثورات العربية ما بين الشعبي الحقيقي والانتهازي المأجور..بقلم: د.حسن عبد الله
انتصرت الثورة في تونس، لأنها كانت شعبية خالصة نظيفة، لم تستقوِ بالاجنبي، ولم تجلب لتونس الاساطيل والطائرات الأجنبية، بل جلبت الحرية والكرامة والعزة، حيث ضربت هذه الثورة مثالاً ابداعياً في التحرك الشعبي السلمي المنظم، الذي نجح في احداث التغيير، ونقل تونس من مرحلة الاستبداد الى التعددية والانفتاح.
ولحقت بها الثورة المصرية، لتشكل مثالاً آخر في النضال الشعبي، وقد كانت الكلمة الفصل للمواطن المصري، الذي انتصر لكرامته وعروبته وانسانيته، فكنس نظاماً استبدادياً، طالما نكّل ولاحق وصادر وهمّش، راهناً اقتصاد اكبر دولة عربية للأجنبي، محولاً مصر من دولة مصدرة ذات قرار ووزن على مستوى العالم كما كانت في زمن عبد الناصر، الى دولة تعيش على القروض والهبات، وبدل ان تصدر وتنافس، اصبحت سوقاً لمنتوجات بلدان، كانت مصر قبل بضعة عقود تفوقها صناعة وزراعة وتأثيراً.
وخرجت تونس ومصر من التجربتين الثوريتين موحدتين جغرافياً، تحاولان وضع مداميك جديدة وقوية للتنمية والتعددية السياسية والفكرية. لكن لا يمكن لنا بأي حال من الأحوال سحب ما جرى في تونس ومصر على أية تجربة عربية أخرى جديدة، الا اذا توافرت فيها الاشتراطات والانجازات التي تحققت في هاتين الدولتين، بمعنى أن اي ثورة أخرى سنضع خلفها الف علامة استفهام وتعجب، اذا تمكنت من تغيير نظام بصرف النظر عن تسميته، وانتهت بتقسيم البلاد الى دويلات صغيرة مفتتة، تحكمها القبلية والعشائرية، وتكون مرهونة تماماً للأجنبي.
وبالانتقال الى التجربة في ليبيا وسوريا، فقد بدأت المطالب شعبية مشروعة، فالمواطن طالب بتعددية وديمقراطية، حيث لا يمكن لأحد على وجه الكرة الارضية ان يصم اذنيه لمطالب شعب يسعى للديمقراطية وتوسيع آفاق حقوقه، لكي يتسنى له العيش بكرامة واحترام على ارض وطنه، الا انه ليس بمقدور "ثوري جديد"، ان يقنعنا بعد ان خرج للتو من عباءة النظام وساند سياسته وتوجهاته على مدى اربعين عاماً، بأنه اصبح في ليلة وضحاها ثورياً جذرياً يجرِّم نظامه، ثم ترى البعض يصفقون له، ويتناسون انه يتحمل مسؤولية كبيرة في ارتكاب اخطاء سابقة، ما دام كان احد مكونات النظام.
ولا احد بمقدوره ان يقنعنا ان الديمقراطية المنشودة هي تدمير بلد مثل ليبيا بالطائرات والصواريخ وحرق آبار البترول وتقسيم الدولة الى دويلات. وفي المقابل كيف لنا ان نقتنع بأن مسؤولاً شارك في قرارات وتوجهات سوريا على مدى عقود من الزمن، وكان مهيمناً على الملف اللبناني، بكل الاخطاء التي ارتكبت في التعامل معه، يصبح بدون مقدمات مطالباً بالديمقراطية، مجنداً الغرب لتوجيه ضربة لسوريا، بنفس سيناريو ليبيا، لولا ان روسيا والصين لوحتا بالفيتو، وافشلتا تدمير مقدرات بلد عربي آخر وتفتيته للعودة به الى مرحلة ما قبل الدولة.
هناك مطالب جماهيرية مشروعة مئة في المئة، للمواطن في سوريا وليبيا، شريطة ان لا يتم تدمير البلدين وتفتيتهما، بالاستقواء الارعن بالاساطيل الاجنبية. من حق المواطن في هذين البلدين ان ينعم بالحرية والديمقراطية، لكن ليس بطائرات الاجنبي، ولا بأصوات تحاول ان تقود المعارضة، بينما لم يجف حبر تواقيع اصحابها، على محاضر جلسات القرارات والتوجهات الرسمية في هذين البلدين.
المعارض الحقيقي هو المواطن، والصوت الحقيقي هو صوت المواطن، وليس صوت المسؤول السابق، الذي قرر فجأة، ان يصير "ديمقراطياً" و "تعددياً"، بعد ان قمع وسلب ونهب.
اذن يجدر بالمتابع او المحلل او المؤرخ لهذه الثورات ان يأخذ بعين الاعتبار خصوصية كل ثورة، وخصوصية كل بلد، واذا ما كانت الثورة نابعة من ضمير المواطن، وليست خاضعة لارادة من يأتمرون من الخارج وينفذون اجندات معينة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء