غياب الإرادة السياسية و"التشريعي" وضعف الحماية القضائية أسباب للتعذيب في فلسطين

28.06.2021 07:10 PM


- الهيئة المستقلة لوطن: 135 حالة تعذيب في مراكز الاحتجاز بالضفة وغزة منذ بداية العام

- القاضي السابق د.أحمد الاشقر لوطن: نريد إرادة سياسية لإصدار قرار بقانون يعرّف جريمة التعذيب وفق اتفاقية مناهضة التعذيب ويوائم تشريعاتنا معها

- مركز "شمس" لوطن: تطويع ولي عنق القانون خدمة للنظام السياسي يؤدي لدولة أشبه بالدولة البوليسية والنظام الديكتاتوري

- مركز "حريات" لوطن: معالجة الظرف الراهن تتمثل في احترام حرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي وحظر التعذيب

- مركز "الميزان" في غزة لوطن: ممارسة التعذيب سببه ضعف الحماية القضائية وغياب السلطة القضائية المستقلة

- مركز علاج وتأهيل ضحايا التعذيب لوطن: من يمارس التعذيب قد يكون قد تعرض للتعذيب سابقاً


وطن: بعد مقتل الناشط نزار بنات وفي اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب، ماذا يعني هذا اليوم؟ وما الرسائل التي توجهها المؤسسات الحقوقية في هذا اليوم؟ وهل نزار بنات سيكون اخر ضحايا التعذيب في فلسطين؟

حلقة "عدل" هذا الاسبوع والتي يقدمها المحامي انس الكسواني وتبث عبر شبكة وطن الاعلامية بالشراكة مع الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، ناقشت حال الحريات العامة في فلسطين واحترامها وضمان حرية التعبير والتظاهر السلمي، والمسبب للتعذيب وكيف يجب العمل لوقفه من النظام السياسي.

موسى او دهيم مدير دائرة التحقيقات والشكاوى في الهيئة المستقلة لحقوق الانسان، قال إن التعذيب في المناطق الفلسطينية هو موجود منذ قدوم السلطة الفلسطينية، وللأسف حتى اللحظة لم يتوقف التعذيب في مراكز الاحتجاز، فمنذ بداية عام 2021حتى نهاية شهر 5 نتحدث عن 135 حالة تعذيب، (75 في الضفة و60 في غزة).

وأضاف "تعذيب، وسوء معاملة، وقمع للحريات، كما أنه جرى ملاحقة المتظاهرين الى المشافي، هذا حال الشارع الفلسطيني خلال الايام الماضية، نأمل ان يتم دق ناقوس الخطر لدى السلطة والأجهزة التنفيذية والامنية، بوجوب وقف هذه الانتهاكات".

وأضاف أبو دهيم: اللجنة الامنية المشتركة للأسف هي سيئة الصيت، وهي نوع من التعذيب لأنه يتم ترهب الناس بهذه اللجنة، أما الجزء الاخر من التعذيب هو ما يقومون به من شبح وضرب واهانة للمعتقل.

وأضاف: للأسف وصلنا لمرحلة بأن رجل الامن هو ابن تنظيم، ولا يفصل بين عمله كرجل امن تقع عليه مسؤولية حماية البلد وتوفير الأمن، وبين أنه عنصر في تنظيم.

وأكد أن التعذيب كله يتم عند الشرطة اكثر من الاجهزة الامنية الاخرى، ففي عام 2021، تم تسجيل 72 شكوى وصلتنا حول التعذيب لدى جهاز الشرطة، وأربع حالات لدى المخابرات، وحالة لدى الامن الوقائي، وحالة لدى الاستخبارات، وثلاث حالات لدى جهاز الامن الداخلي في غزة 3.

وتابع: "لن انكر ان التدريب من بعض المؤسسات للأجهزة الامنية اثمر وتطور، ولكننا لا زلنا محكومين بالحالة السياسية، والمواطن هو الضحية".

القاضي السابق أحمد الاشقر لوطن: ما نريده إرادة سياسية بإصدار قرار بقانون يعرف جريمة التعذيب وفق الاتفاقية ويواءم تشريعاتنا الوطنية معها

وخلال مشاركته في البرنامج، عبر الاتصال الهاتفي، قال القاضي السابق والمحامي د. احمد الاشقر، " يبدو ان المؤسسة الفلسطينية الرسمية قد نسيت انها صادقت على اتفاقية مناهضة التعذيب وتناست ان هناك التزامات دولية تفرضها هذه الاتفاقية". مضيفا: اي مراقب ومطّلع يمكن ان يقول ان النظام السياسي والقانوني الفلسطيني غير معني بتطبيق اتفاقية مناهضة التعذيب والبرتوكول الاختياري الخاص بتقديم الشكاوى.

واعتبر الأشقر أنه من الناحية الوطنية، فإنه ليس فلسطينيا من يعذب فلسطينيا، فنحن شعب عانينا من التعذيب ولا يمكن ان نقبل ان يصبح هذا التعذيب ممنهجا لدينا، وللأسف الشديد غياب المجلس التشريعي افقد المنظومة القانونية توازنها.

وقال: نحن بحاجة الى قانون لمناهضة التعذيب، لأن اتفاقية مناهضة التعذيب، عرّفت التعذيب ولم تفرض عقوبات، لذلك نحن بحاجة الى قانون، ولا يمكن التسليم بما تقوم به المؤسسة الرسمية وحتى ممارسة اجهزة انفاذ القانون في مسألة الاحالات الى المحاكمة، لأنه بحد ذاته ارهاب واعتداء وتعذيب.

وأضاف: للأسف ما يحصل اننا لا نحترم التزاماتنا الدولية ولا نحترم القانون الاساسي الفلسطيني، الذي اتاح للمواطنين حرية التظاهر والحماية الجسدية، لذلك اجهزة الامن الفلسطينية مكلّفة بموجب القانون بحماية حق الناس في السلامة الجسدية والكرامة المعنوية، وان يمارسوا الحد المعقول من حرية الرأي والتعبير والتظاهر.

وتابع: اخشى ان تتحول منظومة القوى الامنية والقضاء والنيابة العامة وكل الاجهزة التي تعمل في اطار المنظومة الدستورية والسياسية ان تتحول كلها لأداة لشرعنة التعذيب، لأن ذلك سيكون وبالا على كل فلسطيني.

وأشار الأشقر الى ان النظام القانوني الفلسطيني يفتقر الى تجريم التعذيب، ونحن لا نستطيع ان نقول ان هناك جريمة تعذيب ما لم تكن منشورة وعليها عقوبة واركانها متعددة، لذا لا يمكن الذهاب للمحكمة ورفع شكوى تعذيب. وقال: لدينا في قانون العقوبات المادة 16 لعام 1960 جرائم الايذاء، وتنطبق على ما يقع من رجل الامن على المواطن،  سواء في الشارع او مراكز التوقيف، ولكن هذا مدخل ضعيف جدا لمسألة التعذيب، وما نريده ان يكون لدينا ارادة سياسية لإصدار قرار بقانون يعرف جريمة التعذيب وفق الاتفاقية ويوائم تشريعاتنا الوطنية معها، وأن تكون عقوبتها واضحة وتشمل كل ضباط الامن والمؤسسات الرسمية، وان تشدد العقوبات.

أما فيما يتعلق بالجنائية الدولية ، فأوضح الأشقر أن اي شخص يستطيع تقديم اي شكوى من خلال المؤسسات الحقوقية وتوجه بشكل شخصي لأفراد معينين قاموا بارتكاب التعذيب، وخاصة ان يكون التعذيب ممنهجا وضمن تركيبة مؤسساتية.

وأعرب الأشقر عن اعتقاده بأن كل ما يحصل في فلسطين هو نتيجة لغياب المجلس التشريعي، لذلك يجب ان يكون مطلبنا جميعا انتخاب مجلس تشريعي.

كما اعتبر الأشقر أن " الصمت الذي تلى جريمة اغتيال نزار بنات هو اكبر تعذيب نفسي للناس.. دولة ومؤسسات كاملة تصمت عن جريمة! ".

مركز شمس لوطن: تطويع ولي عنق القانون الأساسي خدمة للنظام السياسي يؤشر إلى إننا بدولة أشبه بدولة بوليسية ونظام ديكتاتوري

أما عمر رحال مدير مركز حقوق الانسان والديمقراطية "شمس"، فقال إن القانون الاساسي الفلسطيني يقف على رأس الهرم القانوني في اي دولة تحترم ذاتها، بالتالي عندما يكون هناك تطويع ولي لعنق هذا القانون خدمة للنظام السياسي وعندما يحل المجلس التشريعي بهذه السهولة، هو يؤشر الى اننا في دولة اشبه ما تكون دولة بوليسية ونظام دكتاتوري.

وأضاف: البند الأول من المادة 13 من القانون الاساسي الفلسطيني، تنص على أنه لا يجوز الاكراه او التعذيب، كما انه في تاريخ 14/5/2013 اصدر الرئيس مرسوما قال فيه ان يحظر على المكلفين بإنفاذ القانون ممارسة التعذيب، وفي تاريخ 1/4/2014 امضينا على 35 اتفاقية ومعاهدة دولية منها اتفاقية مناهضة التعذيب، وفي 18/12/2017 انضممنا للبروتوكول الاختياري، وبعد ذلك نذهب للأمم المتحدة ونقدم تقاريرنا الدورية، ماذا يعني هذا كله؟

وتابع: لا يوجد ارادة سياسية لحظر التعذيب، والنظام السياسي الفلسطيني يعتقد مخطئا انه من خلال القمع والترهيب يمكن ان يسيطر على الشعب الفلسطيني، ولكن اقول ان كل ما عبر فلسطين من احتلالات واستعمارات والضم الشعب الفلسطيني لم يرفع الراية البيضاء ولم يستسلم، واقول في ظل ما يحصل من احداث جسيمة على الأرض، إن الشعب الفلسطيني صبره قد ينفذ، والموضوع له علاقة باحترام الناس للسلطة وليس خوفها منها، وعلى المستوى السياسي والرئاسي ان يدرك ذلك ويحتوي ما يجري.

وقال إن المقهور يمارس القهر، نحن مقهورين وبالتالي نحن نمارس القهر، عندما اريد ان اثبّت اركان النظام السياسي واحميه يجب احترام الحقوق والحريات وإطلاقها وبناء العلاقة الطيبة مع المواطنين وادارة الازمة وتوفير كل ماله علاقة باحتياجات الناس.

وأضاف: المشكلة الاخرى التي نواجهها هي الافلات من العقاب فلا يوجد مساءلة او محاسبة، بالتالي الذي ينتهك ويعذب هو في مأمن، بالتالي نحن لا نريد ان نستقوي بالمجتمع الدولي بل بمؤسسات المجتمع المدني ووسائل الاعلام الذي عليه ان يسلط الضوء على ما يجري، كما أن الفصائل مطالبة بالوقوف على ما يجري. مشيرا إلى "أننا مازلنا تحت احتلال وفي مرحلة تحرر وطني ولا يجب ان نمارس تمت ممارسته علينا".

وقال: الفيصل في النتائج وتطبيقها، وهي المسألة التي ننتظرها كمؤسسات مجتمع مدني ومؤسسات حقوقية لنرى مدى جدية النظام السياسي في التعاطي مع هذه الازمة وكيف سيديرها ويتعاطى معها، أنا لا اقول ان هناك نهج في تصفية الخصوم السياسيين كما حصل مع انظمة عربية معروفة، فهذه ليست ظاهرة في فلسطين.

وعن الصمت الذي أعقب الجريمة؟ قال: "هذه بلد سارحة والرب راعيها، لو كان لدينا خلية ازمة او مؤسسة واستراتيجيين ومستشارين في اليوم الاول لما حصل كان بالإمكان ان يخرج الرئيس ببيان الى العامة لإدانة هذا العمل وان يقول سيكون هناك لجنة وتفاصيلها وسنطبق نتائجها ليمتص الغضب الشعبي".

وأوضح أن "الهتافات التي تجري مخيفة فاذا المستوى السياسي لا يسمع ولا يشاهد ما يحصل اعتقد اننا في مصيبة كبرى، واذا كان مستشاري الرئيس لا يخبرونه بما يجري لوضعه بمجريات الامور انا اعتقد بأننا نعيش في كارثة حقيقية، اذن المشروع الوطني في مهب الريح، ونحن في متاهة والفلسطيني في حالة تيه، ومصدوم".

مركز "حريات" لوطن: معالجة الظرف الراهن تتمثل في أن تلتزم السلطة باحترام حرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي وحظر التعذيب

حلمي الاعرج مدير عام مركز الدفاع عن الحريات "حريات"، قال إن أي محاولة لنفي وجود تعذيب في مراكز التوقيف الفلسطينية قد باءت في الفشل، وما جرى مع نزار بنات لوحده يدلل قطعا بأن هناك تعذيب، لان التعذيب لا يقتصر فقط على مراكز الاحتجاز والتوقيف، انما يمكن ان يكون في الشارع، والتعذيب لا يسقط بالتقادم.

وأضاف: التعذيب ابشع جريمة ممكن ان تمارس بحق الانسان، والشعب الفلسطيني شعب معذب من كل الاستعمارات التي مرت عليه، من عام 1967 الى الان كل مواطن يتم اعتقاله يتعرض للتعذيب وفي كل لحظة هناك تعذيب للفلسطيني، ومن حق المجتمع الفلسطيني أن يكون خال من التعذيب، نحن في معركة تحرر وطني علينا ان ندرك معنى ذلك وان ندرك اهمية الانسان الفلسطيني في هذه المعركة، كرامة الانسان ومواطنته واستعداده للنضال يمكن ان تمحيه اذا تعرض للتعذيب، لذا يجب سيادة القانون وان لا يكون احد فوق القانون، وأن تكون المرجعيات واضحة.

وتابع الأعرج: استطيع الجزم بأن القانون الفلسطيني يحظر التعذيب وان كنا بحاجة الى صياغة قانون لتعريف التعذيب وحظره باعتباره جريمة وليست جنحة لان هناك تناقض بين القانون الاساسي وقانون العقوبات الأردني رقم 60 وهناك تناقض بين توقيع فلسطين على اتفاقية مناهضة التعذيب والبروتوكول الاضافي الذي يدعو الى تشكيل لجنة وطنية للوقاية من التعذيب وهو ابعد ما ذهبت اليه دولة فلسطين مقارنة باي دولة اخرى، ولكن على ارض الواقع الحال مختلف، فمعالجة الموضوع في الظرف الراهن بان تلتزم السلطة قولا وعملا بما جاء بوثيقة الاستقلال وبالقانون الاساسي القائم على احترام حرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي وحظر التعذيب بشكل مطلق وعدا ذلك سيبقى الحال كما نشاهد ما يؤثر سلبا على السلم الاهلي والسلم الاجتماعي والنسيج الاجتماعي.

مركز الميزان في غزة لوطن: ممارسة التعذيب تتم بسبب ضعف الحماية القضائية وعدم وجود سلطة قضائية مستقلة ومحايدة

من جهته، قال المحامي سمير مناعة ممثل مركز الميزان لحقوق الانسان في غزة، لدينا مجموعة على الملاحظات على المنظومة القانونية الوطنية المتعلقة بتجريم التعذيب. مضيفا: التعذيب هي جريمة والمشكلة ان المنظومة القانونية لم توفر الحماية الكافية فيما يتعلق بجريمة التعذيب باستثناء المادة 13 في القانون الاساسي وقانون الاجراءات الجزائية، قانون العقوبات الفلسطيني المطبق في غزة لعام 1936 وضع مادة واحدة فيما يتعلق بتجريم التعذيب وهذه المادة لا تنسجم مع المادة الاولى المتعلقة باتفاقية مناهضة التعذيب بالتالي هي مادة قاصرة لا تفي بأغراض تطبيق الاتفاقية والتزامات فلسطين.

وعن اسباب ممارسة التعذيب، قال: قد يرجعه مختصون الى الناحية النفسية والفسيولوجية ومن جانب اخر، مرده الى ضعف الحماية القضائية وعدم وجود سلطة قضائية مستقلة ومحايدة.

وأضاف: ما نلاحظه الان هو ان من مورس بحقهم التعذيب هم اصبحوا في موقع الحكم ويمارسوا التعذيب بحق اقرانهم، بالتالي استمرار الجريمة على هذ النطاق يهدد بانتزاع الكرامة الانسانية بشكل مطلق.

وتابع: استمرار هذه الحالة مردها غياب العدالة والمحاسبة والمساءلة بالتالي يوجب علينا ان نبادر الى مواءمة تشريعاتنا بما ينسجم ما اغراض تطبيق الاتفاقية، وان نباشر بإنشاء الآلية الوطنية الوقائية، باعتبار توقيعنا عليها في عام 2017 يقتضي منا كفلسطينيين ان نبادر بإنشاء هذه الآلية في غضون سنة من التوقيع، بالتالي عدم قيامنا بهذه الخطوات يشكل اخلالا بالتزاماتنا الدولية.

مركز علاج وتأهيل ضحايا التعذيب لوطن: من يمارس التعذيب قد يكون قد تعرض للتعذيب سابقاً

من جانبها، قالت ريا فرسخ ممثلة مركز علاج وتأهيل ضحايا التعذيب، التعذيب إنه من الممكن ان يكون التعذيب ممنهجا وليس عشوائيا، إذ أن بعض الحالات التي نعمل معها، وتظهر اختلافا في شخصيتها بعد الافراج عنها ، كما أن محيط الحالة يتأثر من التعذيب الذي يطاله المعتقل. مشيرة إلى أن كثير من الحالات تعاني من كوابيس وعدم انتظام في النوم وعدم تركيز، ولا تستطيع العودة لعملها وحياتها بشكل طبيعي.

وفي ردها على سؤال: كيف يصل الشخص لمرحلة ممارسة التعذيب؟ قالت: من الممكن ان يكون الشخص قد مورس عليه التعذيب فلاشعوريا يمارسه دون ان يشعر او يدرك قد يمارسه على عائلته ومجتمعه.

وأوضحت فرسخ أن كثير من الحالات قد تمارس التعذيب لا شعوريا، فقط يفكر في الانتقام، وهنا يحتم علينا عملنا ان نساعده من خلال العلاج النفسي او الطبي، فنساعده في كيفية العودة والتكيف مع حياته بشكل طبيعي.

تصميم وتطوير