الفلسطينيون قد يرغبون بتجربة هذا النوع من الإغلاق الإسرائيلي

19.03.2020 01:22 PM

مقالة مترجمة- خاص لوطن
كتب جدعون ليفي


السماء حالكة وكل شيء مظلم يقترب من حولنا وسخرية القدر تتجسد أمام أعيننا، فلأول مرة تذوق إسرائيل بعض الجحيم الذي كانت تمارسه منذ عقود بحق الفلسطينيين، وبسرعة مفاجأة أصبح الإسرائيليون الأن يعيشون واقع معروف وعاشه كل طفل فلسطيني.

حتى الشروط التي تم طرحها من جانب الاحتلال تثير سخرية القدر مثل إسرائيل في طريقها إلى الإغلاق  والجيش يسيطر على الفنادق  وجهاز الأمن الشاباك يسيطر على هواتفنا المحمولة  وشرطة الحدود ونقاط التفتيش، فليس من قبيل المصادفة أن يكون محلل هآرتس العسكري قد تم تجنيده للعمل كمحلل فيروسات،  وفي يوم أو يومين ستشبه تل أبيب جنين وستكون إسرائيل مثل قطاع غزة، فما يعد روتين يومي للفلسطينيين أصبح هو عالم الواقع المرير والمخيف للاسرائيليين.

وبالطبع، الاختلافات كثيرة فما هو بالنسبة لنا يشكل نهاية العالم فهو بالنسبة للفلسطينيين اجراءات إغلاق بسبب انتشار الوباء، ومع ذلك  لا يسعنا إلا أن نتعجب من أوجه التشابه بين الحالتين التي يعيشها الاسرائيليون بسبب الوباء والفلسطينيون بسبب الاغلاقات الاسرائيلية مثل حالة الحصار والبوابات المغلقة، فلا أحد يستيطع ان يغادر أو يدخل إليها.

لنفكر في وضع قطاع غزة خلال ال 14 سنة متتالية، الشباب الفلسطيني الذين لم يسبق لهم رؤية طائرة ركاب  حتى البالغين الذين لم يسبق لهم دخول مطار ولا يحلمون حتى بعطلة في الخارج، أما الإسرائيليون يواجهون الان صعوبات في الحياة بدون مطار بن غوريون ولو لتوقفه للحظات، سكان غزة لا يعرفون الحياة مع وجود رحلات إلى الخارج، أين يمكن أن يحدث ذلك؟ وما شكل هذه الحياه؟

سيأتي عيد الفصح قريباً وسيجن جنون الأطفال وأولياء أمورهم دون أن يخرجوا  لمراكز التسوق ، أو الرحلات البحرية ، أو عالم ديزني ، أو التسوق المعفي من الرسوم الجمركية، لكن ليس لدى سكان غزة أدنى فكرة عما يعنيه كل ذلك فهم يعرفون عن حظر التجول  الذي يستمر لشهور أحياناً كما هو الحال أثناء الانتفاضة، إنهم يعرفون عن حظر التجول مع عدد أكبر من الأطفال يتزاحمون في عدد أقل من الغرف مع وجود الدبابات في الخارج والجنود محملين بالكراهية في الداخل، تخيل حتى أن شرطة الحدود تقوم بدوريات في الشوارع لتدقيق الوثائق وإقامة نقاط التفتيش.

أما في إسرائيل ستتصرف قوات الأمن مثل الممرضات الراعيات مقارنة بسلوكهم الهمجي في "المناطق الفلسطينية"، كم هو أسهل عندما يكون ضابط الشرطة هو واحد منك والدولة هي دولتك، فكم هو صعب ومرهق عندما يكون أجنبياً، مهاجماً، محتلاً، ومع ذلك سنتذوق طعم هذه الحالة وما تبدو عليه.

سنقوم أيضاً بتذوق طعم الوقت الضائع، الوقت بالنسبة للفلسطينيين، حين تغادر المنزل ولا تعرف متى أو إذا كنت ستصل إلى وجهتك، تذهب إلى الجامعة ولكن لا تعرف متى ستفتح ومتى ستغلق، لديك عمل وحاولت الوصول لكن دون جدوى.

كما سيصبح الوضع الاقتصادي أكثر تشابهاً، بالفعل لدينا 100 الف عاطل جديد عن العمل، أناس فقدوا عملهم وعالمهم بالكامل، يبدو لهم في هذه المرحلة على الأقل أنه ليس لديهم مستقبل أو حاضر، وأن كل شيء قد ذهب هباءً، يفكرون كيف سيدفعون الفواتير ويطعمون أطفالهم؟ وهذا أمر روتيني في ظل الاحتلال على مر العقود، فالجلوس في المنزل والشعور بالإحباط لأشهر أمر اعتيادي في المناطق الفلسطينية.

يقول الشاباك إنه سيستخدم "الإجراءات الرقمية"، وهذا بالطبع يُضحك الفلسطينيين فهي الطريقة الأكثر إنسانية لمعاملتهم من قبل الشاباك، الذي يتنصت ويتتبعهم دائماً، ففي "المناطق الفلسطينية" يعرف الشاباك كل شيء وفي كل مكان  دون قيود قانونية، إن انتقاد انتهاكات الخصوصية في إسرائيل يمكن أن يضحك الفلسطينيون، تماماً مثل صورة ضباط قيادة الجبهة الداخلية الذين يديرون فندقاً، فكم عدد الفنادق التي استولى عليها الجيش الاسرائيلي وتحولت إلى مقار لهم في المناطق الفلسطينية!

لكن هناك اختلافات كذلك، ففي ذروة انتشار الوباء  لن يتعرض الإسرائيليون للإذلال أو الضرب أمام أبنائهم أو آبائهم ولن يتم غزو منازلهم في منتصف الليل وكل ليلة لإجراء تفتيش وحشي بلا هدف، ولن يختطفهم أحد وهم نيام في بيوتهم.

حتى في أسوأ حالات عالم الواقع المرير في جانبنا (الجانب الاسرائيلي) لن يكون هناك إطلاق قناصة على ركب المتظاهرين من أجل المتعة ولن يتم قصف منازلنا أو رش حقولنا، إنه مجرد حصار مؤقت مع تنصت الشاباك ودوريات شرطة الحدود وهو حلم كل فلسطيني يطوق لحياة أفضل.

المصدر-هاَرتس

تصميم وتطوير