حامل البندقية يعود إلى عارة

05.01.2023 04:55 PM

 

وطن: "لحظات لا توصف، وأحاسيسي تكلست، لدرجة أني (مش حاسس شو حاسس)، مش قادر أعبر عن إحساسي، وهذه أول مرة بشوف الفضاء، وبشوف فيها الدنيا متغيرة، خرجت لعالم يختلف عن عالمي الذي تركته، وإن شاء الله بمساعدة كل الحولي بقدر أنخرط وأعيش حياتي"، بهذه الكلمات المرتجفة والذهن الهارب من خلف القضبان بعد 40 عاما من الظلام، يتحدث عميد الأسرى كريم يونس، وهو يحاول استنشاق الهواء لأول مرة خارج جدران السجن.

كريم الذي فقد والديه بل فقد كل شيء، وبقي متمسكا بالوطن والكرامة والمبدأ الذي حاد عنه الكثيرون، سار فجر اليوم لأول مرة على "الأسفلت" منذ اعتقاله وهو شاب يافع.

خرج كريم وقد تغير كل ما حوله، ففي لحظات الاستقبال يتسابق الفتية والشبان على احتضانه وتقبيل رأسه، دون أن يعرف منهم أحدا، لكنهم في الحقيقة أبناء وأحفاد أشقائه وشقيقاته الذي لم يعرفهم سوى بالاسم.

أبرز تصريحاته بعد التحرر

حتى في كلماته وتصريحاته بعد تحرره يعلمنا كيف الفداء والتضحية والصبر، والاستعداد لتقديم المزيد من حريته لأجل الوطن.

وقال كريم في أول تصريحاته الصحفية بعد تحرره، "كان لدي استعداد أن أقدم 40 عاماً أخرى من عمري فداء لشعبي، وكل الأسرى كان لديهم، القوة والعطاء بأن يقدموا 40 و50 عاماً من أجل حرية شعبهم".

وعن فقده والدته قبل اشهر من تحرره، قال كريم "أمي مثل باقي أمهات الأسرى وهي سفيرة الأسرى دائماً، أمي التي حمّلتها فوق طاقتها وهي حملتني في كل لحظة في عيونها، وفي دموعها، وفي وجدانها طيلة 40 عاماً، ولكن اختارت أن تراني من السماء، إن شاء الله أن أكون عند حسن ظنها".

وحول رسائل الأسرى، قال إن "رسائل الأسرى كثيرة ولكن رسالة الأسرى الأخيرة رسالة حب وعرفان لشعبنا العظيم في كل أماكن تواجده، شعبنا الذي يستحق تعظيم سلام في الضفة، وفي القطاع، وفي الشتات، وفي الداخل، والقدس بالأساس، ورسالة الأسرى الثّانية دعوة للوحدة، لإدراك الأسرى بأنه لن تكون لنا قائمة إلا بالوحدة الوطنية، وهي قانون الانتصار، والفرقة والتشرذم هي قانون الاندثار". مضيفا: "الأسرى يحملون الكثير من الأسئلة والتساؤلات، وأنا تركت خلفي، وقلبي مع هؤلاء الذين بقوا بالسجن، ويحملون جثثهم على أكتافهم، ويمشون والموت يمشي معهم".

حول اعتقله

في السادس من يناير/كانون الثاني 1983، اعتقلت قوات الاحتلال كريم يونس من مقاعد الدراسة في جامعة بن غوريون، وهو في الـ23 من عمره حينذاك، وقد اقتحمت منزل عائلته في قرية عارة للبحث عنه قبل ليلة من اعتقاله.

لم يعرف أهله في البداية مكان اعتقاله، وبحثوا عنه لأشهر في سجون الاحتلال، إلى أن استطاع المحامي العثور عليه في سجن عسقلان، وقد تنقل كريم يونس في كافة سجون الاحتلال.

وجه له الاحتلال عدة تهم، أبرزها الانتماء إلى حركة فتح، والانخراط في المقاومة المسلحة، وقتل جندي احتلالي، وحكم عليه بالإعدام شنقا، ثم خفف الحكم إلى المؤبد المفتوح، وفي عام 2015 حددت سلطات الاحتلال المؤبد بالسجن 40 سنة.

كوكبة تنتظر الحرية

لقد ترك كريم خلفه آلاف القصص والآهات، وآلاف الأسرى الذين يعيشون ظلم السجان وظلام السجن، ترك خلفه عمداء جدد من الأسرى يسطرون بطولات جديدة ويحفرون أسمائهم على جدران الزنازين لتقول لمن بعدهم أن أبطالا ممن حملوا البندقية في يد والصبر في يد أخرى كانوا هنا، أمثال نائل البرغوثي وكريم يونس وماهر يونس ومحمد الطوس وإبراهيم أبو مخ ووليد دقة وإبراهيم بيادسة وغيرهم الكثير.

تصميم وتطوير