الذهب الأحمر في غزة: قصة تحدٍ وصمود رغم الخسائر!

04.02.2020 11:29 AM

غزة – وطن- صباح حمادة

مع نفحاتِ نسيم الصباح الباكر، وانبعاث خيوط الشمس الذهبية معلنًة بدء نهار جديد، يخرج المزراع الفلسطيني يوميًا باتجاه أرضه الزراعية، لينسج بصموده حكاية إرادة وتحدِ في وجه المحتل.
وبرغم كل المعوقات والاعتداءات التي يواجهها المزارعون العزّل، إلا أنهم مستمرون في زراعة وفلاحة أراضيهم، لتوفير لقمة العيش لهم ولأبنائهم، وحياة كريمة في ظل الحصار المفروض على قطاع غزة منذ ثلاثة عشر عاماً.

توارث المهن

"نشأت في بيئة زراعية، فوالدي امتهن الزراعة بعد جدي، وهكذا انتقل إلينا حُب الأرض والعناية بها جيلاً بعد جيل". بهذه الكلمات وصف المزارع الفلسطيني يوسف أبو ربيع من سكان بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، علاقته بمهنة الزراعة.

المزراع العشريني أبو ربيع، توازي سنوات خبرته في مجال الزراعة سنوات عمره. فهو منذ الصغر يُرافق والده للاهتمام بمحصول الفراولة على وجه الخصوص وبما تنتجه أرضهم الزراعية عموماً، وهي بقعة تقع على بعد كيلومتر ونصف على الجانب الإسرائيلي.

يوميات المزارع الفلسطيني مصطفى الشافعي (30عامًا (تتشارك في الكثير من تفاصيلها مع قصة أبي ربيع، مصطفى متزوج وأب لأربعة أبناء، يقول إنه ورث مهنة الزراعة عن أجداده وإنه يعمل بها منذ 15 عاماً، موضحاً أن المحصول يُزرع مرة واحدة خلال العام، وأن منطقة بيت لاهيا شمال قطاع غزة تنفرد بزراعته.

ويشير أبو ربيع ومصطفى إلى أن موسم زراعة الفراولة بنوعيها، الأرضية والمعلقة، يبدأ مع بداية شهر سبتمبر، وأن المحصول يؤتي ثماره مع بداية شهر نوفمبر.

وقد امتهنت عائلات محددة في قطاع غزة زراعة محصول الفراولة ورعايته، وهو المنتج المحلي الوطني الملقب بــ "الذهب الأحمر"، الذي يطالب زارعوه الجهات المختصة بالمزيد من الرعاية والاهتمام، خصوصًا لجهة التصدير إلى الأسواق العالمية.

وتبلغ مساحة قطاع غزة 365 كم مربع، وتشكل نسبة الأراضي المزروعة 20.6% من المساحة الكلية للقطاع، تغلب فيها زراعة الحمضيات والخضراوات والفواكه، وتمتد الأراضي الزراعية في قطاع غزة على طول شريط الحدود شمال وشرق القطاع مع الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وتختلف وجهات المزارعين الفلسطينيين باختيار تخصصاتهم في زراعة المحاصيل، بحسب خبراتهم المتوارثة، ويتشاركون التمسك بحرفتهم وبتوريث هذه المهنة لأبنائهم برغم المخاطر التي تعترضهم.


تحديات ومعوقات

تتعمد قوات الاحتلال بشكلٍ شبه يومي إطلاق نيران أسلحتها صوب المزارعين وكل من يحاول الاقتراب مما يسمى "المنطقة العازلة" التي فرضتها على طول الحدود مع القطاع.

يؤكد المزارع يوسف أبو ربيع أن أكثر المعوقات التي يواجهها المزارعون وتؤثر عليهم بشكلٍ مباشر، تتمثل بمنعهم من الوصول إلى أراضيهم الزراعية خلال فترات التصعيد التي تعيشها غزة بين حين وآخر، موضحاً أنهم يتكبدون خسائر فادحة في كل مرة يُمنعون فيها من ذلك.

ويقول المزراع مصطفى الشافعي إن "أبرز التحديات التي تواجه أبناء المهنة يتمثل بالحصار المفروض على غزة، وبمنعهم من تصدير منتجاتهم إلى أسواق الضفة الغربية المحتلة والأسواق العالمية، خصوصًا منتج "الفراولة" الذي لا يعوض تصريفه في السوق المحلية تكاليف زراعته."

من جانبه، يشير المزارع العشريني عبد الله التلباني إلى الدور الذي تلعبه قوات الاحتلال في إتلاف محاصيل المزارعين الفلسطينيين قبل موعد حصادها، خصوصًا القمح، وذلك بتعمدها رش مبيدات عبر طائراتها فوق أراضي غزة الزراعية، بالتزامن مع تعمدها منع دخول مبيدات حشرية مضادة لتلك التي تستخدمها.

ويوضح التلباني أن الأراضي الزراعية على الحدود الشرقية للمحافظة الوسطى تعاني من ارتفاع نسبة ملوحة المياه، مما يؤثر على المحاصيل الزراعية ويضاعف من تكاليف الزراعة.

إطلاق النيران صوب المزارعين ومنازلهم، وعرقلة وصولهم إلى أراضيهم الزراعية ليس كل ما يتعرض له المزارعون الفلسطينيون، فالتوغلات المستمرة على طول الحدود، والتي تعمد إلى تجريف مساحات واسعة من الأراضي في طريقها، تفسد مواسمهم الزراعية أيضًا.

ووفق مؤسسة "بتسيلم"، مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، فمنذ انتهاء عدوان صيف 2014، تسمح قوات الاحتلال للمزارعين الفلسطينيين بفلاحة أراضيهم وصولاً إلى مسافة تبعد حتى مئة متر عن الحدود. إزاء ذلك، ولأجل الحفاظ على "الحزام الأمنيّ"، يقوم الجيش الإسرائيلي برشّ المنطقة المحاذية للحدود التي لا يسمح بزراعتها مرّتين سنويًّا، المرّة الأولى بين شهرَي كانون الأول وكانون الثاني، والثانية في شهر نيسان.

وحيث أنّ الأراضي الزراعية التي يسمح الجيش بفلاحتها تحاذي منطقة الحزام الأمني التي يقوم برشّها، فإنّ أضرارًا كبيرة تصيب المحاصيل.

وتحظر المادة (147) من القانون الدولي الإنساني على قوات الاحتلال القيام بأعمال "تدمير الممتلكات على نحو لا تبرره ضرورات حربية …؛ باعتبارها مخالفات جسيمة للاتفاقية".

مزارعون عزّل

ترافق الوفود الأجنبية المزارعين الفلسطينيين في بعض الفترات خلال تواجدها في قطاع غزة، لتوفير الحماية والأمان لهم، إلا أن تأثيرها في هذه الناحية محدود، وما زال كثير من الفلسطينيين يذكرون في هذا السياق حادثة قتل الناشطة الأمريكية راشيل كوري عام 2003 أثناء محاولتها منع تقدم جرافة إسرائيلية بالقرب من مدينة رفح.

ويطالب المزارع يوسف أبو ربيع وزملاؤه مصطفى الشافعي وعبد الله التلباني المؤسسات الدولية والجهات المختصة كوزارة الزراعة الفلسطينية بتوفير الدعم والحماية لهم، وبحل مشكلة المزارعين في المناطق الحدودية لقطاع غزة، بوصفهم مزارعين عزّل يؤمنون قوتهم من خلال الزراعة.

حق مشروع

ويؤكد مدير الضغط والمناصرة في "اتحاد لجان العمل الزراعي" سعد زيارة، أن القطاع الزراعي يلعب دوراً رئيسياً في تكوين الناتج المحلي الفلسطيني، مشيراً إلى مساهمته في توفير الغذاء للفلسطينيين وفي استيعاب جزء كبير من العاملين منهم، ويوضح أن معاناة المزارع الفلسطيني في قطاع غزة مستمرة منذ سنوات طويلة، إلا أنها اشتدت خلال الأعوام القليلة الماضية مع تردي الوضع الاقتصادي في غزة بسبب انخفاض نسبة رواتب الموظفين وارتفاع معدلات البطالة.

ويشير زيارة أيضاً إلى محدودية الكميات المصدرة إلى الخارج، وإلى ضعف العائد المالي الناجم عن الاستهلاك في السوق المحلية، كما يوضح أن المزارعين عزفوا عن زراعة بعض المحاصيل خلال السنوات الماضية بسبب ارتفاع نسبة ملوحة المياه ونقص مياه الخزان الجوفي، خصوصاً في المناطق الزراعية للمحافظة الوسطى والجنوبية.

ويقول زيارة إن إجمالي اعتداءات قوات الاحتلال بحق المزارعين خلال عام 2019 بلغ 400 اعتداء، وأنها أدت إلى مقتل المزراع الفلسطيني محمد عطا عبد المولى أبو جامع (59 عاماً) برصاصة في الظهر أثناء عمله في أرضه القريبة من الشريط الحدودي شرق محافظة خانيونس.

ولا تبدو الزراعة بالنسبة للمزارع الفلسطيني مصدر رزق فحسب، بل هي مثالٌ حي لتمسكه بهويته وعلاقته بأراضه برغم ما يتعرض له من اعتداءات من قبل قوات الاحتلال، وبرغم تأثير هذه الاعتداءات على مصدر دخله، وهي كذلك قصة تحدٍّ وصمود وإرادة حياة.


تم إنجاز هذه المادة في إطار برنامج التدريب الذي ينظمه مكتب العلاقات الخارجية في "الجامعة الأمريكية في بيروت" بالتعاون مع "مؤسسة دعم الإعلام الدولي.

تصميم وتطوير