وقت عصيب ينتظر عباس بسبب تجاهل الاحتجاجات الجماهيرية في الضفة الغربية

19.01.2019 02:00 PM

ترجمة خاصة: كتبت عميرة هاس

يبدي الرئيس الفلسطيني ردود فعل غير مبالية اتجاه العديد من القضايا المهمة، ومنها موجة الإضراب العام على قانون الضمان الاجتماعي والصراع المستمر بين فتح وحماس والنشاط المتزايد للجيش الإسرائيلي في رام الله.

"حرامية، حرامية، شلة حرامية" كان الشعار المفضل للمتظاهرين يوم الثلاثاء الماضي في 15 كانون الثاني من أمام مكاتب مؤسسة الضمان الاجتماعي الفلسطيني في وسط مدينة البيرة، إلى الشمال من رام الله في الضفة الغربية. وكانوا يعبرون عن رأيهم في الجهاز السياسي البيروقراطي بأكمله الذي يسيطر على حياتهم، من الموظف المتواضع إلى الرجل في أعلى المناصب وهو محمود عباس، حتى وإن لم يذكروا اسمه مباشرة.

كان المحتجين غير مبالين بحقيقة أنه في نفس اليوم كان من المقرر أن يتحدث محمود عباس في الأمم المتحدة كجزء مما وصفه هو والناطق باسمه بأنه إنجاز فلسطيني هام، وهو انتخاب دولة فلسطين رئيساً لمجموعة الـ 77 والصين، والتي تضم في عضويتها أكثر من 134 دولة أعضاء بالمنظمة الأممية، على الرغم من منح فلسطين صفة دولة مراقب في الأمم المتحدة.

لقد ساهم الإضراب العام الذي ينظمه القطاع الخاص في الضفة الغربية، والذي جرى بالتوازي مع هذا الاحتجاج، في إنخراط  الناس أكثر بكثير من مجرد بادرة دولية أخرى تتألف من اعتراف احتفالي بدولة قائمة على الورق فقط.

هل أشارت المظاهرة إضافة إلى المطالبة بإلغاء قانون الضمان الاجتماعي إلى تشكيل قوة وحدة جديدة؟ أم أنها مجرد قوة أخرى من القوى المركزية القوية التي تمزق النظام السياسي الفلسطيني، فقسمته إلى عناصر متشتتة بعيداً عن بعضها البعض؟

إن الصراع بين حماس وفتح هو من أكثر القوى المدمرة (إذا تم استثناء سيطرة إسرائيل وحظر حرية الحركة وفرض القيود من قبلها) وقد وصل هذا الصراع إلى مستويات جديدة في الأسابيع الثلاثة الماضية مع اتهامات متبادلة بالخيانة.

وفي 22 ديسمبر، أعلن الرئيس عباس حل المجلس التشريعي الفلسطيني، وعقد انتخابات جديدة لهذه الهيئة في غضون ستة أشهر. ولاحقاً، سأعاود الحديث عن هذا الموضوع.

وفي أواخر كانون الأول وأوائل كانون الثاني، ألقت عناصر حماس اعتقال عشرات من مؤيدي حركة فتح في أنحاء قطاع غزة، واستجوبتهم وتم تعنيفهم خلال تفريق مظاهرة احتفالاً بتأسيس حركة فتح. ولاحقاً استمرت حماس في منع المزيد من المسيرات.

ورداً على ذلك، اعتقلت قوات الأمن الوقائي، التي تسيطر عليها حركة فتح، العشرات من نشطاء حماس في الضفة الغربية. وكان قد اقتحم أشخاص مجهولون مكاتب محطة إذاعة السلطة الفلسطينية ودمروا المعدات في غزة. فقامت السلطة الفلسطينية بإزالة موظفيها من معبر رفح الحدودي إلى مصر، مما أدى إلى إغلاقه.

وفي 9 كانون الثاني، صوت أعضاء حماس في المجلس التشريعي في غزة وأعلنوا أن الرئيس عباس غير شرعي ليبقى رئيساً. لم يتم الإبلاغ عن هذا في وسائل الإعلام، الموالية للرئيس عباس، لكن الهاوية التي تقع بين قطاع غزة والمناطق التي تديرها السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية تستمر في الاتساع.

يجب التنويه هنا إلى أن نواب حماس المنتخبين في الضفة الغربية لا يحصلون على معاشاتهم كمتقاعدين للمجلس التشريعي المنحل، بخلاف أعضاء جميع القوائم الأخرى. كل ما سبق لا يتعلق بالمحتجين يوم الثلاثاء الماضي على الضمان الاجتماعي. لقد نأوا بأنفسهم عن الأحزاب السياسية، وهذا دليل على تبديد ثقافة الأيديولوجية الواحدة التي ميزت السياسة الفلسطينية في يوم من الأيام.

واستخدم بعض المتظاهرين "فوفوزيلا"  -وهي أبواق بلاستيكية تستخدم في ألعاب كرة القدم في جنوب أفريقيا- فيما قام أفراد الشرطة وقوات الأمن الفلسطينية مدعومة بحاجز أمني متحرك، بإغلاق الشوارع أمام حركة المرور ومنع المحتجين من الاقتراب من مؤسسة الضمان الاجتماعي. مع العلم أنه لم يتم استخدام أي ردود عنيفة ضدهم.

وقال أحد المتظاهرين وهو يشير إلى شرطي فلسطيني مسلح يقف مع رفاقه وهو يدخن سيجارة: "من المحتمل أن يكون لديهم أفراد من العائلة يعترضون أيضاً على هذا القانون معنا".

لم تشمل احتجاجات المعلمين في المدارس الحكومية قبل ثلاث سنوات، سعياً لتحسين ظروف العمل، حركة حاسمة تضم الجمهور بأكمله في الضفة الغربية.
والحقيقة هي أن احتجاجات المعلمين التي تلقت دعما شعبياً واسعاً، تم قمعها من قبل جهاز الأمن الفلسطيني وتم حلها تحت وطأة التهديدات والوعود الكاذبة. قد يكون هذا نتيجة تعيين الأشخاص المقربين من السلطة الفلسطينية وفتح كممثلين لاتحاد المعلمين.

وقد تم التوقيع على قانون الضمان الاجتماعي من قبل الرئيس عباس كمرسوم رئاسي في عام 2016. ومنذ ذلك الحين تم تعديله وتطويره، بعد انتقادات من جماعات المجتمع المدني ومجموعات يسارية صغيرة.

ولكن كان هناك تهميش تدريجي للمجموعات التي تطالب بمزيد من التغييرات في هذا القانون على الرغم من التأييد لها من حيث المبدأ كونها جزء من نظام أكبر للعدالة الاجتماعية والمسؤولية المتبادلة. والاَن هناك  أصوات تتعالى من الحركة الشعبية تطالب بإلغاء القانون.

يبدو الآن أن مسؤولي السلطة الفلسطينية يستمعون إلى الاحتجاجات ضد قانون الضمان الاجتماعي. وقد يكونوا خائفين من الجمعيات وتأثير شعار "كرة الثلج" الذي استخدمه المتظاهرون وهو أن"الناس يريدون إلغاء القانون"، متأثرين بصرخات المحتجين في مصر وتونس خلال الربيع العربي. وقد يكون تقييم مسؤولي السلطة هي أن الحركة الحالية غير ناضجة بما فيه الكفاية لتحديهم عن مهمتهم في التمثيل السياسي للناس.

ويوم الثلاثاء عندما بدأ سريان القانون، أعلن المشرف على مؤسسة الضمان الاجتماعي عن المزيد من التغييرات التي من شأنها تحسين حقوق العمال وزيادة تمثيلهم. وقال إن القانون لن يُلغى، لكنه أقر بأن هناك خللاً في الطريقة التي ينقل بها الأشخاص المسؤولون عن أهمية القانون للجمهور.

لقد تم مواجهة كل تفسير من قبل الحكومة الفلسطينية بردود فعل متعارضة وغياب لثقة الجمهور. في الواقع، فشل المجتمع المدني والجماعات اليسارية، التي تفاوضت من أجل تعديل القانون، في التعبير عن أهمية هذا القانون.

وبدلاً من ذلك، لاحظوا كيف تم تشكيل تحالف يعارض هذا القانون بأكملة خلال الأشهر الستة الماضية باتفاق بين أرباب العمل والعاملين.

