"ضحايا الشمس": قاتل بلا عقاب.. وضحايا تهمة الشرف في ازدياد

16.06.2015 04:21 PM

رام الله - وطن للانياء - فارس المالكي ورولا حسنين: بكل جرأة وبلا تردد أو خوف قد يعتري الكاميرا، أو المحققة جمان قنيص، ولا حتى المخرج مراد نصار، ومن رحم الإصرار خرج فيلم "ضحايا الشمس" ليظهر ظلماً تتعرض له النساء لا يكاد ينتهي أبداً.

"ضحايا الشمس" اسم يتناسب مع القضية التي يعرضها، وهي قتل النساء على ما يسمى خلفية الشرف، حيث تُقتل النساء في وضح النهار وتحت ضوء الشمس بصورة مظلمة، ليكون للشمس ضحايا تأخذ أشعتها إلى ظلام دامس، يُطبق على بيوت الضحايا، هذا الفيلم يختلف كثيراً عن الأفلام التي توصلنا في نهايتها الى قصة تجعلنا نضحك من الأعماق، بل أوصلنا الى البكاء على أبشع ما قد تتعرض له النساء وهو القتل.

استعرض الفيلم قصة سها الديك، أم لخمسة أطفال، اتهمها زوجها بالخيانة، وهددها بقتل إحدى أطفالها أمام أعينها، فما كان منها إلا أن تقدم نفسها للقتل بدل ابنها، ليتمثل الإجرام في الزوج لأن يقتل زوجته أمام اثنين من أطفالها الذين لا يعلمون معاني الحجة الجاهزة لجريمة القتل وهي "الشرف"، كل ما يعلمونه هو تفاصيل قتل امهم على يد أبيهم، بل تكاد هذه التفاصيل أن ترسخ في ذاكرتهم لبشاعتها، كيف لا والزوج يقتل زوجته ثلاث طعنات في الظهر ويجرّها إلى الحمام ليسيل دمها في المصرف، وكأنه خلط دمها بالمياه العادمة، ليشعر حينها بلذة انتصار رجولته على زوجته البريئة.

مشهد القتل لا يغيب عن ناظر ابنها، ولا حتى عن حلمه في النوم، بل أضحى يشاهد أمه تحتضنه، وتوصيه على أخوته من بعدها، لأنها تعلم أنها تركتهم لدى قاتل لم يراعِ زوجته من القتل، فكيف سيراعي ابناءه حيناً.

رفض القاتل إجراء مقابلة، والحديث عما دفعة للإقدام على فعلته الشنعاء، مكتفياً بالقول إن "الشرف" دفعه للقتل، وكأن "الشرف" محصور في أمر الفتاة، دون أن يشمل استهجان فكرة قتل أم أمام أبنائها بكل عنجهية!.

اختلف المشهد والقاتل، ولم تختلف دواعي القتل أو حجته، فـ "ثمر زيدان" فتاة قُتلت على يد أبيها، نتيجة ضغوط عائلية أجبرته على فعل فعلته هذه، يتحدث والد الفتاة عن قوته التي تمكن من خلالها قتل ابنته بعد خمسة دقائق من خنقها، يعلم أنه أمام الله قاتل، ولكنه أمام الناس أضحى يسمى "غاسلاً للعار" ينال احترامهم على فعلته.

الوالد"منذر زيدان" يعلم أن ابنته بريئة من أي تهمة قد تُحال لها، فأمرها جاء نتيجة شاب تقدم لخطبتها أكثر من مرة، إلا أن العائلة رفضته كونه فقير الحال لا يستطيع إعالة ابنتهم، فأقدم الشاب على دخول بيت منذر، إلا أن الأب وأبنائه أخرجوه وأحضروا له الشرطة، فما كان من الناس إلا أن تتهم الفتاة بأنها على علاقة بالشاب، فاضطر الرجل لقتل ابنته بعد أن عايره الناس بأمرٍ ابنته منه براء.

يتحدث منذر عن أنه يعلم تمام العلم أن القانون لا يجرّم القتل على خلفية الشرف، فأقدم على قتل ابنته ليتخلص من كلام الناس فقط، ولو يعلم أن القتل إدانته إعدام أو سجن لسنوات طوال لما قتل ابنته، إذن القتل لديه مستصاغاً لأن القانون استصاغ القتل أيضاً!.

"القاتل في مقتبل العمر، أو إسقاط حق الأهل، أو قانون الدعاوى المخففة" كل هذه الحجج تبيح للقاتل إجرامه دون عقوبة، فأين القضاء العادل من نساء قُتلن بتهمة الشرف وهنّ عذارى!؟.

النساء الناجيات من القتل قلّة، فإحداهن تتحدث عن الموت الذي لاقاها عدة مرات، إلا أنها استطاعت الهروب من أهلها الذين قرروا قتلها بعد أن تزوجت شاباً رفض أهلها تزويجها منه، هربت من بيت أهلها وتزوجت الشاب وأضحت حاملاً بطفل، إلى أن اكتشف أهلها مكان سكناها فأحضروها وبدأوا يعذبونها بصعقات كهربائية لتسقط جنينها، إلا أنها استطاعت الهروب منهم الى مركز محور بيت ساحور الذي آواها وأنجبت طفلتها فيه.

الناجية من القتل ليست نادمة على ما فعلت، لأن جبروت أهلها كان سبباً كافياً لهروبها مع شاب تقدم لخطبتها خمسة مرات، ولكن إصرار العائلة قادهم لعدم الموافقة عليه قطعاً، تتحدث عن ليلها الذي يطول بلا نوم، فتستحضر مشاهد العذاب الذي لاقته على يد أهلها، وتتصور مشهد عودتها اليهم،  إلا أنها سرعان ما تبدد عن ناظرها هذا المشهد لأنها لا تأمن قتلهم لها ولطفلتها.

التقطت كاميرا المصور "أمير أحمرو" ناجية أخرى من القتل، إلا أن هذه المرة اختلف المكان، فالناجية من غزة تعيش حالياً في مركز محور نابلس للإيواء، والمجرم "الأب" لم يقتل ابنته بل اغتصبها مرتين، فتتحدث الناجية بكل حرقة وهي تصف كيف اغتصبها والدها في المرة الأولى على شاطئ بحر غزة، والثانية في بيت جدها، حيث كان يقنعها أنها ليست ابنته بل حبيبته وزوجته، تصف والدها بالوحش الذي كان ينقض عليها، حتى حملت منه بجنين لم تستطع حمله أو إرضاعه بعد الولادة، فكيف لها أن تراه ابنها ووالدها هو والده!.

التهمة جاهزة "الشرف"، والقاضي جاهز للبت بحكم جاهز "السجن أشهر معدودة"، ولكن الضحية وإن كانت من النساء إلا أنها تختلف شكلاً واسماً فقط.

يستعرض الفيلم قضية قتل النساء بتهمة الشرف والتي تضاعفت خلال الأعوام الـ 10 الأخيرة، لـثلاثة أضعاف، فأين المراكز النسوية التي تدعي مراعاتها للنساء وقضاياهن، وعلى ماذا كانت تُعقد مؤتمراتها، أم أن المراكز النسوية أصبحت تكتفي بالاستنكار كما كل السياسيين والقانونيين؟!.

أهو الندم أم القانون أم الدين أم الإنسانية، ما الشيء الذي قد يردع القاتل عن فعلته؟ وأيدي غاسلي العار أسرع من أيدي السياسيين في تغيير القانون الذي يخدم القاتل لا الضحية، وهل ستنتظر النساء اللواتي حضرن الفيلم أكثر من الرجال، قانوناً حانياً عليهن، وهنّ يعلمن أنهن قد يكن يوماً ما ضحية هذه القضية "الشرف" وضحية القانون المفرط في ظلم النساء ولا يفرط مرة واحدة في تعديل نفسه.

تصميم وتطوير