بلطجية وعفاريت..بقلم: فهمي هويدي

07.07.2011 10:23 AM

حين نقرأ تصريحا على لسان مصدر أمنى رفض ذكر اسمه يقول فيه إن فلول النظام السابق يدفعون ملايين الجنيهات لشراء البلطجية (الشروق 5/7) فإن هذا الكلام ينبغى أن يستوقفنا من أكثر من وجه. فنسبته إلى مصدر بتلك الصفة يعنى أنه ينبغى أن يؤخذ على محمل الجد. رغم أن رفض المصدر ذكر اسمه يثير عدة علامات استفهام حول ما إذا كان دافعه إلى ذلك هو الحذر أم الخوف أم عدم التأكد من دقة المعلومة. الأهم من ذلك أنه حين يصل الأمر إلى دفع ملايين الجنيهات لشراء البلطجية فمعنى ذلك أن الذين يمولون العملية من كبار أثرياء القوم فى النظام السابق، ثم حين يقول الخبر أن فى الأمر «مؤامرة» للوقيعة بين الشرطة والشعب لاستمرار الانفلات الأمنى فتلك معلومة تظل بحاجة إلى تحرير وإثبات.. وإذا صح أن مخططى «المؤامرة» زوروا أوراقا منسوبة إلى وزارة الداخلية تتضمن تقارير عن حركات سياسية قائمة، فذلك يعنى أن تلك الفلول لا تتمتع بقدرات مالية عالية فقط، وإنما لديها أيضا قدرات تنظيمية معتبرة. 

ذلك كله يفترض أن الخبر صحيح، وهو ما يمكن أن نرجحه حين لا تصدر الجهات الأمنية المعنية تكذيبا له. ولأن ذلك لم يحدث حتى كتابة هذه السطور على الأقل. فسوف نتعامل معه على ذلك الأساس. يشجعنا على ذلك أن صحيفة «الشروق» كانت قد ذكرت فى عناوين عدد سابق أن «تنظيما سريا يدير بلطجية الثورة المضادة) (3/7)، ونسبت ذلك إلى مصدر أمنى سيادى. ورغم أننى لا أعرف الفرق بين مصدر أمنى فقط ومصدر أمنى سيادى إلا أننى استنتجت أن الأخير أهم وأشد بأسا، ويؤيد الفكرة تقرير لجنة حقوق الإنسان الأخير الذى ذكر أن أحداث مسرح البالون كانت مدبرة. 

فى السابق كان يقال لنا إن الأجهزة الأمنية المصرية ترصد «دبَّة النملة». ولا أعرف إن كان ذلك صحيحا أم لا. لكنى أستبعد أن تكون تلك الأجهزة عاجزة الآن عن أن تضبط ذلك التنظيم السرى الذى يدير البلطجية ويمول أنشطتهم بملايين الجنيهات ونحن داخلون على الشهر السادس بعد الثورة. ولأنه يتجاوز «دبَّة النملة» بكثير فإنه ما لم يتم التوصل إلى قيادات ذلك التنظيم وعناصره. فأخشى أن يتشكك الرأى العام فى صحة التصريحات التى تطلقها المصادر المذكورة، الأمنية منها والأمنية السيادية. كما أخشى أن يشيع بين الناس أن ثمة تعمدا فى المبالغة فى حجم البلطجية واستخدامهم كمشجب تعلق عليه الخطايا التى تقع أثناء التظاهرات والاعتصامات. 

فى الماضى كان يقال لنا إن الجماهير بخير وإن المتظاهرين أبرياء ومخلصون وحسنو النية لكن المشكلة دائما فى «الفئة المندسة» التى تنشق عنها الأرض فى كل مرة، وتظهر لتخترق التظاهرات وتسعى لتوظيفها لصالح أهدافها الشريرة. وباسم التصدى للأشرار تتم ملاحقة الجميع وقمعهم. وليس سرا أن البلطجية كانوا طول الوقت ذراعا للأجهزة الأمنية التى تطلق فى مواجهة المتظاهرين والمعتصمين حيثما وجدوا. الأمر الذى يعنى أمرين، الأول أن تلك الأجهزة تعرفهم جيدا ومن ثم تعرف كيف تتتبع تلك الذراع وتجهض محاولاتها، والثانى أن البلطجية تربوا فى كنف الداخلية، فعملوا لحسابها فى الماضى ثم أصبحوا فى الوقت الراهن يعملون لحساب «الفلول»، وربما عَنَّ لبعضهم أن يعمل لحسابه الخاص. ولا ينبغى أن يغيب عنا بالتالى فى هذا الصدد نموذج «الشبِّيحة» ــ نظراؤهم فى سوريا ــ الذين لاتزال الأجهزة الأمنية تستخدمهم لقتل المتظاهرين، لكن النظام يتبرأ منهم وتصورهم أبواقه الإعلامية بأنهم إرهابيون متسللون وعصابات هبطت من السماء فجأة، حينما انفجر غضب الناس وخرجوا إلى الشوارع مطالبين بالحرية. 

لا أحد يستطيع أن ينكر أن فى مصر بلطجية خرجوا من جحورهم عندما انسحبت الشرطة وانكشف الأمن فى البلد. وبذات القدر فلا أحد يمكن أن يصدق أن الأجهزة الأمنية ومعها الشرطة العسكرية عاجزة عن وضع حد لأنشطتهم. وسنفتح أفواهنا من الدهشة حين يقال لنا إن ثمة تنظيما يحركهم وإن هناك ملايين من الجنيهات تنفق عليهم. وما لم تقدم لنا الرءوس والشخوص التى تحرك وتخطط وتمول تلك الأنشطة، فإننا ينبغى أن نُعْذَر إذا راودتنا الشكوك فى الرواية كلها، ذلك أنه من الصعب إقناعنا بأن البلطجية مثل «العفاريت» حاضرة وغائبة فى نفس الوقت، ولا أريد أن أذهب فى إساءة الظن إلى الحد الذى يطرح احتمال تعمد تلويث سمعة شباب الثورة الغاضب ودمغهم بأنهم بلطجية لتسويغ ملاحقتهم وقمعهم، لاقتناعى بأننا إذا كنا قد تعثرنا فى المسيرة فإننا لم ننتكس بعد إلى هذه الدرجة.

 جريدة الشروق المصرية

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير