بوح مسرحي في يوم المسرح العالمي

27.03.2022 10:56 AM

 

 


بقلم: عادل الترتير

"حان الوقت للانتعاش العميق لعقولنا، لحواسنا، لتخيلاتنا، لتاريخنا، ومستقبلنا. ولا يمكن القيام بهذا العمل من قبل أشخاص معزولين يعملون بمفردهم. يتعيّن علينا القيام بهذا العمل معاً، والمسرح هو الدعوة لنا للقيام بهذا العمل معاً." هذا هو جوهر رسالة اليوم العالمي للمسرح، والذي يصادف في السابع والعشرين من آذار، والتي كتبها هذا العام المخرج المسرحي بيتر سيلرز. يكمل سيلرز رسالته ويقول: "إن مسرح الرؤية الملحمية والغرض الملحمي والتعافي الملحمي والإصلاح الملحمي والرعاية الملحمية يحتاج إلى طقوسٍ جديدة. لسنا بحاجة إلى الترفيه، بل إلى التجمع ومشاركة الفضاء الواحد، نحن بحاجة إلى إنشاء فضاءٍ مشترك ومساحاتٍ محمية للاستماع العميق والمساواة." هذا ما نحتاجه فلسطينياً أيضاً.

فالسابع والعشرين من آذار شكّل لنا دوماً مناسبة للاحتفاء بالمسرح رغم كل الصعاب والتحديات، مناسبة للاستمرار والديمومة رغم كل المعيقات، مناسبة للتجمع وللتذكير بأن المسرح الحقيقي ما هو إلاّ حالة إبداعية اشتباكية مقاومة دائمة، مناسبة للتأكيد على أننا باقون ومستمرون مع أننا لسنا بخير، مناسبة للبوح بحبنا للمسرح، مناسبة للتأكيد على أن المسرح حياة، ومناسبة لطمأنت الجموع بأن لا يخافوا على المسرح الحقيقي؛ فالمسرح المقرون والمجبول بالحب والحياة لا خوف عليه ولا خوف منه.

استهل السابع والعشرين من آذار بمكالمة من مايكل مسيس نستذكر خلالها شهر المسرح الذي نظمناه عام 1973، أذهب بعدها لمسرحي وعالمي الصغير في رام الله القديمة لألقي التحية على شخوص مسرحية مونودراما "راس روس"، أتفقد البوسترات والتذاكر لمسرحيات "لما انجنينا" و "تغريبة سعيد ابن فضل الله"، وأتأكد أن بيضة مسرحية "القبعة والنبي" لم تفقس وبقيت ماثلة كقطعة الديكور شبه الوحيدة للمسرحية، وأطمئن على صناديق العجب وقصصي وحكاياتي، واستلم مكالمة من سامية قزموز نسترجع فيها تكريمنا في اليوم العالمي للمسرح عام 2005، وأحاكي رفيقي مصطفى الكرد ونستذكر تشاركنا للرغيف والمنجل، والتقي بزملاء وزميلات يتمتعون بحس مسرحي مرهف ونبض ابداعي لا يتوقف، ونستذكر يعقوب إسماعيل وأنيس البرغوثي وفرانسوا أبو سالم وعمر سمارة وغيرهم من الزملاء الذين غادروا خشبة المسرح وكواليسها، ونجدد العهد على الاستمرار.

من القدس يمسيّ عليّ أحمد أبو سلعوم ودوماً يقول "والله كنت جاي ع السريع ع رام الله وحبيت أمسي عليك بهذا اليوم"، ولمحض الصدفة (والتي أمست طقساً سنوياً) يكون ذلك اليوم دوماً في السابع والعشرين من آذار. تليه ريم تلحمي، وفادي الغول، ونضال الخطيب، وماجد الماني، وأكرم المالكي، ودرويش أبو الريش، وحسين نخلة، وغيرهم/نّ، لنتشارك جرعة من الشاي وجرعات من العشق المسرحي. نطمئن على المسرح ونسعد به ببساطة وصدق حسام أبو عيشة في "قهوة زعترة". فنحن "نعيش المسرح، نتنفسه، نمشيه، نرقصه، ننامه، ونحلم به" كما شهِدَنا وقصّ علينا زياد خداش في العام 2006 ونعتنا - حباً - بمجانين المسرح الفلسطيني يوم أغلقنا شوارع رام الله احتفاء بيومنا. يوم المسرح برمزيته يذكرنا جميعاً بأن المسرح – أبو الفنون – هو بالأساس مساحة وساحة وفضاء وخشبة للبوح والكشف والتحريض والجدل والاشتباك المبدع.

إلاّ أنّ يوم المسرح هو أيضاً مناسبة نتذكر ونتشارك فيها هموم المسرح والتحديات التي تواجهنا، ونتفاكر بطرق وأساليب لنتغلب عليها ونضمن استمراريتنا. فالتحديات كثيرة والظروف صعبة والإمكانيات المالية محدودة والحريات تتقلص والحالة المسرحية ليست بأبهى صورها. فكل مرحلة وخطوة في الإنتاج المسرحي مليئة بالتحديات، والتي بدورها تجعل من انتاج أي عمل مسرحي حقيقي فعل مقاوم بجوهره. فالمسرح الحقيقي هو عطاء لا منتهي، والإنتاج الرصين لا يقاس بقدر التعقيدات السينوغرافية وبذخ الديكور على خشبة المسرح، ولا يقاس بعدد الممولين على البوسترات والمطبوعات، ولا بقدر "غربيته" لتبرير "عصريته" لمجتمع المانحين.

يوم المسرح هو يوم للتأمل بحالنا وبحالتنا المسرحية، يوم نستلهم فيه من ماضينا وننظر لمستقبلنا ونستمر في بلورة رؤيتنا للمسرح الذي نريد، يوم نجتمع فيه لنشحذ الهمم لبناء مسرح قادر على العطاء والديمومة والاستمرارية، مسرح صادق يعلي الشغف والأمل، يوم نجتمع فيه لنتفاكر برؤيتنا المسرحية الجمعية التقدمية المناهضة لكل أشكال القمع والاضطهاد، يوم نجتمع فيه لنؤسس أو على الأقل لنحلم بمسرح يتسع لنا جميعاً، وبجسم مسرحي يمثلنا ويعنون همومنا ويلبي تطلعاتنا وطموحاتنا، وبحركة مسرحية حقيقة نقية صادقة إنسانية تترابط عضويا مع الفنان الإنسان، ومع نهج المسرح كحياة، ومع الإبداع العابر للحدود والذي يقاوم كل أشكال الاضطهاد ويسير في نهج الانعتاق.

في يومنا العالمي للمسرح، لتكن هذه صرخة نابعة من القلب وبوح من عمق التجربة المسرحية، ونبلها: لنحتفي بكل حبة عرق نتصببها في سبيل المسرح الحقيقي الذي نريد، ولنعايد بعضنا بعضاً بكل نفس نتنسفه من أجل المسرح الذي نعشق، ولنردد دوماً وأبداً "يا مسرحيي العالم، اتحدوا".

........

* عادل الترتير، مسرحي وحكواتي وصاحب صندوق العجب، مسرح صندوق العجب، رام الله، فلسطين المحتلة

تصميم وتطوير