الأقصى يتعرض للتهديد مع اقتراب الانتخابات الاسرائيلية

17.01.2019 06:40 PM

كتب: كامل حواش

وجهة المسلمين الأولى للصلاة، كانت المسجد الأقصى والقدس، وليس مكة، وعندما صعد النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) إلى السماء، فعل ذلك من الأقصى وليس من مكة.

يعتقد المسلمون أن الصخرة التي صعد منها النبي محمد في رحلة (المعراج)، هي نفس الصخرة الموجودة في قبو مسجد قبة الصخرة، كما يعتبر المسلمون المسجد الأقصى ثالث أقدس مسجد في الإسلام.

أما بالنسبة لأولئك الذين ما زال بإمكانهم زيارة القدس، يمكنهم الجلوس والصلاة في محيط الأقصى الساحر والهادئ، والاستمتاع بالأذان الذي يعلو في سماء القدس خمس مرات في اليوم، كما هو الحال منذ قرون.

ويتجول الزوار المسلمون في المدينة القديمة في القدس ويأكلون الحمص والفلافل والكنافة ويعيشون في عبق التاريخ للمدينة، كما يزورون أيضا كنيسة القيامة، المكان المقدس للمسيحيين من جميع أنحاء العالم. ويمكنهم النظر عن بعد إلى حائط البراق (الحائط الغربي)، حيث يصلي اليهود ويتركون أمانيهم ودعواتهم هناك. 
كما يلاحظ الزائرون القوة المسيطرة للاحتلال العسكري التي تحيط بكامل المدينة، وسرعان ما يدرك الزوار وجود جيش الاحتلال والشرطة والمستوطنين غير الشرعيين. فهم متواجدون في الحقيقة داخل جدار الفصل، الذي يفصل المجتمعات الفلسطينية، إضافة إلى نقاط التفتيش التي يتعرض فيها الفلسطينيون للإذلال والتي يمنع المرور من خلالها ما لم يكن لديهم تصاريح من المحتل للعبور إلى عاصمتهم.

تسيطر قوات الأمن الإسرائيلية على بوابات الأقصى وتقرر من يمر عبرها. ففي إحدى زياراتي، طلب مني أحد الحراس الإسرائيليين إثبات أنني مسلم من خلال قراءة آيات من القرآن. رفضت ذلك وأشرت إلى اسم جدي، محمد.

لا يستطيع أحد غير الفلسطيني أن يفسر الألم المتمثل في ضرورة التبرير للمحتلين غير الشرعيين بحق الفلسطينيين  في الدخول إلى أماكنهم المقدسة بحرية.
وإذا سألت فلسطينياً يعيش في القدس عن الملاحقات اليومية للاحتلال وما هي الخطوط الحمراء التي لا تستطيع "إسرائيل" عبورها بالنسبة لهم، سيتفق الكل على أن هذا الخط الأحمر هو المسجد الأقصى. والدليل على تجاوز هذه الخطوط، ما قامت به "إسرائيل" في صيف عام 2017 عندما قامت بإغلاق المسجد وتركيب بوابات أمنية على المدخل الرئيسي الذي يمر عبره المصلون، وذلك بعد تعرض قوات الاحتلال لهجوم عند أحد مداخل المسجد.

وقد رفض الفلسطينيون قبول أي تغييرات في وصولهم إلى المسجد واحتجوا من خلال الصلاة السلمية لمدة أسبوعين كاملين، مما أجبر الحكومة الإسرائيلية على إزالة البوابات وإعادة الوضع السابق.

حاولت "إسرائيل" استخدام الهجوم لتغيير الوضع القائم منذ أن سيطرت على المدينة المقدسة في حرب الأيام الستة عام 1967. ويعترف الاتفاق الذي تم إدراجه في اتفاقية السلام مع الأردن بوصايتها على المسجد الأقصى مع إشراف إدارة الوقف الإسلامي بشكل مستمر. وتعترف الاتفاقية بحق المسلمين في الصلاة في المسجد وحق غير المسلمين، بما في ذلك اليهود، بالزيارة والصلاة. وقد اعتاد الزوار غير المسلمين على الدخول عبر تذكرة من إدارة الوقف، لكن انتهى ذلك مع بداية الانتفاضة الثانية.

وبينما يلتزم الزائرون غير اليهود بالمبادئ التوجيهية للأوقاف، يقوم اليهود بزيارات غير منسقة بحماية من قوات الأمن الإسرائيلية بشكل متكرر. حتى حاول البعض كسر المبادئ التوجيهية من خلال الصلاة أو الطقوس غير المصرح بها.

وينظر الفلسطينيون إلى هذه الأمور على أنها اقتحام واستفزاز لهم. وتشير الأرقام الواردة في تقرير عام 2018 إلى تسجيل رقم قياسي من 33 ألف مستوطن  مقارنه مع 25 ألفا في عام 2017.

ويشارك السياسة الإسرائيليون بانتظام في هذا الاستفزاز.

ومن المشاهد الأكثر استفزازاً التي حدثت في عام 2000، عندما دخل رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك أرييل شارون إلى المسجد الأقصى بحماية قوات الأمن الإسرائيلية مما ساهم في بداية اندلاع الانتفاضة الثانية.

بينما تزعم "إسرائيل" أنه لا توجد خطط لتغيير الوضع الراهن في الأقصى، فإن اقتحاماتها المتكررة للمسجد الأقصى ورغبة بعض الجماعات المتطرفة في فرض السيادة الكاملة على الموقع واستبدال المسجد بمعبد يهودي هي في ازدياد.

وفي نفس السياق، طعنت مجموعات مثل جماعة أمناء جبل الهيكل ومعهد الهيكل في قرار الحكومة الإسرائيلية حظر السماح لليهود بدخول المسجد الأقصى.
ومن الخطوات التي اتبعها الاحتلال لتهميش الأماكن المقدسة الإسلامية، تطبيق الكتروني يجعل قبة الصخرة تختفي وتحل محلها صورة للهيكل اليهودي عند توجيه التطبيق نحو الأقصى.

وهذا التطبيق يعد جزءا من معرض تموله الحكومة الإسرائيلية بعنوان "تجربة حائط الغرب"، وهذا يسمح للزوار "بالتقاط صور تذكارية" في مشهد يبرز تدمير المواقع المقدسة الإسلامية.

أولئك الذين ينوون بناء المعبد اليهودي في موقع الأقصى لديهم أصدقاء في مناصب عليا، ليس فقط في "إسرائيل" ولكن في الولايات المتحدة. وقد تم تصوير السفير الأمريكي في "إسرائيل"، ديفيد فريدمان، مبتسماً خلف ملصق يُظهر نفس البديل المقترح.

وفي هذه الأثناء، يواجه موظفو الأوقاف الأردنيون التخويف والاعتقال ويحظر عليهم دخول المسجد الأقصى، كما يواجه الرجال والنساء الذين يعتبرون أنفسهم "حماة" لهذا المكان المقدس.

وقد وقعت اَخر المواجهات مع قوات الأمن الإسرائيلية عندما حاولت الأخيرة منع ضابط شرطة إسرائيلي يرتدي الكيباه (غطاء يهودي) من دخول المسجد.
وحاصرت القوات الإسرائيلية مسجد قبة الصخرة واستمرت المواجهات لساعات قبل انسحابها.

الحكومة الإسرائيلية والجماعات المتطرفة أخذت جرأتها من قبل إدارة ترامب التي تدعي أنها تقوم بتطوير "صفقة القرن" لحل النزاع، ولكن في الواقع فإن أي شيء يمليه بنيامين نتنياهو سيتم اعتماده.

فقرار ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة ل"إسرائيل" وانسحابها من اليونسكو بعد اعتبار وضع القدس كمدينة محتلة واعتبار سيادة "إسرائيل" لاغية وباطلة، كل هذه هي دلائل على تطبيق ما تمليه "إسرائيل".

تخاطر "إسرائيل" في العديد من سياساتها بشأن القدس، ولكن ليس أكثر من محاولاتها لتغيير الوضع الراهن للمسجد الأقصى. فهذا المكان المقدس بالنسبة للمسلمين هو في خطر كبير. هذه ليست مبالغة. لقد قسمت "إسرائيل" الحرم الإبراهيمي في الخليل في الضفة الغربية المحتلة، بعد الهجوم الإرهابي على المصلين المسلمين عام 1994. وقد يتحول صراع زعماء المتطرفين من صراع سياسي طويل الأمد إلى صراع ديني.

يأتي هذا في ظل غياب الأمل في التوصل إلى حل سياسي والذي بدوره يمكن أن يؤدي إلى تصاعد العنف. وبينما تتجه "إسرائيل" إلى الانتخابات في أبريل المقبل، قد يقوم نتنياهو بشن هجوم على قطاع غزة المحاصر أو لبنان لتعزيز شعبيته. وقد يختار أيضاً تعزيز ممارسات القوات الإسرائيلية في محيط الأقصى. وفي مسعى لمناشدة أنصاره للخروج وتشجيعهم على التصويت، حذر من أن المواطنين الفلسطينيين في "إسرائيل" كانوا يذهبون إلى صناديق الاقتراع "بأعداد كبيرة" في الانتخابات الأخيرة.

يجب على أولئك الذين يرغبون بحلول السلام في الأرض المقدسة أن يتخذوا إجراءات فعلية وألا يعتبروا "إسرائيل" دولة ديمقراطية تحمي حرية العبادة بينما هي في الواقع تخطط لتغيير معالم أقدس مسجد بالنسبة للشعب الفلسطيني.

 

المصدر Middle East Monitor
ترجمة: الاء راضي

تصميم وتطوير