قرار منع "وطن ع وتر"عقاب جماعي ورقابة تحظرها القوانين.. بقلم: محمد ابو عرقوب *

22.08.2011 03:51 PM

لاشك ان قرار النائب العام الفلسطيني احمد المغني شكل ضربة قاسمة لكل المعايير القانونية ذات العلاقة بحرية الرأي والتعبير وحرية الاعلام، وضرب بعرض الحائط كافة التوجهات الجديدة لبيئة اكثر انفتاحا نحو الاعلام والبعد عن الرقابة المقيتة التي لا ينمو معها اعلام حر مؤثر.

في قرار النائب العام ايقاف البرنامج التلفزيوني (وطن ع وتر) الذي يبث على شاشة تلفزيون فلسطين انتهاكات خطيرة لعدة قوانين فلسطينية،  ويشكل القرار سابقة تاريخية في كبح جماح الحريات العامة في البلاد. وسيكون له الاثر الاكثر خطورة في المستقبل وليس الان، فيما لو مر هذا القرار دون اي تحرك عاجل لوقفه فورا، وانقاذ الحريات العامة في البلاد.

القانون الاساسي الفلسطيني

يخالف قرار النائب العام القانون الاساسي الفلسطيني صراحة في عدة مواضع، فالمخالفة الاولى هي ان القرار جاء بمثابة عقاب جماعي لجمهور تلفزيون فلسطين عامة، وجمهور البرنامج المذكور خاصة، وبغض النظر عن عدد مشاهدي التلفزيون، فان ذلك يعد عقابا جماعيا بكل المقاييس. فالضحية الاولى هم الجمهور ثم فريق البرنامج. وهذا الامر مخالف تماما لنص المادة (15) من القانون الاساسي المتعلقة بماهية العقوبات والتي تنص على ان "العقوبة شخصية، وتمنع العقوبات الجماعية".

وباعتبار ان وقف البرنامج عقوبة جماعية للجمهور وللتلفزيون ولفريق البرنامج، فان العقوبة بحد ذاتها لا تقع الا بحكم قضائي بموجب المادة (15) من القانون الاساسي، والتي تنص ايضا على انه " لا عقوبة الا بنص قانوني، ولا توقع عقوبة الا بحكم قضائي". فأين هو الحكم القضائي الذي قرر معاقبة البرنامج بوقفه؟

ولو افترضنا جدلا ان الحلقات التي طلب النائب العام تزويده بنسخ منها وهي الحلقات التي بثت بتاريخ (3-6-16- اب) تحتوي في مضمونها على جرائم الذم والقدح والتحقير حسب القانون وهي التي تسمى جرائم التعبير، فما هي الحكمة من ايقاف بث الحلقات رقم (17 الى 30) حسب القرار؟

ففي جرائم الذم والقدح والتحقير وهي اكثر جرائم التعبير التي تنظر امام المحاكم في كافة انحاء العالم، تنظر المحكمة في المادة الاعلامية التي وردت فيها شكوى او شبهة بوقوع جريمة من جرائم التعبير، ولا يتم التعرض للمواد الاخرى التي يكتبها المسؤول عن المادة محل النظر في المحكمة، اذ انه لا يجوز منع كاتب المقالات على سبيل المثال من نشر مقالته غدا اذا ما احيل الى القضاء بسبب مقالته التي نشرت اليوم. 

فجرائم التعبير تختلف عن الجرائم الجنائية كالقتل او السرقة التي تستوجب ايقاف فاعلها على ذمة التحقيق. اذ ليس منطقيا ان يوقف برنامج تلفزيوني على ذمة التحقيق. فهذا يعد تعد على حق الجمهور في الاطلاع وهو حق من حقوق الانسان كفلته كافة القوانين والمواثيق الدولية ولا يمكن الغاؤه او مصادرته او تقييده او انذاره الا بموجب حكم قضائي.

لقد اوقف البرنامج فعلا، والنائب العام صرح انه الاجراءات القانونية ستتخذ، والتحقيق من اولى الخطوات للذهاب الى المحكمة وتطبيق القانون، لو افترضنا ان الدفاع عن البرنامج اثبت للمحكمة المختصة ان قرار النائب العام غير قانوني وان البرنامج لا يحمل الذم والقدح والتحقير في مضمونه، فمن يعوض الجمهور وفريق البرنامج وادارة تلفزيون فلسطين عما حصل في الموسم الرمضاني الحالي.

ويعيد القرار الساحة الاعلامية الفلسطينية الى الوراء بفرض الرقابة التقليدية المقيتة، والتي ذابت ادواتها في عصر الثورة الرقمية التي جعلت من ادوات الرقابة دون تأثير على وسائل الاعلام. حيث طلب النائب العام تزويده بعدد من حلقات البرنامج التي وصفها بانها ركيكة وذات مضمون ضعيف، وتحتوي على مهاترات بحسب وجهة نظر نظر النائب العام. وهذا الامر مخالف لكافة القوانين الفلسطينية ذات لاعلاقة، ويخالف صراحة المادة (27) من القانون الاساسي الفلسطيني التي تنص في فقرتها الثانية على ان " حرية وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة وحرية الطباعة والنشر والتوزيع والبث، وحرية العاملين فيها مكفولة وفقا لهذا القانون والقوانين ذات العلاقة". وتنص في فقرتها الرابعة على انه " تحظر الرقابة على وسائل الاعلام، ولا يجوز انذارها او وقفها او مصادرتها او الغاؤها او فرض قيود عليها، الا وفقا للقانون وبموجب حكم قضائي". ونضع هنا عدة اسطر تحت عبارة بموجب حكم قضائي. فالقانون الاساسي صريح في تبيان ان تقييد الحريات او اوقفها او انذارها او الغاؤها هو من صلاحيات المحكمة وليس النائب العام.

قانون المطبوعات والنشر رقم (9) لسنة 1995

يخالف قرار النائب العام المادة (42) من قانون المطبوعات والنشر الفلسطيني رقم (9) لسنة 1995 والتي تنص على ان " تقوم المحكمة المختصة بالنظر في جميع المخالفات التي ترتكب خلافا لاحكام هذا القانون، ويتولى النائب العام التحقيق فيها وفقا للصلاحيات والاجراءات المنصوص عليها في القوانين الجزائية المعمول بها".

وهنا يظهر جليا ان قانون المطبوعات والنشر وان كان لا ينطبق على الاعمال المرئية والمسموع الا انه يجسد نصوص القانون الاساسي الفلسطيني في تخويل المحاكم المختصة مهمة النظر في المخالفات المتعلقة بحرية الرأي وحرية الاعلام والفصل فيها، وتبيان ان دور النائب العام يتمثل في التحقيق في هذه المخالفات.

قانون العقوبات رقم (16) لسنة 1960

وكان النائب العام قد صرح بانه اتخذ القرار بناء على الصلاحيات المخولة له وفقا للمواد (190،189،188) من قانون العقوبات الفلسيني رقم (16) لسنة 1960 مع العلم ان هذه المواد تختص بتفسير جرائم الذم والقدح والتحقير فالمادة (188) تعرف جريمة الذم والقدح، وتبين انه "إذا لم يذكر عند ارتكاب جرائم الذم والقدح اسم المعتدى عليه صريحاً أو كانت الإسنادات الواقعة مبهمة، ولكنه كانت هنالك قرائن لا يبقى معها تردد في نسبة تلك الإسنادات إلى المعتدى عليه وفي تعيين ماهيتها، وجب عندئذ أن ينظر إلى مرتكب فعل الذم أو القدح كأنه ذكر اسم المعتدى عليه وكأن الذم أو القدح كان صريحاً من حيث الماهية". لكن ذلك يحتاج الى القول الفصل من المحكمة المختصة.

اما المادة (189) من قانون العقوبات فهي تختص بتبيان صور الذم والقدح المعاقب عليها. والمادة (190) تعرف جريمة التحقير. لكن هذه المواد لا تخول النائب العام بايقاع العقوبات على مرتكبي هذه الجرائم، ذلك ان هذا الامر من اختصاص المحكمة التي يقع على عاتقها اثبات وقوع الجريمة ومن ثم اصدار العقوبة بموجب القانون وتصدر العقوبة في حكم قضائي صادر عن المحكمة المختصة.

قانون الاجراءات الجزائية رقم (3) لسنة 2001

وتبدو اختصاصات النائب العام واضحة وجلية بموجب قانون الاجراءات الجزائية رقم (3) لسنة 2001 والذي يخلو من اي صلاحية بالغاء الحريات الاعلامية او وقفها او انذارها. فالمادة (3) من قانون الاجراءات الجزائية تبين ان صلاحيات النيابة العامة هي " تحريك الدعوى الجزائية اذا قام المتضرر نفسه مدعيا بالحق المدني بالشكوى وفقا للقواعد المعينة في القانون". وقرار النائب العام تجاوز ذلك بان قرر ايقاف البرنامج وهذا النوع من القرارات مناط بالمحاكم المختصة فقط.

وتنص المادة (393) من قانون لاجراءات الجزائية الفلسطيني على انه " لا يجوز توقيع العقوبات المقررة بالقانون لأية جريمة، الا بمقتضى حكم صادر عن محكمة مختصة". وربما يذهب النائب العام الى نفي ان يكون قرار الايقاف عقوبة انما يدخل في نطاق الاجراءات لاحالة الملف الى المحكمة المختصة، وهذا تبرير غير مقبول بكون القضية تتعلق باهم حق من حقوق الانسان وهو حرية الرأي والتعبير وحرية الاعلام المكفولة بموجب القانون الاساسي الفلسطيني في المادة (19) والقوانين الاخرى ذات العلاقة، بالاضافة الى كفالة هذا الحق في المواثيق والمعاهدات الدولية التي تعترف بها السلطة الفلسطينية وتسعى الى الانضمام اليها. حيث ان سلب الاعلام والمجتمع حرياتهم وحقهم في التعبير يعد عقوبة من اشد العقوبات لانها تمس حقوق الانسان.

في المحصلة فان قرار النائب العام يؤشر الى واقع جديد يمثل تدخلا صارخا في الحريات الاعلامية وحرية الرأي والتعبير لتقييدها، وهذه الحادثة تؤكد على ضرورة اسراع الحكومة الفلسطينية في اقرار مقترح قانون الاعلام المرئي والمسموع ومقترح قانون المجلس الاعلى للاعلام الموجودين في ادارج رئاسة الوزراء، بالاضافة الى اعادة النظر في كاقة التشريعات والقوانين ذات العلاقة بالاعلام، كي لا يترك الفراغ التشريعي والقانوني المتعلق بالاعلام مجالا رحبا لقوى الشد العكسي للعب في ساحة حرية الاعلام وتخريبها وتضييقها. وربما القادم من القرارات التعسفية بحق الاعلام قد يكون ضد هذه الاذاعة او التفلزيون المحلي او تلك الصحفية او ذاك الموقع الالكتروني.

 

* محمد ابو عرقوب: مدير مركز السياسات والبحوث الاعلامية في مؤسسة بن ميديا للاعلام التربوي

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير