"اسرائيل" وحماس تتفقان على امر واحد وهو محمود عباس

15.01.2019 11:16 AM

وطن- ترجمة خاصة: كتب كامل حواش

تهدف تصريحات الوزير الإسرائيلي للشؤون الاستراتيجية جلعاد أردان إلى نفي الرئيس محمود عباس، وإلقاء اللوم عليه بسبب الوضع المضطرب في غزة، وهذا لا يؤشر فقط على عدم رضا حماس عن الرئيس عباس، بل أن القيادة الإسرائيلية فقدت الثقة به بشكل سريع.

واذا سألت أي فلسطيني عن رأية بياسر عرفات، فمن الصعب أن تجد شخص لا يعتبره كأحد الرموز الرئيسية للنضال الفلسطيني من أجل الحرية والعدالة والمساواة.

ومهما كانت الخلافات التي تربط الفصائل الفلسطينية مع عرفات، إلا أنه حظي بالولاء من جميع الأطراف. ولم يكن من المرجع أن  يحدث هذا الانقسام المؤسف بين فتح وحماس في عهده، أو أن يتفاقم ويستمر لفترة طويلة، لكن الانقسام الآن دخل عامه الثاني عشر على التوالي.

لا يمكن قول نفس الشيء عن الرئيس الفلسطيني الحالي محمود عباس. مع ذلك، هناك خطوة تحسب له وهي إشرافه على الانتخابات الوحيدة للمجلس التشريعي الفلسطيني في عام 2006، والتي فازت بها حماس وطلب عباس على الفور من إسماعيل هنية تشكيل الحكومة.

وقد رفضت إسرائيل والمجتمع الدولي نتيجة الانتخابات الحرة والنزيهة، وكانت هذه بداية النهاية للوحدة الفلسطينية.
وفي نفس الوقت، أبدى الفلسطينيون ردودو فعل يائسة حول تصريحات عباس بشأن تنازله عن حقه في العودة للمدينة التي ولد فيها (صفد)، أو عندما  وصف التنسيق الأمني مع إسرائيل على أنه "مقدس"، مع أن اسرائيل تبدي مواقف الكره اتجاهه.

وخلال السنة الماضية، انخفضت شعبية الرئيس عباس أكثر، حيث قام بخطوات مختلفة لتعزيز السلطة مع إلقاء اللوم على الفصائل الفلسطينية الأخرى لرفضهم دعوته لاجتماعات المجلس الوطني الفلسطيني والمجلس المركزي الفلسطيني في رام الله.

وقد أعاد عباس تشكيل اللجنة الوطنية الفلسطينية في العام الماضي ونقل صلاحياته إلى لجنة التنسيق الفلسطينية، ولم يكن لأي منهما تمثيل حقيقي للفلسطينيين سواء في الأراضي الفلسطينية المحتلة أو حتى في الخارج.

كما فرض عباس عقوبات على غزة والتي تؤثر بشكل رئيسي على الفلسطينيين المدنيين من أجل إجبار حماس على قبول شروطه للمصالحة. إن القلق المتمثل بتجاوز حماس للسلطة الفلسطينية لإحداث تهدئة مع إسرائيل، ورفضها السماح لحركة فتح ومؤيديها بالاحتفال بالذكرى الرابعة والخمسين ساهم في تهميش لدور الرئيس عباس الذي اتهم المتورطين بالخيانة. وقد أمر عباس مفتشي السلطة الفلسطينية الذين يشرفون على معبر رفح بالرحيل، مما اضطر إلى إغلاقه.

وكانت آخر الخطوات التي اتبعها عباس لإبقاء السلطة بين يديه وتوجيه ضربة قاتلة لمشروع الديمقراطية الفلسطينية من خلال حلّ المجلس التشريعي الفلسطيني والذي كان معطلاً لسنوات. وفي أوج الادعاءات المعارضة لشرعية المجلس التشريعي في غزة والمكونة من أعضاء حركة حماس بشكل رئيسي، أعلنت حماس مؤخراً أن رئاسة الرئيس عباس غير شرعية لأنه تجاوز فترة ولايته وهي أربع سنوات على مدار ثماني سنوات.

لقد فشلت المحاولات المتكررة من قبل الدول العربية للمصالحة بين فتح وحماس وانقاذها من الوصول إلى حافة الهاوية، وإنقاذ الفلسطينيين المدنيين في غزة والضفة الغربية -بما فيها القدس- الذين دفعوا ثمن هذا الفشل في تحقيق المصالحة.

كان من شأن القيادة الفلسطينية الموحدة أن تنقل مسيرة العودة العظمى من غزة إلى الضفة الغربية والقدس. والذي بدوره سيعيد القضية الفلسطينية إلى مكانها الصحيح كمسألة رئيسية على طاولة المجتمع الدولي لإيجاد الحلول في النهاية.

إلا أنه وفي الواقع، يبدو أن حل الصراع خارج عن تدخل المجتمع الدولي مما أدى لاستمرار المعاناة بين الفلسطينيين. ومثال على ذلك، اقتحام  الجيش الإسرائيلي للمدن الفلسطينية في الضفة الغربية بما في ذلك مقر الرئيس عباس في رام الله وفي أي وقت.

أما في غزة، يتواصل إطلاق النار على المتظاهرين المسالمين عند السياج الفاصل مع "إسرائيل" وقتلهم واصابتهم لمجرد احتجاجهم على الحصار الذي دام 12 عاماً والمطالبة بعودتهم إلى أراضيهم المحتلة بعد 70 عاماً من النكبة.

وبينما تستمر إدارة الرئيس الأمريكي ترامب في التخطيط لإنهاء التطلعات الفلسطينية من أجل التوصل إلى حل عادل للصراع، تواصل "إسرائيل" توسيع مستوطناتها غير القانونية وتهويد القدس والخليل واقتحام المدن والقرى الفلسطينية مراراً وتكراراً لمحاصرتها وهدم المنازل وقمع المواطنين.

وفي نفس الوقت، تواصل "اسرائيل" السعي إلى المزيد من التطبيع مع الدول العربية، التي يبدو أنها وقعت في الفخ الذي أنشأته إدارة ترامب وأوهمتهم بأن الطريق إلى الخلاص من تهديدات إيران يمر عبر "تل أبيب".

قد يكون من المفاجئ أن نلاحظ ما وصلت إليه لإسرائيل ليس كافياً لها، فهي لا تزال تسعى لرؤية الفلسطينيين يخضعون لإرادتها ويتخلون عن أي مطالبات بالحرية والعودة. فمثلاً، تعتبر العمليات المتفرقة على الإسرائيليين في الضفة الغربية واستمرار توتر الجبهة الجنوبية غير مقبول لدى "اسرائيل"، في حين يتم قبول هجمات المستوطنين العنيفة ضد الفلسطينيين.

إن رفض الرئيس عباس العودة إلى المفاوضات مع إسرائيل ومقاطعته للإدارة الأمريكية بعد قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال وعجزه عن السيطرة على غزة، شجع وزير الشؤون الاستراتيجية جلعاد أردان بالدعوة إلى نفيه.

على وجه الخصوص عبّر جلعاد أردان عن عدم رضاه عن عقوبات عباس على غزة، والتي يعتقد أنها تساهم في توتر الوضع في منطقة السياج الفاصل مع غزة. وكانت نتيجة هذا التوتر حوادث صغيرة وكبيرة لإطلاق الصواريخ من غزة، أدت إلى توجه السكان الإسرائيليين بالقرب من السياج إلى الملاجىء.

وفي خطوة مفاجئة، سمحت "إسرائيل" بنقل الأموال القطرية إلى غزة لدفع رواتب العمال كخطوة لإحداث الهدوء، وهو ما اعترض عليه الرئيس عباس.

وبناء عليه، يعتقد أردان أن الرئيس عباس هو "أحد المحرضين الرئيسيين للعنف على الحدود الجنوبية" من خلال حملته للضغط على حماس وفي نفس الوقت لم يساهم لإحداث تطور في العملية الدبلوماسية. ويزعم أن عباس "هو الشخص الذي أخرج المفتشين من معبر رفح وهو الذي يعاقب حماس من أجل الضغط عليها وهذا الضغط ينزف باتجاهنا في نهاية الأمر".

واقترح أردان أن على إسرائيل أن تفكر في "الذهاب إلى أبعد من ذلك والنظر معمّقاً حول نفي عباس وعدم السماح له بالعودة ، لأنه لم يعد يساهم في العملية الدبلوماسية، فهو يتسبب بالضرر من خلال مواقفه اتجاه حماس ".

وبهذا الموقف، يدعو أردان بشدة  لنفي الرئيس عباس. وإذا قرر أن يتجنب كل ذلك من خلال إيقاف رحلاته ومغامراته خارج فلسطين، فعندئذ ستقتصر تحركاته فعلياً على منزله ومكتبه في رام الله. حتى يمكن "لإسرائيل" أن تحرمه من السماح له بالخروج من رام الله إلى بيت لحم أو الخليل أو نابلس، أو إلى أي محافظة أخرى.

ورغم أن ذلك لن يكون مشهداً مؤثراً مثل حصار إسرائيل لعرفات في المقاطعة، إلا أنه سيخدم بشكل ايجابي صورته وهو يعيش تحت السيطرة الكاملة للاحتلال والبعض قد يرونه بطل في حينها.

يبدو أن حماس وإسرائيل متفقان على أمر واحد وهو أن الرئيس  عباس يمثل مشكلة بالنسبة لهم، ومع ذلك فمن غير المرجح أن يتفقوا على كيفية التعامل معه، حيث تزعم حماس أنها تريد اسقاطه من خلال الانتخابات بطريقة ديمقراطية، بينما يدعو أردان إلى نفيه.

يثبت أردان وإسرائيل مرة أخرى فشلهم في التعلم من التاريخ. فمن المحتمل أن مثل هذا الفعل وهو نفي عباس سيزيد من شعبيته، ليس بقدر شعبية عرفات في أيامه الأخيرة، بل يكفي أن يؤدي إلى الوحدة بين الفصائل الفلسطينية المختلفة التي لا ترغب "إسرائيل" في رؤيتها يوماً ما، فعلى "اسرائيل" أن لا تتوقع تحقيق الهدوء أو السلام من خلال نفي أو مهاجمة القادة الفلسطينيين.

 

المصدر: TRT World
ترجمة: الاء راضي

تصميم وتطوير