الذهب الأبيض يحول بيت فجار إلى بلدة تغرق بالغبار والضوضاء والأمراض

08/05/2014

بيت لحم - وطن للأنباء: في الماضي، حين كان المرتحلون يمرون من بيت فجار، كانوا يختارونها ملاذا مؤقتا للراحة، حيث يتفيأون ظل شجر غاباتها الوافر، تاركين لأجسادهم المنهكة فرصة الاستسلام لسكينة ممزوجة بسيمفونية الطبيعة من أصوات العصافير والكائنات الأخرى المنسجمة مع منطقة ممتدة الخضرة. اليوم الصورة تغيرت بشكل دراماتيكي، فبيت فجار الواقعة جنوب شرق بيت لحم أخذت منذ السبعينيات تمزق ثوبها الأخضر قطعة قطعة، لتستبدله برداء من الرمال المتحركة، وسماءٍ من السحاب الأبيض الصاخب بالإزعاج، والسبب عدد كبير من مقالع الحجر والكسارات ( يزيد عن الـ 150) في مناطق غير مؤهلة بيئياً، ومناشير حجر تتواجد وسط البيوت السكنية.

صنبيت لحم عة الذهب الأبيض كما يطلق عليها الكثيرون، باتت خطراً مرعباً يهدد البلدة سكاناً وبيئة، والسلطات الرسمية المختصة وفق أهالي بيت فجار وممثليها- تقف عاجزة لا بل تساهم في تلويث المنطقة والإضرار بها عبر السكوت عن التلوث الكارثي حتى اليوم.

تجولت "آفاق البيئة والتنمية" خلال نهار كامل بين مناطق بيت فجار والتي فقدت ملامح القرى واقتربت من شكل البلدات نظراً لكبر مساحتها (2300 دونم) وتعداد سكانها، استمعت المجلة لآراء مواطنيها والذين اجمعوا على تحول بيت فجار الى بلدة ملوثة، مضطربة، مزعجة وموبوءة بيئياً، والأخطر من ذلك أن هناك ارتفاعاً في حالات الربو والسرطان بشكل ملفت في البلدة، كما تابعت المجلة لاحقاً آراء المسؤولين محاولةً وضع يدها على أسباب التأخر الرسمي في حل مشاكل البلدة.

أهالي البلدة يتذمرون وينتقدون جهات عدة

على مدخل البلدة تتوسط مناشير الحجر بغبارها الأبيض وضجيجها الذي يستمر في احيانٍ كثيرة حتى ساعات المساء. ومن داخل غرفة الضيوف مغلقة النوافذ يتسرب بوضوح صوت ماكنات النشر وقطع الحجر بشكل ملحوظ، تحدث الخمسيني محمد سليمان" ابو مراد" الذي يدير مركزاً ثقافياً حيث قال: "زارني صديق أجنبي في بيتي وتفاجأ من كم الضوضاء التي نغرق فيها حيث قال لي بالحرف الواحد: "كيف تحتمل الحياة هنا، الضجيج لا يطاق!".

يكمل أبو مراد: "اعتدنا لسنوات عدة أن لا نفتح نوافذنا تجنباً للضجيج و"العجة" (الكلمة المحلية المرادفة للغبار).  مضيفاً بأن الغبار الأبيض قد كسا شجر زيتونه بشكل ملحوظ، فحين يأتي وقت الحصاد، يكون الزيتون أبيض اللون، ما يتطلب منهم هدر كميات من المياه لتنظيفه جيداً".

يوجه أبو مراد اللوم على البلدية التي قدمت لأصحاب المناشير الضوء الأخضر للاستمرار في عملهم وسط البيوت، كما ساهمت مع سلطة البيئة في مد خطوط كهرباء لهم بدل "المواتير" فثبتت وجودهم أكثر في الوقت الذي كان الحديث يجري عن نقلهم الى المنطقة الصناعية الشرقية، لدرء مشاكلهم البيئية بعيداً عن السكان، لافتاً الى أن البلدية للأسف بدلاً من متابعة قضايا البلدة، تشغلها مشاكلها الداخلية.

وختم بالقول: "حين زرت يوماً منطقة عرب الرشايدة جنوب بيت لحم، لم أصدق الهدوء الذي يعيشه البدو هناك، هدوء وهواء نقي، وبالرغم من الحياة القاسية التي يحيونها كونهم ممنوعون من البناء او التوسع لأن المنطقة مسيطر عليها من الاحتلال (منطقة جـ)، إلا أن الهدوء الذي عشته أشعرني بالكارثة التي نعيشها".

على بعد أمتار عن بيت ابو مراد التقت المجلة وسط ضجيج لا يهدأ بـ عامر طقاطقة شاب في أواخر العشرين يعمل في كسارة ويقطن قرب منشار حجر، يقول وهو يرفع من نبرة صوته حتى نسمعه: "اعتدت على الضجيج ماذا أصنع؟ وأين أذهب؟ فالعين بصيرة والإيد قصيرة..."

تنضم والدته وهي سيدة خمسينية لتضيف بالقول: "اعتدنا على المناشير لدرجة انها اذا توقفت عن العمل نشعر أن هناك أمراً غير طبيعي". مشيرة إلا أنها تنشر غسيلها داخل المنزل لتجنب تلوثه بـ "العجة" ونادراً ما تفتح نوافذ المنزل للتهوية.

تلوث بيت فجار ثلاثي الأبعاد

على بعد 1 كم من البلدة تقع المنطقة الشرقية وهي تجمع للكسارات ومقالع الحجر ومصانع الحجر والرخام والمناشير، تفتقر المنطقة للبنية التحتية البيئية فالشوارع في المنطقة غير معبدة، ما يعني سحباً هائجة من الغبار أثناء تنقل المركبات تغطي السماء والأبنية والشجر. وحيث أن كثيراً من المصانع لا تلتزم بالمواصفات البيئية فلا أسوار آمنة تحيط المصنع ولا تخلص سليم من مخلفات المحاجر والكسارات فترى "الروبة" او مخلفات الكسارة ملقاة الى جانب المعمل مبتلعة مساحات من الأراضي الزراعية ما يقتل خصوبتها ويضطر صاحبها الى بيعها بثمن بخس وفق ما يؤكده كثير من أهالي البلدة، عدا عن الحجارة التالفة الملقاة على اطراف الشارع.

ومن المنطقة الشرقية الى خلة حجي، وهي منطقة صناعية تضم مقالع حجر وثلاثة مصانع لإنتاج "الاسفلت"،  بالنسبة للأخيرين فقد شوهد أثناء تجوال آفاق سحب من الدخان الأسود تعلو أحد المصانع، بشكل يبدد صفاء السماء ويثير الرعب في نفوس أهالي البلدة الذين يرجحون ارتفاع نسب الاصابة بمرض السرطان الى ذاك الدخان، والذي يصل أراضيهم ومحيط بيوتهم كلما هبت الرياح الشرقية.

زارت المجلة مصنعاً للإسفلت يدعى "نيو لاند"  مقاماً على ارضٍ غير معبدة مليئة بالأغبرة، والتقت بصاحبه من خارج منطقة بيت فجار "اسماعيل العمري"، يجيب من امام مصنعه المتوقف عن العمل بسبب مشاكل مادية رداً على الدخان الأسود: "مصنعي حين كان يعمل لم يكن ينفث دخاناً اسود بل أبيض!!، فمعداتي حديثة وتعمل وفق الشروط البيئية عكس المصانع التي تعمل بمعدات قديمة، مشيراً الى أنه يحب الطبيعة بدليل زرعه لسلسلة من أشجار السرو على محيط المصنع.

يشير عددٌ من أهالي البلدة للمجلّة بالقول: "المناشير ومصانع الحجر في مدخل البلدة خطرٌ حقيقيٌ فعدا الضوضاء والتلوث يتعرض طلبة المدارس للخطر، بسبب مخلفات تلك المعامل التي تلقى على أطراف الطرق، كما أن شاحنات نقل الحجارة لا تراعي إجراءات الأمان حيث أن خطر انزلاق الحجارة الكبيرة من الشاحنة أمر وارد بدليل أنه حدث عدة مرات، ولولا الحظ لتسببت تلك الحوادث بإصابات لحظة وقوع الحجارة على الناس أو المركبات.

كما تسببت ظروف العمل غير الآمنة للعمال في اصابة الكثير منهم ووفاة بعضهم، ولا ينسى أهل البلدة قصة الشبان الثلاثة الذين لقوا حتفهم بسبب عدم صيانة معدات المنشار والتي أدت الى انزلاق الصفيحة من مكانها والارتطام بجسد الشابين فمزقتهما، أما القصة الثالثة فقد كانت لحدث أي لطفلٍ صغير دون الثامنة عشرة ( قوانين وزارة العمل تمنع عمل الأحداث) سقط من أعلى المعمل وارتطم بآلة المنشار ففارق الحياة فوراً.

يؤكد أهالي البلدة ومعظمهم عمال في المحاجر بأن العمل في تلك المهنة والتعرض المتواصل للغبار يسبب لهم زكاماً دائماً، يسبب على المدى البعيد مشكلة في الجيوب الأنفية، بالإضافة الى آلام الظهر نتيجة حمل الأثقال، والصداع المستمر جرّاء الضوضاء، والجروح والرضوض في الأيدي نتيجة استخدام الادوات الحادة. ومن الملاحظ أن العمال يعملون في المعظم دون الخوذات الواقية أو النظارات الحامية أو حتى القفازات ما يزيد من احتمال تعرضهم للإصابات.

عنب وسفرجل بيت فجار الشهيران اختفيا وأصبحا من الذكريات

رئيس لجنة بيت فجار الزراعية محمد ابراهيم جابر يتابع أمور البلدة الزراعية الآخذة بالانكماش بعد ان باع محجره منذ سنوات لنفوره صحياً من تلك المهنة التي سببت له حساسية متواصلة. يقول: "المحاجر قضت على مساحات واسعة من الاراضي الزراعية، من حيث غياب الطرق المعبدة، احاطة المصانع بسور وإغلاقه،  غياب مكب مركزي لمخلفات المصانع، محطات معالجة لمياه المصانع...الخ.

كل ذلك ساهم في ارتفاع نسبة التصحر، واضمحلال الأراضي الزراعية، مشيرا الى ان اللجنة مع البلدية توجهت بحافلات كبيرة الى الحكم المحلي وسلطة البيئة لحل مشكلة التلوث في بيت فجار ولكن دون جدوى.

ولفت إلى انقراض ما كانت بيت فجار تشتهر به من الزيتون والعنب والسفرجل واللوزيات والحبوب وجميعها كانت تباع في أسواق بيت لحم والقدس. أما اليوم فوفق جابر اصبح اهالي بيت فجار يشترون العنب من المناطق الأخرى.

"نناشد كجمعية زراعية المسؤولين ليحدوا من نسبة التلوث، فالمياه الجوفية في خطر" وبالتالي المزروعات والإنسان نفسه. ختم جابر

منشار حجر قرب البيوت السكنية

من غرفة صغيرة مليئة بالغبار تحدث عبد الرحمن بلو شاب صاحب "منشار حجر" يقع قرب بيوت سكنية،  حيث اشار الى انه استلم من نقابة العاملين سماعات للأذن وخوذات، ولكن لا احد يلتزم بها إلا عامل واحد من مجموع عشرة عاملين، مشيراً الى ان العمال وبسبب اصابتهم الدائمة بمرض الجيوب الانفية لا يحبذون ارتداء الكمامات حيث انها تزيدهم اختناقاً.

من ذات المنشار تحدث أحد العاملين الخمسيني "خالد" الذي يعمل في تلك المهنة منذ 35 عاماً، عن ابنه الذي نجا برحمة إلهية من الموت بعد ان انزلقت قدمه من اعلى سطح المنشار وكاد ان يتهشم رأسه لولا انه حماه بإحدى يديه. وختم: "ابني طالب جامعي ولجأ لتلك المهنة لأنه لم يجد وظيفة بشهادته".

الخوذة "مرحلة أخيرة"

محمد طقاطقة رئيس نقابة عمال البناء والاخشاب في بيت لحم، أشار فيما يتعلق بسلامة العمال بأن النقابة تقوم بتوعية العاملين عبر دورات ارشادية ودليل تدريبي يوثق كل المخاطر الواجب تجنبها وعددها اربعون، كما يقومون بتزويد العمال بخوذات واقية وقفازات، لكن كل ذلك لا يقي من مخاطر التجاوزات الانشائية والبيئية والصحية للمعامل والمصانع، فإنشاؤها من الأساس لم يقم على طرق صحيحة.

وأشار إلى أن أدوات السلامة  الشخصية هي آخر اسلوب امان للعمال داخل المصنع، فالأساس الأمان الداخلي من ترتيب وتعبيد أرضيات وصيانة دائمة. ومن ملاحظات العمال يضيف النقيب: "لم يتم عمل المحاجر بشكل هندسي سليم، فلا مسافة آمنة بين الماكينات، ولا مرافق للمعامل حيث أن بعضها قام على نصف دونم وتفتقر للحمامات والمرافق، مشيراً الى حالة وفاة بسبب الربو المزمن لأحد العمال، مع انتشار ملحوظ لآلام الظهر لديهم.

 صلاح الديرية "الرجل الغاضب" من المؤسسات الرسمية

من المجلس البلدي تحدث السيد صلاح الديرية، رجل ستيني قدير يشي كلامه بثقافة واسعة، كان -وقت إجراء التقرير- يشهد الأيام الأخيرة لرئاسته البلدية، يقول وفي جعبته عتب كبير وألم على بيت فجار ومشاريع بيئية لم تكتمل: "صدقاً حين نتحدث عن التلوث البيئي فهناك نوعان: التلوث بفعل المنشآت الحجرية بأنواعها، والتلوث الذي يصيب المؤسسات الرسمية التي تغض الطرف عن التلوث البيئي ومن ضمنها سلطة جودة البيئة".

وأشار الديرية إلى اشتكاء البلدية المتواصل (أكدت سلطة البيئة تواصل السيد الديرية معها عدة مرات) في عهد رئاسته والذي استمر لسنوات عدة لسلطة جودة البيئة وللمسؤولين لتأهيل المنطقة الصناعية في المنطقة الشرقية وأول البلدة، مشيراً إلى أن المناطق الصناعية في الدول المتقدمة يجب أن تبعد 100 كم عن المناطق السكنية وليس منتصف البيوت والمناطق الزراعية، ومخلفاتها تتعدى الطرق العامة، مشيراً الى ان البلدية اشتكت للشرطة ومحافظة بيت لحم في عهده عدة مرات لكن هناك تواطؤ من قبل المسؤولين ضد البيئة على حد قوله.

يلفت الديرية الى انه وبعهده وبشهادة عدد من شباب البلدة لآفاق، كان قد اجرى تعديلات وتحسينات جوهرية على البلدة والتي كانت بدائية وغير حضرية، فقام بتعبيدها ورمم بيوتها القديمة فأضحت كالبلدة القديمة في أثينا على حد وصفه حيث عبّد الطرق ومد شبكات الدفع المسبق للمياه.

ويكمل"احتجينا لوزارة البيئة والحكم المحلي ولكن لا حياة لمن تنادي. التلوث الذي نتج عن المصانع والكسارات في المنطقة ب بترخيص من  وزارات الصناعة والبيئة والحكم المحلي لوث الأرض، ويكفي رؤية صور للثلجة الأخيرة حيث شوه السواد بياض الثلج بسبب مخلفات مصنع الاسفلت "الزفتة" . مشيرا الى انه اشتكى لوزارة البيئة حول المصنع الأخير لكنها لم تفعل شيئاً.

جرة قلم

وحول ذكرياته في بيت فجار فأشار الديرية الى انها كانت جميلة جدا ومفعمة بالخضرة: "كانت غابة تعج بالتنوع الحيوي من كائنات مختلفة كالطيور والحيوانات البرية وزواحف وحشرات، كان الاطفال يمسكون "الشعبة" ويذهبون ليتصيدون العصافير، ويتسلقون اشجار البطم والحور والزعرور والبلوط، وكانوا يتربصون للغزلان والنياص والارانب البرية، وطبعا الكل يذكر العنب الذي تشتهر به بيت فجار وأصبح اليوم من الماضي الجميل.

وأكمل الديري الذي اتسم حديثه بالجرأة غير المعهودة: "طاسة وضايعة، فالموافقة على مثل تلك المصانع والمعامل المخالفة تتم بجرة قلم وليس وفق الشروط البيئية. مشدداً على ضرورة التعامل مع بيت فجار كمنطقة منكوبة بيئياً.

وفي معرض الاجابة عن السؤال حول: على من تقع مسؤولية تحول بيت فجار الى منطقة منكوبة بيئياً،  اجاب الديري: اولا تراكم عوامل الزمن، ثانيا: تقصير السلطة بشكل فظيع، وثالثاً: تقصير البلديات المتعاقبة الذين لم يأخذوا دورهم بشكل مناسب وبدلاً من ان يكمل كل مجلس جديد ما بدأه الآخر، يمسحون شغل من سبقهم ويبدأون من جديد، ما يعرقل دور البلديات التنموي الحقيقي.

الرئيس الجديد  الهماش: جرى تهاون كبير في الكثير من المنشآت ونحن امام واقع صعب

كامل هماش رئيس بلدية بيت فجار المعين منذ ايام من تاريخ نشر التقرير يتحدث وتلمس من حديثه حجم المسؤولية الملقاة على عاتقة من مشاكل بيت فجار، حيث لفت إلى ضرورة فهم حالة بيت فجار والتي تحولت من قرية صغيرة خلال الاربعين عاما الماضية الى بلدة بتعداد سكاني كبير وبالتالي عدد محاجر آخذ بالازدياد، وعند مجيء السلطة عام 95 استلم اول مجلس محلي لبيت فجار وكانت قرية محطمة بيئياً وتنظيمياً، فواجهت البلدية والتي كانت حديثة العهد في الرئاسة وما يشملها من متابعة انظمة وقوانين واقع صعب ووجد القيمون على البلدية ان القوانين والواقع بينهما مسافات ضوئية كبيرة ولا التقاء بينهما.

وأشار الى ان المجلس البلدي والحكم المحلي يجريان حالياً مخططاً هيكليا للبلدة سينظم البلدة الى مناطق زراعية وصناعية وسكنية وبلدة قديمة ومناطق آبار.

وبرر وجود المناشير قرب البيوت بالقول: انتم تعلمون ان الوضع الاقتصادي صعب جداً، وكل مواطن كان لديه رقعة ارض كان يستغلها لعمل منشأة مشيرا الى ان فكرة  نقل المحاجر في مقدمة البلدة الى المنطقة الشرقية امر صعب ومكلف جداً، مشيراً إلى أن المجلس مدين بتسعة ملايين شيقل لمصلحة المياه.

ولفت الى أن المنطقة الشرقية وخلة حجة، لحد الآن  تمكن المجلس من تنظيم موقع المنطقتين من حيث تجميع المنشآت، لكن بلا شك هناك بنية تحتية سيئة، وفي منطقة خلة حجة ولأنها خارج المخطط فهناك كوارث بيئية، داعياً كل اصحاب الضمائر الى التقدم بحلول لإنقاذ المنطقة بيئياً.

وعقب: " اقامة أي مصنع او منشأة يجب أن يخضع لشروط السلامة العامة، لكن جرى تهاون كبير في متابعة التطبيق".

وبكلمة أخيرة قال الهماش أنهم سيتابعون قرارات المجالس السابقة المجمدة ويعيدون النظر في وضع البلدية، حتى يتم وضع الامور في نصابها، وتستأنف البلدية عملها بنفس ايجابي.

وزارة الاقتصاد:  الكثير من المنشآت غير مرخصة

المهندسة شفاء ابو سعادة مديرة وحدة دائرة المصادر الطبيعية والصناعات الانشائية في وزارة الاقتصاد الوطني أعربت لآفاق بدايةً عن اهمية حرفة الحجر كونها النفط لفلسطين ولها قيمة اقتصادية كبيرة ودور فعّال في ابعاد ابناء الوطن عن العمالة في السوق الاسرائيلي وانخراطهم في دعم الاقتصاد المحلي، مشيرة الى انها تشجع اقامة الكسارات والمنشآت الحجرية في كل فلسطين لأهميتها الاقتصادية الكبيرة.

وأرجعت أبو سعادة كل مشاكل البيئة في بيت فجار وغيرها من المناطق الى الاحتلال الذي لم يكترث ببيئة او بنية تحتية حين احتل الضفة الغربية بعد عام 67. مؤكدة ان وزارة الاقتصاد لا ترخص أي محجر او منشأة صناعية دون موافقة الوزارات ذات الصلة مثل البيئة والزراعة والحكم المحلي، ولو رفضت جهة واحدة ذلك فترفض وزارة الاقتصاد إعطاء الموافقة، وحدثت حالات كثيرة وفق أبو سعادة رفضت فيها البيئة اقامة منشأة وبالتالي لم يتم الموافقة على الترخيص.  مشيرة الى أن الامر لا يخلو من وجود كثير من المنشآت الكثيرة تعمل مخالفة للقانون ودون ترخيص وتستمر بضوء أخضر من البلديات.

وحول مصانع الزفتة فأوضحت بعد طرح الموضوع من قبل آفاق البيئة والتنمية معها أنها ستقوم بفحص وضعها من الناحية البيئية والسلامة العامة في أقرب فرصة.
وختمت  الذهب الابيض يحفظ كرامة أبنائنا ويدعم اقتصادنا بدلاً من العمل في تنظيف مراحيض الاحتلال.

مكتب بيئي بموظفين اثنين لكل محافظة بيت لحم!!

فيما نفى هاشم صلاح مدير مكتب سلطة البيئة في محافظة بيت لحم ورود أي شكوى خلال فترة رئاسته الجديدة التي لم تتعدى العام حول أي منشأة في بيت فجار، مشيرا الى ان المكتب يتألف من كادرين هو وزميلته وهما لا يستطيعان متابعة كل المناشير والمحاجر في بيت فجار والتي يتجاوز عددها الـ 150. مؤكدا ان أي مصنع قبل انشائه يخضع لشروط السلامة البيئية وفي حال استوفى الشروط ينال الترخيص اللازم. لافتا الى ان ورود أي شكوى من المواطنين حول منشأة ما يلزمنا الذهاب الى الموقع وفحصه، ومن ثم وفي حال كان فعلا مخالفاً للشروط البيئية نمهله فترة زمنية لإجراء تحسينات وإصلاحات بيئية وفي حال لم يلتزم نلجأ للقضاء.
"المشكلة ان القضاء يستغرق وقتا طويلاً جداً، فعلى سبيل المثال منشأة حجر في بيت لحم مخالفة ما زالت تعمل بعد 12 عاماً من رفع قضايا ضدها من سلطة البيئة " قال صلاح.  ولكنه انتقد دور المجلس البلدي متسائلاً: "للمجلس البلدي صلاحيات قانونية كبيرة، وواجبٌ عليه ان يكون خط الدفاع الأول عن البيئة في حال كانت المنشأة ضمن مخططها الهيكلي، فيما خارجها يكون على عاتق البيئة والحكم المحلي".

سلطة البيئة: دورنا يبدأ من التوعية ثم القانون

محمود ابو شنب، نائب مدير عام الادارة العامة لحماية البيئة والذي قام بجولات كشفية عديدة على مصانع ومنشآت عديدة ومن ضمنها بيت فجار، أشار الى ان الحفاظ على البيئة والسلامة العامة مسؤولية مشتركة بين اصحاب الصناعات أنفسهم والسلطات المحلية والجهات الرسمية من وزارة اقتصاد وطني وسلطة جودة البيئة، مؤكداً ان بيت فجار تمثل واقعاً موروثاً من الاحتلال تضمن عشوائية البناء وتداخل المناطق السكنية مع الصناعية، كما أن الاحتلال لم يول البنية التحتية أي اعتبار لا بل دمّرها".

وردا على صلاح الديرية واتهامه سلطة البيئة بالتقصير ذكر أبو شنب: "ليس لدينا في وزارة البيئة حلول سحرية، نحن لا نمول تحسين البيئة، نحن نحدد الشروط البيئية ونقيّم الأثر البيئي ونسعى لتحسين الوضع العام من خلال مراقبة المشاريع التنموية، وفي حالة عدم الالتزام أو الاضرار بالبيئة المحيطة فهناك امكانية متابعة ذلك قانونياً"، مع العلم أن المفتشين البيئيين" يحملون صفة الضابطة العدلية ومباشرة الاجراءات القانونية.

ومع ذلك، فيؤكد ابو شنب ان سياسة البيئة العامة هي ممارسة دور التوعية والنقاش والدعوة للاستجابة للتوصيات البيئية، ومن ثم القضاء في حال عدم الالتزام بالشروط البيئية، مؤكداً أن سلطة البيئة لها الحق في اغلاق أي منشأة او مصنع في حال آثار المصنع ذعرا عاماً وهذا نادر الحدوث. لافتاً الى ان الحديث عن مصانع الإسفلت في بيت فجار بحاجة الى موقف جماعي رسمي وشعبي، وهذا لم يحدث باسم اهالي بيت فجار حتى اللحظة.

وذكر أبو شنب بأن هناك ثلاثة مواقع تسبب ارقاً للجهات الرسمية والمحلية والبيئية وهم: (بيت فجار وبني نعيم وجماعين) وذلك جرّاء الصناعات الحجرية، الكسارات والمحاجر والمناشير والتي تتداخل بين المناطق السكنية، ويتطلب حلها جهوداً رهيبة فنحن أمام موروث قديم يحتاج الى خطة وطنية عبر تشكيل لجنة من وزارات البيئة والاقتصاد والزراعة والحكم المحلي لتصويب اوضاع المنشآت المخالفة من خلال القانون. مفيداً أن سلطة جودة البيئة تعاونت مع البلديات في استبدال المولدات الكهربائية الملوثة والمزعجة بخطوط وشبكات كهرباء في بيت فجار، وتعبيد طرق صناعية في مناطق أخرى.

زرنا مصانع الاسفلت ولكن!!!

وحول اغلاق منشآت مخالفة يشير ابو شنب إلى تعاون سلطة البيئة مع وزارة الاقتصاد الوطني وإصدار قرارات مشتركة بإغلاق عدة محاجر في قرية بني نعيم بسبب مخاطر سقوط المواطنين فيها لعدم مراعاتها لشروط السلامة العامة، حيث أغلقت وتم إعادة تأهيلها لتصبح اليوم متنزهاً.
وبالنسبة لمصانع الإسفلت في بيت فجار قال ابو شنب: "الملفت ان كل قرية نزورها يذكر لنا  أهلها في مستهل حديثهم أنها من أعلى نسب السرطان، الامر ربما يكون حقيقياً لكنه يجب ان يكون مدعماً بالوثائق والاحصائيات الرسمية، نحن مستعدون أن نتدخل ونلزم مصانع الزفتة في حال مخالفتهم للبيئة، مؤكداً أنه حين اتصل عليه رئيس المجلس السابق صلاح الديرية قام بزيارة المصانع وإجراء الفحوصات وكتابة التوصيات للمصانع، وستتابع سلطة البيئة التزامهم بها بما لا يضر البيئة والعمال والناس.

قوانين مثالية ولكن!!

المستشار القانوني في وزارة البيئة مراد المدني يقول ان بيت فجار هي التي فجرت القضية الكبرى حول ضرورة وضع قوانين تنظم عمل المحاجر والمناشير في الضفة الغربية، وهذا ما حدث بالنسبة لقانون رقم 25 لعام 2010:  "تعمل الوزارة بالتعاون مع الجهات المختصة على وضع المقاييس والتعليمات والشروط للحد من الازعاج البيئي الصادر عن النشاطات المختلفة ويمنع صاحب كل منشأة او اية جهة او فرد ان يتسبب بإزعاج الآخرين".

تقتبس آفاق من فصل متطلبات منح الموافقة البيئية من قانون البيئة لعام 2010،  مادة (7):  "يجب إقامة المنشأة الصناعية او الاراضي التي تم تغيير صفة استخدامها الى صناعية وفق ما تحدده الجهات المختصة، البعد عن المناطق الطبيعية مسافة الف متر على الأقل، ان تقام المنشاة على شارع تنظيمي معبد  بعرض 12 متراً"(هذا القانون لا ينطبق على كثير من مناشير الحجر في مدخل قرية بيت فجار).

مادة (8)

"يجب على المنشأة الصناعية: بناء جدار من الطوب او الاسمنت حول حدود المنشأة بارتفاع متر ونصف  المتر على الاقل، زراعة حزام اخضر من الاشجار الحرجية داخل الجدار المحيط بالمنشأة ومن جميع الجهات، ان تكون مساحة المنشأة تلبي شروط السلامة المهنية". بالإضافة الى الشروط الواردة في المادتين (7) و(8) للسلطة حق اضافة شروط اخرى ضرورية بموجب الموافقة البيئية مع الاخذ في الاعتبار موقع المنشأة وتأثير اتجاه وحركة الريح وسرعتها في المنطقة ومدى امتداد الأثر البيئي المحتمل للمشروع (لا ينطبق البند الأخير حول اتجاه الرياح على مصانع الاسفلت).

وعودة للمدني فدعا المواطنين الى التكاتف مع المجلس المحلي لاستخدام سلطة القانون والاشتكاء على المخالفات البيئية سواء من المحاجر والكسارات والمناشير او مصانع الاسفلت لتحرك الأمر لصالحها، لأن في مكتب البيئة موظفان فقط  يتابعون ما يزيد عن 150 منشأة، مشيراً الى غياب أي قانون فلسطيني ينظم عمل مصانع الاسفلت حتى الآن.
وختم المدني بالقول: "أنا متأكد أن أكثر جهة ستعارضنا في حال الدعوة لإغلاق الكثير من المنشآت المخالفة هي وزارة الاقتصاد، لمردود تلك المنشآت على الاقتصاد الوطني".

الأثر الصحي للمناشير والمحاجر

ومن البيئة والأراضي الزراعية والقوانين والجهات الرسمية إلى الجانب الصحي في بيت فجار، والذي لخصه الطبيب جاد الله ديرية،  الذي يعمل في العيادة الصحية في البلدة، فأشار من مشاهداته اليومية إلى ازدياد اصابة الاطفال بالمشاكل الصدرية بسبب انتشار سحب الغبار من المناشير في الأجواء، كما يشتكي الكبار ايضاً من نفس الأعراض بالإضافة الى التهابات الصدر والحساسية والتهاب الرئتين، مشيراً إلى ارتفاع في حالات الربو، وارتفاع في حالات السرطان.
ويضيف بالنسبة للصداع والشقيقة "فحدثوا ولا حرج"، وذلك نتيجة الضوضاء والإزعاج المستمران في بيت فجار، كما يشكو العمال في المنشآت الحجرية من أوجاع في الظهر والرقبة تبدأ عادةً من سن مبكرة، مع بعض الأمراض المتصلة بالأعصاب، كما يسبب الضجيج المرتفع للأطفال أرقاً وصعوبات في التركيز وبالتالي تراجعاً في التحصيل الاكاديمي.

وزير الصحة السابق هاني عابدين الذي يشغل حالياً منصب عميد كلية الطب في جامعة القدس،  يشير لآفاق في معرض سؤاله عن الاضرار الصحية من المناشير والكسارات والمقالع اولاً واستنشاق الزفتة ثانياً بالقول:
بلا شك يسبب استنشاق الغبار المتكرر من الصخر بالدرجة الاولى مرض التليف الرئوي، والذي يصاحبه مشاكل في التنفس  وصعوبة تباعاً في بذل الجهد المطلوب، فيما يسبب استنشاق الاسفلت المتكرر الى الاصابة بسرطان الرئة والقصبات الهوائية، مشيرا إلى وجود علاقة قوية جدا بين الاسفلت والسرطان. مشددا على ضرورة ابتعاد تلك المصانع عن المناطق السكنية وضرورة خضوعها لشروط السلامة البيئية والصحية، كما يجب على العمال وضع الكمامات الواقية. وبالرغم من عدم وجود احصائيات ودراسات من الجهات الصحية المختصة، وفق د. عابدين، إلا ان هناك علاقة وثيقة بين امراض التليف الرئوي والسرطانات المتزايدة في المناطق التي تتواجد فيها منشآت الحجر ومصانع الاسفلت.

وضعت آفاق البيئة والتنمية بيت فجار من خلال هذا التحقيق تحت المجهر، دون ان تغفل اهمية المنشآت الحجرية للاقتصاد الوطني، ولكن ما المانع في أن ينصهر النمو الاقتصادي مع بنية تحتية بيئية سليمة ومنشآت نظامية لا تعمل إلا تحت راية القانون!!، واستنتج التحقيق أن "الاحتلال" و"غياب التنسيق بين الوزارات الممنهج" و"قوانين مثالية بلا تطبيق"، و"اجراءات قضائية طويلة الأمد". أصبحت مفردات مستهلكة لدى المواطن وكذلك الجهات الاعلامية. وعلى الجهات الفلسطينية، ايجاد تصريفات لها قبل ان يصبح المرض والموت مرادفاً لحياة الفلسطيني على المدى القريب.

 

(تحقيق وتصوير: ربى عنبتاوي.. خاص بآفاق البيئة والتنمية)