الجريمة النرويجية...من دون إسقاطات...بقلم: عريب الرنتاوي
ما حصل في النرويج، جريمة مروِّعة مزدوجة...مُدانة بكل الحسابات والمعايير والمقاييس...أثارت القشعريرة في نفوسنا قبل أن تبدأ ملامح صورة القاتل وهويته ولون بشرته وعينيه واتجاهاته الدينية والسياسية بالظهور في وسائل الإعلام...فالجريمة هي الجريمة...والإرهاب ليس بحاجة للتعريف...فأنت تعرف الفعلة الإرهابية وتشتم رائحتها عندما تشاهد أولى الصور، وتقرأ أول بضعة أسطر عنها...لا نملك إلا أن ندين ونشجب ونستنكر، وبكل ما في اللغة من مفردات كفيلة بنقل هذه المشاعر.
على أننا فُجعنا ببعض أصابع الإتهام تتجه صوب القاعدة و"الشرق الأوسط" و"العرب" و"المسلمين"، وذلك قبل أن تجف دماء الضحايا أو يتبدد دخان الانفجار...أصحاب الأجندات العدائية الجاهزة...ضحايا "الصور النمطية" عن العرب والمسلمين ومروّجيها، جميع هؤلاء توجهت أنظارهم قبل أصابعهم، بالشك والاتهام والإدانة، إلى أن حدث ما لم يكن منتظراً، وتبين أننا أمام الإرهاب نفسه، ولكن بصورة جديدة وشكل جديد ولغة جديدة.
ليس للإرهاب دين أو لون أو جنس أو عرق...الإرهاب عابر لكل خطوط العرض والطول التي تميز البشر بعضهم عن بعض...وإن كان كثرة من الإرهابيين قد تناسلوا من بين ظهرانينا في السنوات العشرين الفائتة، فهذا لم يمنحنا يوماً، "وكالة حصرية" بالإرهاب والإرهابيين، وهي وكالة لا نريدها ولا نسعى وراءها، ولا نشرف بها، بل تثير كل ما لدينا من عزم وإصرار على نبذها والانفصال عنها ومحاصرتها وإسقاطها.
على الضفة الأخرى من الحدث "النرويجي"، فقد استمعت بالأمس إلى مصادر إعلامية عربية، تريد أن تضع الحادث في سياق "مؤامرة صهيونية" على المواقف النرويجية المؤيدة للقضية الفلسطينية...ذكرني ذلك بما قيل زمن الحادي عشر من سبتمبر / أيلول 2001، عندما نُسجت عشرات القصص عن "يهودٍ" حذروا يهوداً قبل الهجوم على مبنى التجارة الدولية، وآخرين قضوا الليل بطوله في الاحتفال بما سيصيب الولايات المتحدة صبيحة اليوم التالي، والهدف كما قيل، تحريض واشنطن وشحنها ضد العرب والمسلمين، لكأنها بحاجة لمن يحرضها ويشحنها.
أمس، قيل أن المؤتمر الشبابي للحزب الحاكم، كان سيتدارس في أنجع السبل لتدعيم الموقف الفلسطيني...الموقف النرويجي عموماً صديق للفلسطينيين وغير معادٍ لإسرائيل، بخلاف ما تذهب إليه تقديرات وتقييمات أيمن الظواهري في رسائله النصية والصوتية والمصورة...لكن وضع الأمر كما لو أنه مؤامرة إسرائيلية هدفها معاقبة النرويج أو تحريضها، فيه كثير من الاختزالات المخلّة.
ليست المسألة فيما إذا كانت إسرائيل مهيأة للقيام بأعمال قذرة من هذا النوع، فقد قامت بما هو أقذر منها في فلسطين ومصر والأردن ولبنان وسوريا...المسألة فيما إذا كانت إسرائيل محتاجة لأن تقوم بأعمال من هذا النوع...وضد من، ضد دولة ارتبطت معها بعلاقات جيدة تاريخياً...وبإسلوب إجرامي، إن كُشفت الأيدي الإسرائيلية التي يقال أنها وراءه، سيكون ذلك سبباً كافياً لعزل إسرائيل لا عن النرويج فحسب، بل وعن أوروبا والعالم بأسره، فهل تفعلها إسرائيل لمجرد أن مؤتمراً شبابياً كان يمكن أن يخرج ببيان يدعو لرفع الحصار عن غزة على سبيل المثال ؟!.
النرويج ليست غزة، لكي تعيث فيها إسرائيل تدميراً وتفجيراً وقتلاً وترويعاً...النرويج ليست إيران، لكي يكرس الموساد كل خبراته لمطاردة علمائها ومنشآتها وحرسها الثوري وبرنامجها النووي (بالمناسبة صادف التفجير في أوسلو اغتيال عالم نووي إيراني في طهران)...النرويج ليست جنوب السودان أو شرقه، لكي يكثف سلاح الجو الإسرائيلي طلعاته متعقباً شحنات السلاح المهربة إلى غزة...والنرويج إخيراً، ليست مرشحة لأن تصبح "هاونوي" لدعم "سايغون" المحاصرة في قطاع غزة....ما حصل في النرويج، لعبة لا تقوى عليها إسرائيل، أجهزة وحكومة وائتلاف ورئيس وزراء ومشروع وكيان.
على أية حال، ثمة مدارس "مسيحية متطرفة" أشد غلواً من أعتى مدارس اليمين الصهيوني، ولديها معتقدات وخرافات لا تقل بؤسا عن أسوأ ما تعج به "بسطات الأرصفة" من كتب مثقلة بالأساطير والخرافات والخزعبلات...وثمة تجارب وقعت في الغرب، بالأخص في الولايات المتحدة، كان ثمنها قاسياً من أرواح عشرات الإبرياء، الذين ذهبوا ضحايا اعتقادات ومعتقدات فاسدة وتافهة...لماذا نستبعد أن يكون ما حصل في النرويج هو ما حصل في النرويج، من دون اتهامات "معلبة" جاهزة عن القاعدة والإرهاب الإسلامي، ومن دون محاولات تقديم قراءة "مؤامراتية" حول ما يجري...كلتا القراءتين، تنطوي على قدر بيّن من الإنحراف.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء