اجتماع المجلس الوطني: عباس لإحكام قبضته... ولا خيار امام الفلسطينيين سوى انتخاب قيادات مُسِنّة

30.04.2018 11:54 AM

 ترجمة خاصة - وطن: بالتزامن مع انعقاد جلسات المجلس الوطني الفلسطيني، في رام الله، اليوم الاثنين، تخضع الطبقة القيادية العليا لمنظمة التحرير الفلسطينية، والتي يبلغ متوسط عمرها (70) عاما لاختبار انتخابي تتعرض له لأول مرة منذ نحو (20) عاما.

وباجتماع المئات من أعضاء المجلس الوطني، يعتبر هذا اللقاء بمثابة فرصة مواتية، ونادرة، لتنشيط الحركة الوطنية الفلسطينية، وتجديد الدماء في عروقها، خصوصا وأنها تبدو، مع القضية الفلسطينية ايضا، في مرحلة تراجع وضعف غير مسبوقة، وامام نقطة تحول مصيرية وتاريخية تؤثر في مفاصل القضية برمتها، إضافة الى الأحاديث التي بدأت تخرج حول الخلفاء المحتملين للرئيس الفلسطيني، محمود عباس، الذي وصل الى (83) عاما من العمر.

وبدلا من ذلك (أي التنشيط والتجديد)، يقول بعض النقاد، وبعضهم من داخل منظمة التحرير الفلسطينية، أن الرئيس عباس دعا الى هذا الاجتماع من اجل منح حكمه "الاستبدادي"، وفق الكاتب، المزيد من التنظيم، واضفاء الشرعية عليه الى أطول فترة ممكنة.

غير ان آخرين يتحدّون توقيت هذا الاجتماع، وينتقدون الرئيس عباس حيال التوقيت، معتبرين أن الخلاف مع حركة حماس القوية، وغير العضو في منظمة التحرير الفلسطينية، والتي تحكم غزة منذ أكثر من (10) سنوات، يجب ان تُعالج كأولوية عليا، وان تُحل قبل مؤتمر من هذا النوع.

وفي ذات الوقت، يصوّر مؤيدو الرئيس عباس هذا الاجتماع على انه اجتماع مصيري وهام جدا. وانه بمثابة اجتماع لبرلمان منظمة التحرير الفلسطينية، الذي يمثل الفلسطينيين في كل مكان. كما يصورونه على انه دعم ضروري للرئيس عباس، ويأتي في وقته، على اعتبار ان الرئيس يحتاج إلى مثل هذا الدعم في معركته السياسية مع إدارة ترمب، التي يدرك الفلسطينيون أنها إدارة مؤيدة لإسرائيل، بشكل صارخ، وغير مسبوق.

منظمة التحرير الفلسطينية

تم تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية في منتصف الستينيات من القرن الماضي، كمظلة عمل للفصائل الفلسطينية. ومنذ بدايتها، سيطرت عليها حركة فتح. وبعد المضي في طريق الكفاح المسلح لعدة عقود، قامت منظمة التحرير بتبادل الاعتراف مع إسرائيل، في العام 1993. وقد أدى ذلك الاعتراف الى قيام السلطة الفلسطينية، كحكومة حكم ذاتي للضفة الغربية وقطاع غزة.

ومنذ ذلك الحين، اعترفت أكثر من (100) دولة بمنظمة التحرير الفلسطينية، التي ظلت بمثابة "الممثل الشرعي الوحيد" لجميع الفلسطينيين. ورغم القوة والتأثير الذي صنعته المنظمة، الا ان الصلاحيات انتقلت بسرعة إلى السلطة الفلسطينية. ومنذ العام 1993، بدأت السلطة الفلسطينية بالاعتماد على المساعدات الخارجية، التي قدمت من خلالها خدمات لملايين الفلسطينيين، في الضفة الغربية وقطاع غزة.

وخلال تلك السنوات، تمكنت حركة حماس، التي تأسست في أواخر الثمانينيات، من تقوية موقفها وتعزيز وجودها. وفي المقابل، خسرت حركة فتح الكثير من مكانتها ومراكزها، حيث فازت حماس بالانتخابات البرلمانية الفلسطينية التي أجريت في العام 2006، قبل ان تطرُد الموالين للرئيس عباس الى خارج القطاع، بعد ذلك بعام واحد.
وفي هذه الأيام، ينظر الفلسطينيون الى المنظمة، وعلى نطاق واسع، على أنها "صَدَفَة فارغة". غير انها تبقى بمثابة مظلة سياسية تحوي الجميع، وتضمن الحد الأدنى من التواصل بينهم، خصوصا انه يمكن إحياؤها وتفعليها. حتى ان حركة حماس لا تستطيع انكار أهميتها، فهي تريد الانضمام لها. غير ان الرئيس عباس رفض ذلك، في خشية منه من حدوث انقلاب حمساوي اخر، على شكل سياسي هذه المرة.

من يصوّت؟ وعلى ماذا؟

مع خطاب الرئيس عباس، اليوم الاثنين، يعقد برلمان منظمة التحرير الفلسطينية، أو المجلس الوطني الفلسطيني، اجتماعات متتالية على مدى (4) ايام، في مدينة رام الله. وفي وقت لاحق خلال هذه الاجتماعات، ينتخب المندوبون الحاضرون لجنة تنفيذية جديدة لمنظمة التحرير الفلسطينية، من (18) عضوا، والتي تعتبر اعلى هيئة لاتخاذ القرارات الفلسطينية. مع العلم ان هذه الانتخابات كانت قد أجريت اخر مرة، في جلسة عامة للمجلس الوطني الفلسطيني، في العام 1996، في مدينة غزة. وفي العام 2009، قامت هيئة مصغرة للمجلس الوطني بإدخال (6) جدد، بدلا من أعضاء ماتوا، أو أعضاء مرضوا. اما الأعضاء الحاليون فتتراوح أعمارهم بينم (60) و (90) عاما.

وتبلغ حصة حركة فتح في اللجنة التنفيذية (3) مقاعد. فيما تحصل كل واحدة من الفصائل الصغيرة على مقعد واحد، على ان لا يتجاوز مجموع ما تحصل عليه الفصائل الصغيرة ال (7) مقاعد، ويحصل المستقلون على (8) مقاعد.

ويتم في العادة تحديد، او تدبير، نتيجة التصويت مسبقا، وفق الكاتب، بسبب هيمنة حركة فتح على القرار السياسي، ولأن السلطة الفلسطينية، التي يرأسها عباس، هي الجهة الرئيسة التي تدفع الرواتب لأعضاء منظمة التحرير الفلسطينية. وهذا على الأرجح يعني أن الناخبين سيصوتون على الاسماء التي سيتم تمريرها في قاعة المؤتمرات.

المزيد من التكرار؟

وفقا لمحمد اشتيه، مستشار الرئيس عباس، من المتوقع استبدال ثلثي أعضاء اللجنة التنفيذية الحاليين. ويبدو ان فتح قد حسمت الامر واختارت أعضاءها بالفعل. فوفقا لمسؤولين فلسطينيين، تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم، وفق الكاتب، يدور الحديث عن أعضاء مثل صائب عريقات وعزام الأحمد. على الرغم من ان عريقات عانى من أزمة صحية حادة في العام الماضي، خضع على إثرها لعملية زراعة رئة في الولايات المتحدة. وقال المسؤولون ان رئيس الوزراء رامي الحمد الله، الموالي لعباس، من بين الأسماء التي يتوقع وصولها الى اللجنة التنفيذية، ولكن من خلال حصة المستقلين.

اما حركة حماس، فمن المعروف انها ستكون غائبة. وفي هذا السياق، اتهم العضو البارز في حماس، موسى أبو مرزوق، الرئيس عباس وحركة فتح، بالتدبير "لتفرّد غير مسبوق" في تاريخ المنظمة. كما تجدر الإشارة الى ان ثاني أكبر فصيل في منظمة التحرير الفلسطينية، وهو الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، سيغب عن الاجتماع أيضا، احتجاجا على "ضيق التمثيل".

هل يثير الامر اهتمام الناس؟

من الواضح ان هناك حالة من عدم الاكتراث، وعلى نطاق واسع، في الضفة الغربية، حول الاجتماع الذي دعت اليه وتديره حركة فتح. فالناس يدركون ان القرارات يتم اتخاذها من قبل قادة طاعنون في السن، ومعظمهم من الذكور الذين يتخذون تلك القرارات وراء الأبواب المغلقة. ولهذا، ينظر الفلسطينيون الى الاجتماعات على أنها غير ذات صلة بحياتهم، وأنها الى حد كبير، لا تعنيهم كثيرا. ولهذا، ربما أدرك المنظمون هذه الحقيقة مسبقا، فلم يضعوا ملصقات في الشوارع تعلن عن الحدث.

وتعقيبا على ذلك، قال ياسر عبد ربه، الذي ظل لفترة طويلة شاغلا لموقع " الرجل الثاني" في منظمة التحرير الفلسطينية، قبل تعرضه لتهميش كبير منذ العام 2015، إثر انتقاده للرئيس عباس: "لا يمكن الادعاء بان هذه الاجتماعات ستاتي بعملية تجديد".

وقد حصل عباس على نسبة تأييد بلغت الثلث تقريبا في استطلاعات رأي أجريت مؤخرا، حول ترأسه للجنة تنفيذية جديدة، علما انه بحاجة إلى أغلبية الثلثين لاتخاذ القرارات الحاسمة.

ماذا عن حماس؟

ينعقد المجلس الوطني الفلسطيني في وقت تقوم فيه حماس وقيادتها بتوجيه دفة الاحتجاجات الجماهيرية المندلعة على الحدود بين قطاع غزة وإسرائيل، وتشارك فيها منذ عدة أسابيع. ومن المعروف ان حماس تنظر الى استراتيجية الرئيس عباس، التي طال أمدها، وهي إقامة دولة عبر المحادثات مع إسرائيل، برعاية امريكية، على أنها أحد فصول الفشل الذريع.

وفي هذا السياق، لم يدلي عباس باي تصريح يذكر حيال الاحداث الساخنة في غزة، على الرغم من ارتفاع حصيلة الشهداء ووصولها الى (42) شهيدا، فضلا عن إصابة أكثر من (1600) آخرين بنيران جيش الاحتلال خلال الشهر المنصرم. وبدلا من ذلك، يزداد الضغط المالي من السلطة الفلسطينية على قطاع غزة، في محاولة لحمل حماس على الرضوخ لمطالبه بتسليم السلطة على غزة كاملة، ودفعة واحدة.

هل سيختار عباس خليفة له؟

على الاغلب ان معركة خلافة الرئيس عباس سيتم خوضها داخل حركة فتح، وليس في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية. ولا يوجد، في حقيقة الامر، مسار واضح لخلافة عباس، الذي رفض التخطيط لخطوة مستقبلية هامة من هذا القبيل، على الرغم من انه عانى مؤخرا من مخاطر صحية استدعت بقاء طبيب القلب الى جانبه.
وفي حال استمرار جهود السلام في طريقها المسدود، كما هو الان، من المرجح ان يتقلص دور أي قائد فلسطيني يخلف الرئيس عباس. وفي حال حصل ذلك، من المتوقع ان ينشغل خليفة عباس في تحسين المدارس، أو تنظيف القمامة من شوارع الضفة الغربية، بدلا من التفاوض على شروط قيام الدولة الفلسطينية، وفق الكاتب.

ترجمة: ناصر العيسة، عن: اسوشييتد برس

تصميم وتطوير