هكذا بدأوا وهكذا ينتهون...بقلم: خيري منصور

27.08.2011 11:34 AM

إنها مادة دسمة للدراما رغم أن الخيط الكوميدي الأسود في نسيجها قد يفسد الحبكة .

عاشوها جميعاً، منذ أقدم الأباطرة حتى أصغر القياصرة والأكاسرة، فقد انتهى موسوليني متخفياً بثياب فلاح إيطالي على شاحنة بصحبة عشيقته التي طالما أخفاها، ولم تنفع تشاوشيسكو تلك القامة المسرحية التي حاول اصطناعها أمام الكاميرات، وثمة من أوصى طبيبه الخاص باستحضار مسحوق مدمّر لا يترك منه قطعة لحم أو عظمة . . يمكن محاكمتها كما فعل الفوهرر . .

وهناك من حملوا قبورهم على ظهورهم كالسلاحف وداروا بها الأراض شرقاً وغرباً بحثاً عن حفرة ينامون فيها إلى الأبد .

كيف بدؤوا؟ وكيف كانت الخواتيم؟

ذلك هو سؤال التاريخ البكر منذ أول احتكار للقوة حتى آخر احتقار للآدمي الأعزل . نعرف كم أفادت السينما من هذا المنجم الدرامي، وكم انتفع به روائيون من طراز ريمارك الألماني، وكذلك غونتر غراس وآخرين، لكن للحكاية دائماً تتمة قد لا يكون موعدها متزامناً مع سرد الحكاية ذاتها، إذ لا بد من ترك فسحة ولو قليلة للخيال، لهذا تعدّد الديكتاتور لدى من عالجوا سيرته الذاتية . فستالين الذي كتب عنه دويتشر هو ستالين آخر غير الذي كتب عنه إيفتشنكو مثلاً في كتابه الذي حمل عنوان “شاعر في الثلاثين” .

وإن كان أجمل وربما أعمق ما كتب عن خريف الديكتاتور، هو ما كتبه ماركيز في روايته “خريف البطريرك”، حيث يتساءل الراوي أين تعشش غربان السلطة في هذا المرمر الملون وتحت القباب المرصّعة، وفي أجواء مشبعة بروائح البخور والعطور؟

مقابل ذلك الترف السلطوي وبهرجة الصولجان تأتي الصورة المضادة لجيف تزكم رائحة أشلائها، وما تبقى منها الأنوف، حيوانات أليفة مدللة منها أسود ونمور وفهود كان الإمبراطور الهرم يعلفها بيديه ويتوقف قليلاً عند ببغاء تردد صدى ما يقول .

وكان شاعرنا العربي قد اختصر الدراما كلها عندما قال:

هي الأيام كما شاهدتها دول

من سرّه زمن ساءته أزمان

وأخيراً تساءل: أين الملوك ذوو التيجان؟ . . ولم يكمل تاركاً لخيالنا الذهاب بحرية إلى هناك، حيث السّوس يتكاثر في الصولجان، والرميم الذي طالما تعالى صامت حتى الأبد .

المفارقة ذاتها تتكرر وإن بلغات وتجليات مختلفة عبر العصور .

فالبدايات لا توحي على الإطلاق بالنهايات رغم أن هذه النهايات بكل مأساويتها هاجعة في نخاع البدايات، فالشجرة التي تثمر عناقيد مترعة بالسّم لا بد أنها نهضت من بذرة سامة .

لقد انتصر الإنسان في كل الأزمنة رغم أن التاريخ في ظاهره يبدو كما لو أنه سردية طويلة لآلامه وهزائمه .

انتصر على الحيوان المتوحش الذي كان يفترس أطفاله، وانتصر على آكلي لحوم البشر من أباطرة سرّهم زمن صغير وساءتهم الأزمان .

إنها دراما خالدة وأهم ما فيها هو تحول الإمبراطور إلى مجرد كومبارس، لأن البطولة من نصيب الإنسان

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير