أبطال على عكازات: فريق كرة قدم مبتور الأرجل في غزة

06.08.2018 04:22 PM

ترجمة خاصة-وطن: فقد إبراهيم خطاب ساقه اليسرى، عندما كان بعمر (9) سنوات فقط، خلال عدوان الاحتلال المسمى "السور الواقي" ضد غزة. وقد خلف الهجوم، الذي استمر (50) يوما، أكثر من (2100) شهيدا فلسطينيا. والآن، أصبح خطاب، البالغ من العمر (13) عاما، أصغر لاعب في فريق "جمعية فلسطين لكرة القدم للمبتورين" في غزة، والذي تأسس في شهر اذار 2018.

ويقول خطاب، "ان الوضع الذي مررت به لا يطاق. وقد كانت السنوات الأربع الماضية قاسية جدا، حيث لم يكن من السهل عليّ التأقلم مع إصابتي، ووضعي الجديد الذي عشته. لكنني فخور الآن بأنني أصبحت قادرا على اللعب مع هؤلاء الرجال، رغم انهم أكبر مني سنا. أنا أحلم بالسفر لتمثيل فلسطين على المستوى الدولي في كرة القدم للمبتورين".

وقد حدثت إصابة خطاب عندما كان، هو وأصدقاؤه، يلعبون كرة القدم أمام منزله الكائن في مخيم دير البلح للاجئين، في قطاع غزة، عندما أصابته طائرة احتلالية بدون طيار. وأُغمي عليه فورا، ونُقل إلى مستشفى قريب. وعندما استيقظ بعد بضع ساعات، اكتشف أنه فقد ساقه اليسرى.

ويضيف، "كان الانفجار هائلا، وقد حدث ذلك قبل أن أتمكن من الركض. ولم أكن أدرك ما يحدث حولي. أتذكر فقط أنني رأيت رجلي تنزف، ثم غبت عن الوعي واستيقظت في المستشفى بعد بضع ساعات. وقد كنت متوترا بشأن قدرتي على العودة إلى المدرسة في

البداية، حيث خشيت ألا يتقبلني أصدقائي. وقد اعتدت في حياتي على قضاء معظم وقتي خارج المنزل، ركضا ولعبا في الشارع طوال اليوم. اما الان، فقد أصبح والداي يخشيان علي من حدوث شيء سيئ إن ركضت وحدي".

ويقول خطاب ان يوم الاثنين، اليوم الذي يجتمع فيه الفريق للتدريب، أصبح يومه المفضل في الأسبوع. حيث يجتمع مع الفريق الذي يضم (13) شخصا مبتورا، لجلسة تدريبية واحدة مدتها (3) ساعات. يسمى فريقهم "فريق الأبطال"، ويهدف مع زملائه إلى التنافس في البطولات الدولية، من خلال تحدي أوضاعهم الحالية، وتغيير الصور النمطية الشائعة عن المعاقين.

وقد عانى جميع أعضاء الفريق ال (13) من البتر بسبب إصابات لحقت بهم من عمليات قصف للاحتلال الإسرائيلي استهدفت قطاع غزة بين عامي 2008 و2014. وقد نتج عن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، في العام 2014 وحده، إصابة (1100) شخص بإعاقات دائمة، بما فيها أكثر من (200) عملية بتر للأرجل وحدها.

وحديثا، قالت منظمة الصحة العالمية، ان أطباء غزة أجروا (32) عملية بتر، منها (27) عملية للأطراف السفلية، منذ بداية احتجاجات مسيرة العودة العظيمة، في شهر آذار من هذا العام.

ووفقا لذات المنظمة، يعاني قطاع غزة من أزمة إنسانية نتيجة حصار الاحتلال الإسرائيلي المفروض منذ عشرات السنوات، حيث بات نحو (1.2) مليون شخص يفتقرون إلى إمكانية الوصول الكافي إلى الرعاية الصحية، وغيرها من الخدمات الأساسية.

أهداف مشتركة

أما وحيد رباح، وهو أقدم عضو في الفريق، فَقَد فَقَدَ ساقه اليمنى خلال عملية عسكرية لجيش الاحتلال، في العام 2006، والتي خلفت أكثر من (240) شهيدا، منهم (48) طفلا.

وعلى مدى عدة سنوات، حاول اللاعب، البالغ من العمر (42) عاما إيجاد طرق مختلفة للتعامل مع إعاقته، قبل ان يتلقى مكالمة من مؤسس اتحاد كرة القدم الفلسطيني للمبتورين، داعيا إياه للانضمام إلى فريق كرة القدم الأول للمبتورين في غزة. وقال رباح انه لا يمكن أن ينسى أبدا تاريخ 19 تموز 2006، عندما أصيب ووقع على الأرض، بينما قام زميله بخلع قميصه وربطه على ساقه، حيث عرف من تلك اللحظة انه فقد ساقه الى الأبد.

وقد بترت ساق رباح اليمنى بسبب تلف شديد في عظامها وانسجتها، حيث يستخدم الان ساقا اصطناعية للمشي العادي. اما في ملعب كرة القدم فيجب ألا يستعمل ساقه الاصطناعية، التزاما بقواعد اللعبة. هذا وتسمح لعبة كرة القدم للمبتورين للاعبين باستخدام العكازات فقط دون الارجل الاصطناعية. اما حارس المرمى، فيجب أن يكون لديه عاهة او قطع في أطرافه العلوية (على العكس من بقية اللاعبين، حيث يجب أن يكون لديهم إعاقات في الأطراف السفلية). ويعتقد رباح أن قراره بالانضمام إلى الفريق جعله يدرك أن هناك أناس آخرين يعانون من إعاقات مماثلة، وان عليه الإحساس بهم.

فكرة خلاقة

تشهد التدريبات دائما وقوف شخص معروف على حافة الملعب، هو فؤاد أبو غليون، مؤسس ورئيس "جمعية فلسطين لكرة القدم للمبتورين" في غزة والمسمى "بافا" اختصارا.

يشرف أبو غليون على الدورة التدريبية الأسبوعية للفريق بكل دقة. وفي هذا السياق، قال أبو غليون إنه قرر إنشاء فريق كرة القدم المبتور في غزة بعد ان استلهم الفكرة من الروح الإيجابية التي أظهرها اللاعبون المبتورون في البطولة الأوروبية لكرة القدم للمبتورين (أي ايه اف اف)، والتي أقيمت في شهر 10 من العام 2017.

وأضاف، "اتصلت فورا ببعض الأصدقاء، واقترحت الفكرة. فرحب الجميع بالمبادرة، وساعدوني في جمع المعلومات حول ما هو مطلوب لتشكيل مثل هذه الفرق، وطبيعة قواعدها، ومن يمكنه الانضمام لها، ونوعية العكازات التي يستخدمها اللاعبون".

وقد أمضى أبو غليون (5) أشهر في العمل على نشر الفكرة في بين الناس، حيث كان من الصعب دائما إطلاق مثل هذه الأفكار والمشاريع في غزة. وكانت العقبة الأولى التي واجهها الافتقار إلى الموارد اللازمة لتمويل الفريق، حيث شملت الاحتياجات توفير ملعب لكرة القدم، وشراء عكازات خاصة للاعبين لهذا النوع من اللعب. وقال: "كانت أكبر المصاعب هي إقناع المبتورين، ومعظمهم يائسون لم يتقبلوا واقعهم، بلعب كرة القدم باستخدام ساق واحدة فقط.

ويحتاج اللاعبون إلى عكازات خاصة متينة تكلف كل منها (100) دولار على الأقل. بالإضافة الى التكاليف الأخرى، مثل استئجار ملعب كرة القدم، وتكلفة نقل اللاعبين القادمين من مناطق مختلفة في غزة إلى الملعب في وسط قطاع غزة، حيث يصل مجموعها تكلفة المواصلات وحدها نحو (10) الاف دولار سنويا.

أحلام كبيرة

يأمل اللاعبون ال (13) أن يشاركوا في يوم من الأيام في الألعاب "البار أولمبية" الدولية. وقال ناجي الناجي، (26) عاما، "انه سيكون حلم أشبه بالحقيقة، ليس فقط بالنسبة الى هذا الفريق، بل لجميع الأشخاص ذوي الإعاقة في غزة، في حال تمكنا من تمثيل بلادنا في الألعاب البار أولمبية". وكان الناجي قد فقد ساقه عندما كان في ال (15) من عمره، بعد أن داس على عبوة ناسفة، في مخيم دير البلح للاجئين بقطاع غزة.

وقال الناجي "يعلمنا المدربون أن نركض بأسرع ما يمكن، وان لا نخاف من السير والركض بمفردنا. هذا التدريب يجعلني أشعر انني على قيد الحياة، بعد ان كنت ميتا".

يقول أبو غليون إنه يأمل في تشكيل (4) فرق من مناطق مختلفة من قطاع غزة، كي يتمكنوا من التنافس مع بعضهم البعض بشكل رسمي. وبهذه الطريقة يمكنه تشكيل فريق وطني قادر على التنافس على المستوى الدولي. وانه يسعى إلى ضم لاعبين ممن فقدوا أطرافهم حديثا أثناء مشاركتهم في مسيرة العودة الكبرى.

أدوات المقاومة

اما محمود النّاعوق، المدير الإداري ل "بافا"، فَقَد فَقَدَ ساقيه خلال هجوم الاحتلال الإسرائيلي على غزة في العام 2014. ووفقا للنّاعوق، فقد تعمد الفريق بدأ أول دورة تدريبية له في ذكرى يوم الأرض، حيث تزامنت مع بداية مسيرة العودة الكبرى.

وأضاف الناعوق، "في الوقت الذي يعمل فيه الاحتلال متعمدا على تصوير الفلسطينيين على انهم أهل العنف، وانهم محبون للموت، كارهون للحياة، فإن هذه المبادرة تعكس رغبة شعبنا بالعيش وحب الحياة. ونعتبر هذه المبادرات أدوات مقاومة فاعلة بيد الفلسطينيين،

في منطقة محاصرة ومخنوقة، ورغم ذلك تتحدى الاحتلال. سنثبت أننا موجودون على الرغم من كل ما يقع علينا من بطش وفتك".

اما نعمان أبو شمالة، مدير الجمعية، فقد لخص رؤيته للفريق بالقول: "واجبنا من خلال الجمعية هو التعبير عن مطالب هؤلاء الضحايا، فهم يتشبثون بالحياة".

وخلص، "رسالتنا في هذه الجمعية هي عكس ما يفعله الفلسطينيون عادة. ان رسالتنا أن نظهر للعالم أجمع ما هم قادرون على فعله، بدلا من اظهار ما هم غير قادرين على فعله".

ترجمة: ناصر العيسة، عن: "ميدل ايست أي"

تصميم وتطوير