احتفال على مقبرتين..بقلم: امجد عرار

05.07.2011 05:09 PM

حكومة جنوب السودان تتحدّث على نحو ابتهاجي عن اكتمال التحضيرات للاحتفال بإعلان دولتها المنفصلة، وبطبيعة الحال سيكون الاحتفال بمشاركة أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون ومسؤولين من ثمانين دولة، ثلاثون منها يمثّلها رؤساء، كلّهم سيكونون ضيوف عرض الحلقة الأولى من مسلسل تقسيم السودان، وهو أحد أجزاء مسلسل تقسيم ما كان يسمى الوطن العربي الكبير قبل أن يصبح أوطاناً صغيرة، وما دام “الخير لقدّام” فإنه مرشح ليصبح حواري وأزقة وزنقات .

بعض الجنوبيين لا يبحث عن الاستقرار رغم الانفصال، إذ إن وظيفته لا تقف عند هذا الحد وتتجاوزه إلى تخوم الابتزاز والضغط السياسي لمواصلة تقطيع السودان، وليست قضية آبيي سوى مسمار جحا ومشهد في فيلم استعماري طويل خبرنا الكثير من نماذجه الماثلة على شكل مناطق “متنازع عليها” بين الكثير من الدول العربية، وقد تحوّلت إلى قضايا نائمة في حال كانت العلاقة الثنائية بين الدولتين المعنيتين جيدة، لكنها قد تحيا إذا نشب خلاف ما ولو على تسلل نعجة للرعي في هذه المنطقة .

ليس واضحاً بعد إن كانت الأجندة الاستعمارية تحتمل انتظار صيرورة الترتيبات المؤقتة سياسياً وإدارياً واقتصادياً وإنسانياً في منطقة آبيي، وتهيئة الظروف لصياغة وضعها النهائي، أم أنها تفتح جبهات متعّددة في الوقت ذاته لتسريع نزيف السودان وإنهاكه لتهيئته لما تبقى في الأجندة، وليكون أيضاً خاصرة خلفية رخوة لمصر ما بعد الثورة، سيما ونحن على إدراك وعلم بأصابع “إسرائيل” التي تتحرّك في إفريقيا سراً وعلناً للإمساك بمصر من عنقها المائي، وهي التي وقفت خلف التحريض في دول حوض النيل ودفعها لتحريك ملف إعادة تقاسم مياه النيل .

أما التقارير الصادرة عن بعض المؤسسات الدولية حول بيع دولة جنوب السودان الوليدة لمستثمرين أجانب قرابة 9% من الأراضي الزراعية وهي الأخصب على مستوى إفريقيا، فإنها توضّح ملامح المخطط والحقيقة غير المعلنة لما يحاك ضد هذا البلد الذي طالما وصف بأنه قابل لأن يكون سلّة غذاء الوطن العربي . ومن اللافت أن إحدى المؤسسات النرويجية تتحدّث عن صفقات فلكية أبرمت حتى قبل أن يبزغ الفجر على الجنوبيين ودولتهم الوليدة . فإذا كان الاحتفال بالانفصال عرساً، فكيف سيكون الاحتفال بافتتاح السفارة “الإسرائيلية” التي أباح أحد قادة الجنوب بأنها ستكون على رأس جدول اهتمام حكومة الجنوبيين .

الولايات المتحدة ليست بعيدة عن المشهد، بل تكاد تكون الأقرب على كل بؤرة لفتنة أو تقسيم، وهي تغلّف نزعتها المزمنة للهيمنة الاستعمارية بدبلوماسية المبعوثين التي تبدي في الظاهر لياقة سياسية، فيما هي في الحقيقة أداة لتحقيق أطماعها الإمبريالية . فالسيد برينستون ليمان مبعوث باراك أوباما الخاص بالسودان يبشر بأن الجنوب سينفصل بسلاسة عن الشمال عندما يعلن استقلاله في التاسع من هذا الشهر، وهو أيضاً يعتبر انفصال جنوب السودان رسمياً “مناسبة احتفالية” ويدخل على خط القضايا الخلافية وبخاصة حول تقسيم عائدات النفط والحالة في منطقة آبيي الحدودية، وكغيره يدعو لتصعيد الضغوط على الخرطوم لكي تسهّل التدويل باسم المساعدات الإنسانية والبعثة الدولية لما يسمى حفظ السلام هناك

الاحتفال الذي سيكون في مقبرة جون قرنق سيشهد عزف السلام الجمهوري السوداني لآخر مرة ورفع علم السودان لآخر مرة أيضاً . وبهذا سيجري الاحتفال على مقبرتين: جون قرنق ووحدة السودان .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير