تحقيق استقصائي لوطن: "المواد الأساسية.. تلاعبٌ بالأسعار وغيابٌ للرقابة والدعم الحكومي"
الغرف التجارية: نفتقد لسياسات حكومية تضمن مخزونا وافراً من المواد الأساسية في أسواقنا، والمطلوب استراتيجيات عمل واضحة على هذا الصعيد.
جمعية حماية المستهلك: المطلوب المزيد من الرقابة على السوق وفتح الأسواق امام الشركات للتنافس الامر الذي سيخفض من أسعار المواد الأساسية.
وزارة الاقتصاد: تم الإعلان رسميا عن طرح عطاء لبناء صوامع القمح ما سيحمي السوق من أي تقلبات عالمية.
خبير اقتصادي: المطلوب تشجيع زراعة القمح في فلسطين واعفاء المواد الأساسية من الضرائب وتشجيع المنافسة بين الشركات.
وطن للانباء – تحقيق فارس المالكي: لم يكد الاقتصاد الفلسطيني يتعافى تدريجيا من آثار جائحة كورونا، حتى جاءت الحرب الروسية الأوكرانية لتوجه ضربة جديدة للنمو الاقتصادي، ما تسبب بعواقب مدمرة على الأمن الغذائي العالمي، ولا تبدو العودة للوضع الطبيعي قريبة برأي الكثيرين.
وكما غيرها من البلدان، فان فلسطين تتاثر اقتصاديا بشكلٍ أو بآخر بما يدور هناك، رغم ان هذا التأثر ليس له علاقة بالبعد السياسي أو العسكري.
ويرتبط مفهوم "الأمن الغذائي" بمجموعة من المصطلحات كـ "الاكتفاء الذاتي" الذي يعني قدرة الدول على انتاج السلع الغذائية بما يعادل الطلب عليها.
أما الدول غير القادرة على توفير احتياجاتها، ومنها فلسطين، فانها تذهب للاستيراد لتأمين غذائها عبر "سلال التوريد" التي تأثرت بالحرب الروسية- الأوكرانية، إذ تستحوذ كل منهما على (30%) من صادرات القمح، و(20%) من الذرة عالميا [1]. وبفعل الحرب ارتفعت أسعار السلع الغذائية بنسبة 23.1%، وهي النسبة الأعلى منذ عقود.
وأدت هشاشة الاقتصاد الفلسطيني لأن يكون عرضة للتغيرات والتأثر بارتفاع الأسعار عالمياً بفعل الحرب الروسية- الأوكرانية كان واضحا على المطاحن الفلسطينية، حيث أصبح سعر الطن منذ بدء الحرب 550$ بعد أن كان 350$. وبالإضافة لتقلبات الأسعار الدولية، تخضع المطاحن لسياسة الاحتلال الإسرائيلي، حيث تستورد المطاحن معظم القمح من دولة الاحتلال.
ومنذ بدء الأزمة، أعلنت وزارة الاقتصاد الوطني في آذار/ مارس الماضي أن مخزون الطحين في السوق الفلسطيني يلبي احتياج المواطنين، وان عمليات توريد القمح والطحين مستمرة إلى السوق، بالرغم من الاضطرابات في هذه الإمدادات نتيجة الأزمة الروسية الأوكرانية الراهنة.
وفي الوقت الذي أعلنت فيه الحكومة عن تشكيل خلية ازمة ممثلة عن القطاعين العام والخاص والغرف التجارية لمتابعة الوضع، فإن الغرف التجارية رأت ان غياب الاستراتيجات الرسمية بشأن توفير مخزون كافٍ من المواد الاسياسية لعب دورا في اهتزاز السوق رغم توفر السلع محليا.
وأكد رئيس غرفة تجارة وصناعة رام الله والبيرة عبد الغني العطاري لوطن أنه في العادة في وقت الحرب دائما هناك تداعيات كبيرة، وخصوصا على الجانب الاقتصادي حيث يكون أكثر المتأثرين من هذه الحروب.
كما اكد اننا كمسؤولين وكتجار لاحظنا وجود ارتفاع كبير على سعر السلع الموجودة في الاسواق العالمية نتيجة الكورونا والحرب الروسية الأوكرانية،
لا يوجد عندنا اي مخزون استراتيجي، فالبترول مثلا لا يكفينا يوما او يومين.
وطالب العطاري الحكومة الفلسطينية باعداد خطة عمل واستراتيجية تضمن وجود مخزون استراتيجي من البترول والغاز والقمح وكل السلع الاساسية التي تلامس الحياة اليومية، كي لا نتأثر بأي ارتفاع عالمي، كما وانه مطلوب من الحكومة ان تتدخل من خلال دعم المواد الأساسية، وكذلك رفع الضرائب عنها في ظل الظروف الصعبة.
ورغم الخطوات التي أعلنت عنها الحكومة بخفض الضريبة عن بعض المواد الأساسية، كالطحين والمحروقات في بداية العام، الا أن ذلك لم يكن كافيا.
ودعت جمعية حماية المستهلك خلال لقاءنا معها، الى تبني خطط واضحة المعالم في دعم المنتج الوطني وزيادة الرقابة على الأسواق المحلية.
وقال رئيس جمعية حماية المستهلك صلاح هنية بأن تقارير منظمة الاغذية العالمية " الفاو" أشارت مؤخرا الى انخفاض كبير في اسعار السلع والمنتجات الغذائية عالميا، وكنا نأمل ان ينعكس ذلك على السوق الفلسطيني اسرع، مشيرا الى انخفاضات طفيفة سجلت ولكنها ليست كالمتوقع، وخاصة في السلع الاساسية مثل الطحين والزيت والسكر، وقد كانت هذه الانخفاضات غير مقبولة للمستهلك الفلسطيني، حيث اننا وعلى سبيل المثال نتحدث عن سعر 5 لتر الزيت 48 شيكلا، وان وزارة الاقتصاد قررت خفضه الى 40 شيكلا ولكن الالتزام بذلك كان ضعيفا فغالبية التجار يبيعونه بين 44-45 شيكل
كما أكد هنية ان جمعية حماية المستهلك تلقت العديد من الشكاوى، وقامت بدورها بتحويلها الى جهات الاختصاص للتعامل معها، مثل عدم الالتزام بالأسعار الاسترشادية والتلاعب بها ـ الى جانب فروقات الأسعار من مدينة الى أخرى.
وبلغة الأرقام فقط تضاعفت أسعار بعض المواد الاسياسية، كالزيوت النباتة والسكر والأرز والطحين. ورغم ان أسعار هذه المواد قد انخفضت مؤخرا الا ان ذلك لا يعني انتهاء الازمة، لاسيما مع تصاعد حدة المواجهة بين روسيا وأوكرانيا مؤخرا.
من جانبها، حاولت نقابة التجار الفلسطينيين، ان تطمئن المواطنين بأن المواد الأساسية لا تزال متوفرة في الأسواق، وهي تغطي بالحد الأدنى ستة شهور قادمة.
وأكد ممثل نقابة التجار في محافظة الخليل وسيم الجعبري ان دولة فلسطين استطاعت خلال جائحة الكورونا ان تكون من اكثر الدول جاهزية في توفير المخزون الغذائي من طحين وارز وسكر وزيت، ولم يحدث اي نقص منها خلال الجائحة والسنوات التي اعقبتها من أزمات وحروب في العالم.
وأشار الجعبري الى أن الازمة العالمية الناجمة عن الحرب الروسية الاوكرانية ادت الى ارتفاع سعر الطحين، وهذا كان واضحا، وكذلك ارتفاع أسعار الزيوت النباتية، حيث استمر هذا الارتفاع لمدة ثلاثة شهور، واليوم نحن نشهد تراجعا وانخفاضا في اسعار الزيوت والطحين والمواد الأساسية.
وقال بان أسعار المواد الاساسية في فلسطين تعتبر من اقل الأسعار، مقارنة بالأسعار العالمية، وذلك نتيجة المنافسة العالية التي يفرضها التاجر الفلسطيني، قائلا: "بالكاد شعرنا بالصدمة، لاننا كنا جاهزين، وكان بيننا تنسق عال كناقبة تجار مواد غذائية وبين وزارة الاقتصاد، اضافة للتسهيلات التي قدمتها.
كما اكد ان الحكومة تحاول جاهدة وضع الخطط والاستراتيجيات على ارض الواقع رغم الكثير من التحديات.
وأعلن وزير الاقتصاد الوطني خالد عسيلي، في التاسع من تشرين أول الجاري عن طرح عطاء مشروع لإنشاء صوامع قمح في فلسطين.
ويأتي طرح العطاء تنفيذا لقرار مجلس الوزراء، وبعد استكمال الدراسات والاطلاع على التجارب الدولية في مجال إنشاء الصوامع، وفق أفضل الأنظمة التكنولوجية العالمية.
وبين العسيلي أن العطاء عبارة عن تصميم وبناء وتمويل وإدارة صوامع قمح عدد 2 بسعة تخزينية 40 ألف طن للصومعة الواحدة في موقعين مختلفين، بما مجموعه 80 ألف طن كمرحلة أولى.
واعتبر طرح العطاء خطوة مهمة، لإنجاز المشروع ضمن جدول زمني محدد، لتحقيق هدفنا في الحفاظ على استقرار الأمن الغذائي في فلسطين، خاصة في ظل الأزمات وعدم استقرار سلسلة التوريد من هذه السلعة الاستراتيجية.
ولكن، وعلى ارض الواقع، لا تزال الأسعار تتفاوت من محلٍ تجاري الى اخر ومن مدينة فلسطينية الى أخرى.
وخلال جولة لطاقم وطن في بعض المحلات التجارية في مدن مختلفة بالضفة الغربية، اشتكى العديد من المواطنين من ارتفاع أسعار معظم السلع؛ من مثل؛ الدقيق، السكر، الزيوت النباتية، وبعض أصناف الخضروات والدجاج وغيرها.
وفي ظل هذه المعطيات، يتسائل كثيرون، ما هي الخيارات المتاحة امام الحكومة الفلسطينية للتعامل مع اية موجات متوقعة لارتفاع الأسعار عالمياً؟ كما ويتساءلون عن الخطط والاستراتيجيات المستقبلية.
ويؤكد الخبير الاقتصادي د. نصر عبد الكريم ان على الحكومة أولا، وبدلا من بناء صوامع القمح، رغم إيجابية هذه الخطوة، ان تدعم المزارع من خلال تشجيعه على زراعة القمح وتقديم الحوافز له، فبدلا من استيراد القمح وتخزينه في الصوامع، فمن الاجدى ان تتم زراعته محليا، وهكذا يمكن التغلب على تقلبات أسعار القمح عالميا.
وقال عبد الكريم في هذا السياق انه " في حال تم تخزين كميات كبيرة من القمح في الصوامع، وبعد اشهر قليلة انخفض سعر القمح عالميا، فمن سيتحمل الخسائر المترتبة على تخزين القمح بكميات وباسعار عالية".
كما طالب عبد الكريم الحكومة بالعمل على وضع خطط اتجاه دعم المواد الأساسية كالارز والطحين والسكر والبترول، وتخفيض الضرائب المفروضة عليها بشكل دام وليس فقط عند الازمات.
وهنا لابد ان نشير الى إحصائية هامة، حيث ان فلسطين تعتمد بأكثر من 90٪ على استيراد القمح من الخارج، مع تراجع زراعة القمح محلياً خلال العقدين الماضيين، وهذه الإحصائية تقرع الجرس في ظل المتغيرات العالمية المتسارعة.