"أوصى بعدم وضعه في ثلاجة الموتى"

الفتى عودة محمد .. بحث عن اسئلة الشهادة والمواجهة، فكان دمه الجواب

03.06.2022 07:30 PM

رام الله - وطن: كانت الشهادة ترافقه كظله، قدره الذي اختارته، فتاها الأسمر النحيل، الذي يستحقها، وكان يشعر بها، ودوما يسأل عنها والدته، الى ان حظي بها.

عودة محمد ذلك الفتى الأسمر، الذي ارتقى برصاصة قناص إسرائيلي، مزق صدره بينما كان يمتلأ في هواء المدية، التي أراد لها ان تسير على درب المقاومة والنضال.

في كل مساء كانت والدته تنتظر نجلها البكر على مدخل المنزل، وإذا ما تأخر تقلق عليه، اليوم وقفت على مدخل المنزل قبل المساء لتودعه للمرة الأخيرة، فهي لن تراه بعد اليوم.

قبل أيام قال عودة لوالدته أنه سيذهب الى رام الله مع أبناء خالاته ليشتري ملابس جديدة، وحين عاد بها ذهب إليها فرحا ليريها إياه، وبعد ذلك علقها في خزانته ولم يرتديها، وكأنها التذكار الأخير منه لوالدته.

كان الاحتلال يجثم على صدره كما يجثم على أراضي قريته، لكنه كان يعرف الطريق لمواجهته، تقول والدته " كان دائماً يسأل عن الشهادة وعن عدم مواجهة الاحتلال في قريته، كان يسألني لماذا لا نقاتل ونواجه الاحتلال في القرية، كما تفعل البلاد الأخرى التي يقاتل بها الكبير قبل الصغير".

تضيف والدته لوطن " كان يقول لي انه يريد الذهاب الى المواجهات في نعلين، واي مواجهات ستحدث لو كانت الثانية فجرا سيذهب اليها، وازاء اصراره طلبت منه بأن لا يذهب وحده  ووعدته بأن أذهب معه يداً بيد ولا أتركه وحيداً ..صارخة بألم "راح لحاله وتركني".

رغم عمره الصغير الذي لم يتجاوز 17 عاما، كان عودة الأخ الحنون المحب الشقي الذي يمازح شقيقته التي تصغره ويداعب الأطفال ويمازحهم، الطّيب الذي يبادر الى الصلح أولاً في كل خصام.

تقول شقيقته " دوما كان يمازحني بإغلاقه لعين الباب السحرية حينما يطرقه كي لا اره، وامازحه بإغلاق الباب في وجهه"، واليوم تتمنى أن يقرع جرس الباس ليظهر من تلك الفتح عوده.

تضيف "مساء أمس مازحني بإغلاق عين الباب، وقال لي من اليوم وطالع لما تشوفي العين مغطية اعرفي إني أنا عودة وافتحيه ع طول" ثم قالت بتنهيدة والدمع يملأ اعينها "عندما تُغطى العين سأقول عودة أجى يعني"؟

وشيع مئات المواطنين ظهر اليوم الجمعة، جثمان الشهيد الفتى عودة محمد "صدقة" (17 عاما)، في قرية المدية غرب رام الله، والذي ارتقى شهيدا مساء أمس الخميس، بعد إصابته برصاصة في الصدر قرب جدار الفصل العنصري.

وانطلق موكب التشييع من مجمع فلسطين الطبي وجاب شوارع مدينة رام الله، مروراً ببلدة نعلين، التي استقبلته عريساً محمولاً على الأكتاف، وجاب شوارع البلدة.

ونصبت قوات الاحتلال حواجز عسكرية على مداخل قرى غرب رام الله، ومنها بلدة نعلين، لإعاقة وصول جنازة الشهيد إلى قرية المدية، في حين قامت قوات الاحتلال بالاعتداء على الجثمان محاولة منعه من الدخول لقريته، لكن المشيعين استطاعوا نقله إلى قريته، وهم يهتفون "عودة ما مات عودة شمعة مضوية، ضحى بدمه لأجل القدس العربية".

من جانبه قال أمين سر حركة فتح محمد يوسف لوطن، ان الاحتلال الإسرائيلي واهم بأنه إذا "قتل أبناءنا وهدم بيوتنا واعتقل شبابنا وأطفالنا قد يدخل الرعب في نفوس أبناءنا، لأن شعبنا الفلسطيني لن يركع ولن يستسلم حتى تحرير فلسطين."

بدوره قال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير رمزي رباح لوطن، ان "الاحتلال الإسرائيلي يرتكب جرائم بشعة ضد الفتيان، فقد اغتال يوم أمس الشهيد عودة صدقة الذي لم يبلغ 17 عاماً، وهذا الاغتيال هو محاولة مزدوجة لزرع الرعب والترهيب في نفوس الشباب لعدم الخروج إلى نقاط التماس ومواجهة الاحتلال".

وأضاف " ان رد الفعل الذي نراه اليوم من خلال احتشاد المئات من الشباب، الذين يهتفون للمقاومة وحمل البندقية ضد الاحتلال، والانتقام للشهداء، من أجل تحرير القدس ورفع علم فلسطين."

وفي كلمته قال والد الشهيد عودة " في سبيل فلسطين نفتدي دماء أبناءنا، حتى تتحرر فلسطين ونصلي في القدس".

وقال أحد أقارب الشهيد ، أحمد صدقة لوطن، كان "طموح عودة أن يعيش ويكبر يؤمن مستقبله ووصفه بأنه من زينة أبناء البلد، وكان يحب الحياة كثيراً."

في ذات السياق قال عم الشهيد " أن عودة كان دائماً يشعر بأنه سيكون يوما ما شهيد، ويتمنى الشهادة دوماً" وأضاف "أن أحلام عودة كانت لا تعد ولا تحصى، لكنه لم يستطع تحقيقها".

وتابع "قبل وفاته أوصى عودة بعدم وضعه في ثلاجة الموتى".

تصميم وتطوير