تحقيق استقصائي لوطن وأمان: غياب تأمين صحي شامل.. حرمان الكثير من النساء من حقوقهن الصحية
رام الله - وطن - تحقيق أنصار اطميزه: لم تُخفِ المواطنة ضحى محمد مخاوفها إزاء نقص أي خدمة صحية قد تحتاجها في الأيام القادمة، حيث ستضع مولودها في مستشفى رام الله الحكومي بعد أن واجهت مشاكل في توافر الدواء الخاص بارتفاع ضغط الدم الذي تعاني منه، ونقص آخر في الفحوصات الطبية التي كانت تحتاجها خلال فترة حملها.
وتقول ضحى "واجهت مشكلة في مواعيد عيادة الطبيبة النسائية في أيام يكون فيها المختبر الطبي مغلق"، مردفة: "أي فحوصات أحتاجها مضطرة لارتياد المختبر في يوم آخر، لذلك أضطر في العادة لإجراء الفحوصات على حسابي الخاص في مختبر خاص، رغم أنني أحمل بطاقة التأمين الحكومي سارية المفعول".
وأكدت ضحى أن نقص الخدمة الصحية في ظل وجود التأمين هو انتهاك صحي تتعرض له بشكل متكرر.
يشار الى أنه نظراً لخصوصية الدور الإنجابي للنساء، ودور المؤسسات والمراكز الصحية الحكومية في رعاية النساء الحوامل والأطفال والمسنين والأشخاص ذوي الإعاقة، فإن أي انتهاك لحقوق هذه الفئات أو تعرضها لأي شكل من الاستغلال أو الابتزاز أو تعرضها لانتهاكات ناجمة عن الإهمال وسوء الإدارة، فإن ذلك يفاقم من معاناتهم الاقتصادية والصحية والاجتماعية بشكل يفوق معاناة الرجال وفقا للكثير من المختصين.
لكن الانتهاكات لا تقتصر على ضحى فقد تابعت معدة التحقيق 20 سيدة أخرى حول المشاكل التي واجهنها في الخدمة الصحية المقدمة لهن عبر التأمين الصحي الحكومي، وتراوحت هذه المشاكل ما بين نقص أو عدم توافر الأدوية والفحوصات الطبية اللازمة لهن واضطراراهن لشراء الخدمة الصحية بتكلفة عالية من المراكز الخاصة، كما أشرن إلى تلقيهن خدمة صحية بجودة منخفضة نتيجة اكتظاظ المرضى في العيادات الصحية وفي أقسام المستشفيات، بينما حُرمت بعضهن من التأمين الصحي الذي توفره وزارة التنمية الاجتماعية لهن ولعائلتهن بعد علمهم أنها عاملة في القطاع الخاص دون النظر إلى قيمة دخلها المتدني "أقل من 2000 شيكل".
إضافة إلى ذلك فقد لجأت إحداهن للواسطة حتى تتمتع بخدمة صحية جيدة وفي وقتها المناسب، حيث تقول "جميلة" –اسم مستعار- أنها تعرضت لألم حاد في المرارة في العام 2022 وتوجهت لإحدى المستشفيات الحكومية بالخليل، وأُعطيت موعداً لعملية جراحية في بداية العام 2023، معتبرة أنها بحاجة لإجراء العملية بوقت أقرب، لذا لجأت لـ"الواسطة" عبر طبيب من العائلة، ليتم تحديد موعد عمليتها الجراحية بعد 10 أيام فقط بعد معاينتها، متسائلة: "اذا كان من الممكن اجراء العملية بعد 10 أيام لماذا تم تأخيري لأشهر طويلة."
ويشير الملحق رقم (١) من قرار مجلس الوزراء رقم (113) لسنة 2004 بنظام التأمين الصحي الحكومي أن سلة الخدمات الصحية الحكومية تشتمل على خدمات الرعاية الأولية في مراكز الأمومة والطفولة بما يشمل تقديم خدمة صحية للنساء الحوامل بشكل شبه مجاني إلا ان المشكلة تكمن في أن هناك نساء أخريات غير مشمولات بالتأمين الصحي وهذا يعني أنهن محرومات ضمن هذا القانون من التمتع بخدمات صحية حكومية شبه مجانية.
وفي هذا السياق تقول إيمان زياد مديرة وحدة النوع الاجتماعي في مرصد السياسات الاقتصادية والاجتماعية أن بعض الفئات من النساء غير مشمولات بالتأمين من فئة النساء غير المتزوجات وغير مشمولات بتأمين الأب أو الزوج أو الابن، وتراجع أو نقص الخدمة الصحية يكون أعلى عند النساء، خاصة أن الخدمة الصحية المقدمة للنساء هي غالباً تكون مرتبطة بالدور الانجابي لهن لدرجة معينة، ولا تغطي كافة التكاليف.
وتظهر دراسة أعدتها الهيئة المستقلة لحقوق الانسان بعنوان التحقيق الوطني للتأمين الصحي نحو تأمين صحي شامل وعادل أن ٨٧.٨ من المبحوثين أكدوا على عدم توافر كافة أنواع الأدوية التي يحتاجونها في المركز الصحي الحكومي وأن ٩٠.٤ ٪ من المبحوثين اضطروا إلى شراء الأدوية خارج مظلة التأمين الصحي الحكومي خلال العام ٢٠٢١2
.
كما أكدت مجموعة من النساء في محافظتي الخليل وقلقيلية أنهن ينفقن من ٢٠٠ إلى ٣٠٠ شيكل شهريا ثمن الأدوية غير المتوفرة في وزارة الصحة إلى جانب تغطيتهن لتكلفة تجديد بطاقة التأمين.
يشار الى أن النساء ليسوا الفئة الوحيدة التي تواجه مشكلات في توافر الخدمة الصحية العادلة فذوي وذوات الإعاقة يواجهون مشاكل إضافية تتمثل في عدم توافر الأدوات المساعدة وزراعة الأطراف.
وتظهر دراسة التحقيق الوطني للتأمين الصحي نحو تأمين صحي شامل وعادل أن إخراج نظام التأمين الصحي عددا من الخدمات الطبية من شمولية التأمين، مثل الأدوات الطبية المساعدة لذوي الإعاقة بالإضافة لعدم توافر بعض الخدمات الطبية الأخرى، قد يشكل عبئا ماليا على المنتفعين من التأمين الصحي، حيث صرح ما نسبته ٨٥٪من المبحوثين بتأثير تلك الخدمات على دخلهم ودخل أسرهم.
وفي هذا السياق، قال أحمد بركات مدير منظمة معاقون بلا حدود إن التأمين الصحي استثنى العديد من الخدمات لذوي الإعاقة كالأطراف الصناعية والأدوات المساعدة، هذا عدا عن نقص الأدوية التي يحتاجونها.
وتبلغ حصة وزارة الصحة من موازنة السلطة الفلسطينية حوالي ١٠٪ من قيمة الموازنة ويرى خبراء أن هذه النسبة غير كافية لتغطية كافة نفقات وزارة الصحة العالية لكن ذلك لا يعفي الصحة من توفير كافة الخدمات المطلوبة والمنصوص عليها، وأن الحل يكمن في تفعيل نظام التأمين الصحي الشامل
ويقدم نظام التأمين الصحي الشامل خدمات صحية أولية، وخدمات علاجية وتشخيصية، وخدمات الصحة الإنجابية، والإسعافات الأولية لحالات الطوارئ بشكل كامل. وتتحمل الدولة تكاليف علاج واشتراكات غير القادرين وتعفيهم من المساهمات في العلاج، دون أي تمييز على أساس الجنس.
ويعلق الدكتور فتحي أبو مغلي وزير الصحة سابقاً: الضرائب التي يدفعها المواطن للحكومة يجب أن تتوزع على شكل خدمات للمواطنين، وحصة وزارة الصحة لا يتجاوز الـ10 ٪ من موازنة السلطة الفلسطينية وهي غير كافية إذا لم تتوافر مصادر تمويل أخرى، ويعتقد أبو مغلي أن أفضل مصدر للتمويل أقرته منظمة الصحة العالمية وهو إقرار التأمين الصحي الشامل الإلزامي من خلال مبدأ تقاسم المخاطر.
على ضوء ما سبق تواصلنا مع مدير الإدارة العامة للتأمين الصحي في وزارة الصحة سليمان الأحمد، الذي قال أن رسوم التأمين الصحي لا تغطي سوى 10ـ15٪ من موازنة وزارة الصحة، خاصة وأن العديد من المرضى يتلقون علاجا كاملاً (عملية قلب مفتوح) بشكل شبه مجاني وهذا يكلف الوزارة كثيراً.
وأكد الأحمد أن مشكلة التأمين الصحي الأساسية في فلسطين تكمن في الضغط العالي من قبل المواطنين على المرافق الصحية وهو الأمر الذي يؤثر سلبا على الخدمة المقدمة، نافيا وجود أي تمييز في الخدمة ما بين الذكور والنساء.
وفقا للكثير من الخبراء والمختصين، تغدو الحاجة ملحة لتأمين صحي شامل يوماً بعد آخر، كمدخل ضروري لإصلاح القطاع الصحي الفلسطيني ولتأمين حق الصحة لجميع المواطنين بشكل عادل ولضبط الفساد المبني على النوع الاجتماعي، ولا بد من تكثيف جهود مؤسسات المجتمع المدني لحث الحكومة على إقرار نظام تأمين صحي شامل تضامني والزامي، وإنشاء مؤسسة مستقلة لإدارة ملف التأمين الصحي، كونه ضرورة أساسية لبناء نظام صحي عادل، يوفر تغطية صحية شاملة بخدمات صحية جيدة ومستدامة، وبتكلفة معقولة للمواطنين كافة دون تمييز.