زكريا في عيون رفاقه
وطن: في عام 1980 تساءل الشاعر اليساري المقاوم زكريا محمد قائلا: "مكاني الذي كدت أعتاده وحصاني الذي كنت أقتاده وصديقي الذي تنفست من رئتيه كيف ضيعتهم؟" لكن وبعد قرابة الشهرين من الانسحاب المباغت عن الحياة جسدا، يجيبه رفاق الدرب.. الأصدقاء والمحبون والعائلة، وهم مجتمعون في ذكرى مرور شهرين على رحيله في مركز خليل السكاكيني في مدينة رام الله: لم تضيّع أحدا لأن ذكراك وفيض معرفتك وكلماتك باقية للأبد.
حكمت هندية رفيقة الراحل قالت لوطن: غيابه مؤلم جدا ولكنه ترك أثرا حيا لدينا جميعا عبر كتاباته الإبداعية التي ستبقى حاضرة أمامنا للأبد، وعن صفاته تابعت: شخص غير عادي.. أستيقظ كل صباح على كتاباته، متسائلة: من يكتب بعد زكريا؟
وحول الجانب الإنساني من حياة زكريا، وصفته مها التميمي بانه الأخ والصديق الذي تجده دون أن تناديه وهو مزيج من الأشياء الجميلة والنبيلة والحساسة التي يصعب وجودها، مؤكدة أن وفاته خسارة للجميع.
أما صديق الطفولة سعد عبد الهادي، أوضح أن أول لقاء مع زكريا كان عام 1978 فقد تشكلت الصداقة من حب الشعر المتبادل، مردفا أن الدواوين الشعرية لزكريا شكلت قفزة إبداعية في الشعر الفلسطيني والعربي، وخصوصا آخر 3 دواوين شعرية وهي كشتبان وزراوند وتمرة الغراب.
وتابع: زكريا أبدع بأكثر من مجال وخصوصا في الشعر والنثر والميثولوجيا والتاريخ حيث أنه تميز بشدة بهم وعمل إضافات فعلية، حتى وصف شعره الشاعر عباس بيضون بأن "شعره لغة ما فوق اللغة".
آمن زكريا بالكفاح المسلح لتحرير كل شبر من فلسطين، وخلال مسيرة حياته التي امتدت منذ عام 1950 ولغاية الفين وثلاثة وعشرين، له عدة كتب ومجلدات في الشعر والرواية والميثولوجيا وأدب الأطفال، من نخلة طيء التي كشف فيها لغز الفلسطينيين القدماء، الى عبادة إيزيس وأوزيريس في الجاهلية، مروا بضربة شمس وأحجار البهت، وانتهاءا بتمرة الغراب وغيرها الكثير، ثبّت زكريا حضوره الأزلي في تاريخ وحاضر الثقافة والشعر والأدب الفلسطيني المقاوم.
أخفى زكريا حالته الصحية عن محبيه ومتابعيه، فبدأت نصوصه الأخيرة تتخذ طابعا من الحزن والمرارة، خصوصا بعد اعتقاله أكثر من مرة من قبل أجهزة الأمن الفلسطينية.
وقال رفيق الراحل عمر عساف لوطن: زكريا مارس قناعاته دون تردد، رجل ميداني، كان زاهدا ومتقشفا ووطنيا بامتياز، مردفا: أستذكر موقفين مؤخرا مع زكريا، الأول حينما حضرت أجهزة الأمن لاعتقاله مؤخرا وتصدى لهم بكل جرأة وحزم، والموقف الثاني حينما أخبرني بأنه سيكتب عن السلطة وتضييقها على الحيز العام والحريات العامة.
من جهته، قال شقيق توفيق أبو عيد شقيق زكريا إن الراحل درس الأدب العربي في "جامعة بغداد"، وبعد تخرّجه منها انتقل إلى عمّان التي نشر فيها العديد من نصوصه الأولى، ومنها إلى بيروت حيث انخرط في "منظمة التحرير الفلسطينية"، وعمل في بيروت وعمّان ودمشق ومن ثم عاد الى أرض الوطن وتولى منصب نائب رئيس تحرير مجلة «الكرمل» التي ترأسها الشاعر محمود درويش. وعمل صحفيا ومحررا ومدربا على الكتابة الإبداعية، ونال جائزة محمود درويش للثقافة والإبداع عام 2020 في دورتها الحادية عشرة.
وُلد زكريا في قرية الزاوية (جنوب غرب نابلس)، ورحل في رام الله يوم الأربعاء الموافق 02 أغسطس 2023 عن عمر ناهز 73 عاماً، وهو الذي كان قد كتب في الموت قائلا: الموت قبيلة كبيرة، خيلها كثيرة ترعى في السهب، والمطر يتساقط على أعرافها، أما الحياة فقبيلة فقيرة: قبضة تمر، وقبضة ريح.