يمكن فهم اعتراض أصحاب العمل على تخصيص الأموال لمعاشات التقاعد أو إجازة الأمومة، ولكن لماذا يعترض الموظفون على تأمين مصالحهم المستقبلية؟

"هذا الضمان ليس عليه ضمان"، قالت إحدى اللافتات في مسيرة الاحتجاج. وكتبت شعارات أخرى أنه في الأسابيع الأخيرة دخل الجيش الإسرائيلي إلى رام الله كل يوم في وضح النهار وقاموا بمداهمة المتاجر والمكاتب ومصادرة سجلات كاميرات المراقبة أو الحصول على رموز الإنترنت للوصول لهذه الكاميرات.

يسأل الناس ما إذا كانت هناك بعض الرسائل الخفية لهذه الاقتحامات في الأحياء التي تم تحديدها بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية. لا يوجد ضمان على الضمان الاجتماعي لأنه لا يوجد شيء مضمون في ظل الحكم الإسرائيلي، ولكن أيضاً لعدم وجود ثقة في مؤسسات السلطة الفلسطينية أو في نزاهة كبار المسؤولين والموظفين الذين يشغلون مناصب هناك، والذين سيجمعون أموال الناس تحت مسمى القانون.

وإحدى هذه المؤسسات هي المحكمة الدستورية التي أوصت بحل المجلس التشريعي والتي تأسست في عام 2003 لتفسير البنود غير الواضحة للدستور وتسوية النزاعات بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.

وقد تغير القانون بسرعة في عام 2006 بعد فوز حماس في الانتخابات العامة، مع إلغاء النسخة الجديدة من دور المجلس في تعيين القضاة وإلغاء سلطة المحكمة للإشراف على قرارات الرئيس. حتى عام 2016، لم يتم تعيين قضاة في هذه المحكمة، ليتم بعدها تعيين تسعة منهم فجأة.

وكان من بين قرارات المحكمة الأولى السماح للرئيس بإقصاء أعضاء البرلمان، وهو ما فعله اتجاه محمد دحلان وحلفاءه من حركة فتح. بينما لم يبدِ أي رد على عدم شرعية هذه التصرفات.

وقد أوصت المحكمة الدستورية بحل المجلس التشريعي والذي يعتبر معطلاً منذ تأسيسه عام 2006. علماً أن اعتقال الجيش الإسرائيلي لأعضاء من حركة حماس ورفض حركة فتح الاعتراف بالهزيمة في الانتخابات، أدى إلى تعطيل وإعاقة عمل المجلس التشريعي.

وبعد  الانقسام الداخلي عام 2007 وإقامة حكم مزدوج، حماس في غزة والسلطة الفلسطينية في رام الله، لم يجتمع المجلس التشريعي أبداً في الضفة الغربية، رغم أن أعضائه حاولوا التأثير على قرارات الحكومة والخطاب العام. فأصبحت المراسيم الرئاسية تحل محل القوانين. وفي غزة، يجتمع فصيل حماس بانتظام ويمرر القوانين التي تنطبق على غزة فقط. علماً أن فترة المجلس التشريعي انتهت في عام 2010 حسب القانون مع انتهاء فترة ولاية عباس.

ومع ذلك،  فإن استمرار وجود المجلس التشريعي كان دائماً يمثل سبيلاً لاستئناف نشاط المؤسسات المشتركة في الضفة الغربية وغزة، وكشرط لإنهاء هذا الانقسام. وبعد تحديد موعد للانتخابات التشريعية بعد ستة أشهر، لم يذكر عباس شيئاً عن موعد الانتخابات الرئاسية.

على أي حال، لا أحد يعتقد أن الانتخابات ستجرى في غضون ستة أشهر، وإذا تم ذلك بالفعل فإنه سيحدث فقط في مناطق الضفة الغربية، وليس في القدس أو غزة، مما سيؤدي إلى تدهور الوضع أكثر.

لقد أوضح الرئيس عباس أن الانقسام في السلطات لم يعد مهماً له، وأن الانقسام ليس بالمأساة. حتى أنه أصبح مستعداً هو ومؤيدوه في حركة فتح أن يلعب دوراً في فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية.

 

المصدر: هآرتس
ترجمة: الاء راضي

تصميم وتطوير