دولة إن جي أوز في فلسطين - بقلم: عبدالرحمن ظاهر

05/02/2014

 تعريف و تاريخ

الان جي اوز هي مؤسسات مدنية هدفها اسناد و تمكين المجتمع الفلسطيني في اطار تعزيز المبادئ الديمقراطية و العدالة الاجتماعية و التنمية المستدامة و احترام حقوق الانسان
بعد اوسلو 1993 جاءت السلطة لتفرض مؤسساتها الثقافية بطريقتها البيروقراطية ... ظن الكثير من الشباب و الناشطين انه من الضروري تعزيز دور الانجي اوز في المنطقة لخلق نوع اخر من الثقافة (ظنوا انه يمتلك الحرية الاكبر) لتحل محل ثقافة السلطة .. و لكن بمرور السنين صارت كثير من الاوراق تتكشف و اصبحت الانجي اوز دكاكين مميزة للدول الاجنبية المانحة لتمرير اجندات خفية اوقعت العاملين فيها بفخ صعب .. و اصبحت القاعدة المتبعة هي (امش على السكة و لا تحد عنها و سنمنحك الاموال التي تكفيك) او ( نفذ ما هو مطلوب منك و الا .. و المطلوب منك سهل جدا و الشاطر الذي يجمع ثروة كبيرة في اقصر وقت ممكن )

مراحل تطور عمل ال ان جي اوز في الضفة

- المرأة : بدأوا بموضوع المرأة الحساس و تعمدوا التركيز على تحرر المرأة و تمكينها و (التظاهر) بانتشالها من مستنقع العادات و التقاليد و الدين المقيدة لها من وجهة نظرهم .. ما نتج عنه جيل من النساء لا يتقنن في حياتهن سوى ورشات عمل متكررة لا تضيف الى الواقع اي شيء .. و كتيبات لا تخرج من باب المخزن ... و يافطات تذهب مع الريح بعد يومين
- ثم الاطفال و الشباب : عجينة مناسبة للتشكيل كما يرغبون .. التظاهر باعطاء فرصة لهذه الشريحة لممارسة حقهم في هذا المجتمع .. و لكن ما هي آليات هذا التمكين ؟؟ دورات في المناطق المهمشة .. مسرحيات .. ندوات صغيرة مقابل آلاف الدولارات ..عناوين مشاريع أميبية تكاد لا تفرق بين عنوان و آخر .. مصطلحات بظاهرها تدعو الى التمكين و الديمقراطية و التاهيل و في باطنها سم خطير يدس في الحلوى
- حقل الثقافة و الفن .. نفس الميكانيزم .. و هذا اخطر نوع يمكن ان يخترق بذكاء .. هو صلب المجتمع الفلسطيني .. و عماد الهوية الفلسطينية .. و ما اسهل تغيير الهوية . . كل ما يحتاجه الامر تجنيد مثقفين و فنانين و السخاء عليهم و اكرامهم كرم حاتم الطائي بل أكثر .. و اقناعهم بضرورة الدمج الثقافي للرقي بالهوية الفلسطينية و (انقاذها من الرجعية و التخلف و الانغلاق) من وجهة نظرهم .. تسخير الفن و الثقافة و الشعر و الادب و المسرح و الدراما لاستيراد (النقاط المضيئة) في الثقافات الغريبة و انارة ساحات الثقافة الفلسطينية بها .. لكن ابتعد عن ادب المقاومة و ثقافة النضال (البالية) و التي (اصبحت مرحلة مهترئة) و انظر الى الامام .. فكر بالانسان و القيم الانسانية الوردية و اياك ان تقترب من خطك النضالي .. كن انسانا متسامحا ورديا لبقا و انيقا في طرح افكارك و لا تكن (متعصبا) لوطنك المسلوب .
- بعد ان ركب بعض اليساريين عربة القيادة في هذه المؤسسات منذ ولادتها .. انضم للقطار كل المثقفين الذين يرغبون بانتحال صفة (المكافح السلمي أو الناشط) و جمع ثروة مالية لا يمكن ان يجمعها في الخط الوطني او مؤسسات السلطة .. و لكن عندما تركز في تكوينهم الايدولوجي و الفسيولوجي تكتشف انهم دخلوا هذا الميدان و هم اسود .. و تخرجوا منه قططا مسمنة ينظرون على زملائهم و يتهمونهم بالسرقة و التخلف .

الجهات الداعمة و الأموال المتدفقة

امريكيا و اوروبا و غيرهم لا يمكن ان يدفعوا دون ان يكسبوا (و يربحوا) الكثير الكثير .. دول تصرف و تصرف و دكاكين انجي اوز تسرق و تسرق و المحصلة التي تصل الى فم المواطن (الغلبان) هي (صفر) ..
اكثر من 2400 مؤسسة انجي اوز في مستوياتها الاربعة تتلقى اكثر من ثلاثة مليارات دولار سنويا .. اي ما يفوق ميزانية السلطة الفلسطينية .. اين تذهب تلك الاموال ؟؟ بامكانك طرح هذا السؤال على اي مواطن فلسطيني و هو سيجيبك فورا (لا اعلم .. او لم أرى شيئا منها ) .. بالتأكيد لن ترى شيئا لانها تصرف في مصارف و بلاعات لا تعلم عنها شيئا دون رقيب او حسيب .. فالسلطة لا تملك الحق في محاسبة دول مانحة و لو حاولت فانها ستتلقى هذا الرد من الدول المانحة (فلوسنا و حرين فيها بدنا نحرقها انتي شو دخلك بالموضوع ؟؟ لما تسدي ديونك اللي عليك ممكن وقتها تسألينا) .. طبعا جواب قوي جدا موجه الى السلطة .. و بالتالي يصبح سكوت السلطة من ذهب ..
كل دولة مانحة لها دكاكين منتشرة .. و من خلال هذه الدكاكين يمكن بيع اي منتج .. حتى يمكن بيع التطبيع مع اسرائيل و لكن بغلاف جميل فخم .. ليس المهم ماذا تبيع .. المهم كيف تقدم منتجك لبيعه .. و اكثر هذه الدكاكين ربحا تلك الموجودة في المناطق النائية و المهمشة .
تبدا هذه الدول ببيع منتجات خفيفة مثل ورش العمل و الندوات التي لا تسمن و لا تغني من جوع و تروجها بمبالغ ليست بسيطة ثم تنتقل الى ترويج منتج الدراسات الخاصة بالسلام و التعايش و حوار الحضارات و التخفيف من العنف الاسري و التاهيل النفسي و هي الخطوة الاقرب ل (التطبيع) و يتم دفع مبالغ هائلة لهذه الدراسات المتشابهة في مضمونها و شكلها .. ثم يتم تجنيد جيش من حملة هذه الافكار و منحهم فرصا للسفر و المشاركة في مؤتمرات دولية لا بل و تكليفهم بتدريب اخرين خارج فلسطين لانهم اصبحوا ذوي خبرة كافية في (التسويق) ..
السؤال الذي يطرح نفسه .. ان كانت هذه المؤسسات و بدعم سخي من الدول المانحة تعمل و منذ اكثر من عشرين عاما على التمنية المجتمعية المستدامة و تحقيق العدالة الاجتماعية .. لماذا تزداد نسب البطالة و الفقر و الجهل و نسبة الشباب المقيدين بقروض بنكية تنسيهم حليب امهاتهم الذي رضعوه و تربطهم عشرين او ثلاثين سنة بهذا الكابوس .. لماذا اصبحت فلسطين كالامم المتحدة اينما تذهب و في اي زقة تجد علم دولة من الدول المانحة مختوم الى جانب عبارة (هذا المشروع بدعم سخي من ... تم تنفيذ هذا المشروع بواسطة ... تم تمويل هذا المشروع من ... ) و اصبح علم فلسطين يظهر فقط على المؤسسات الحكومية مع ملاحظة انه بحاجة الى تبديل لانه مهترئ بالعادة .. او في بوسترات الهواة على صفحات الفيس بوك .. او على شهيد .. او في تجمعات تظاهرية خجولة ..
هل يعلم المواطن الفلسطيني بموضوع (الشهر الذهبي) ؟ من 15/10 الى 15/11 من كل عام ؟؟ و هي فترة تصريف الميزانيات الزائدة المكدسة في خزائن الجهات المانحة ؟؟ في نهاية كل عام يجب ارسال تقارير مالية الى الارباب تتضمن بنود صرف ميزانيات المشاريع المقررة لهذا العام .. و في حال لم تصرف الميزانية بشكل كامل فان الخطورة تكمن في تخفيضها للعام القادم (لانها ما بتلزم و ضل منها فائض) .. لكن عند صرفها بشكل كامل فان الميزانية للعام القادم مرشحة للزيادة (و هذا هو المطلوب لملأ البطون) .. اذن المطلوب من كل جهة مانحة ان تصرف هذا الفائض باي طريقة حتى لو تم رميها في اي مزبلة ... المهم ان تجد مؤسسات ان جي اوز تاخذ هذا الفائض و تعطي بدلا منه فواتير ضريبية تثبت عملية الصرف .. و لا مانع من بعض الصفقات (من تحت الطاولة ) لخدمة المصلحة العامة (للوطن) .. لا مانع من تحضير مسرحية سريعة لتمكين الشباب مثلا و عرضها مرة واحدة و صرف 80 الف دولار لتغطية هذا البند .. بالتقرير العام نكتب انها عرضت عشر مرات و لا احد يتبع او يحاسب .. و تتم الصفقة
لماذا يجب ان نسكت و نخرس عندما نتاكد ان بعض هذه الجهات الممولة مرتبطة بشكل وثيق باجهزة استخبارات اجنبية على رأسها السي اي ايه ؟؟ لماذا لا يجوز التطرق لهذا الموضوع ؟؟ مع انه الاخطر في كل ما ذكرناه .
ان فساد بعض المؤسسات الحكومية التابعة للسلطة و الموضوعة تحت مجهر (الرقابة) يعتبر فساداً (غلبان) مقارنة مع الفساد المبطن الذي بدأت رائحته تفوح من المنظمات الاهلية و مؤسسات المجتمع المدني
و السؤال الذي يطرح نفسه .. لماذا لم تنتقل هذه المؤسسات من مرحلة تقديم الخدمات اليومية المزيفة الى مرحلة الحوكمة و رسم السياسات و تأسيس مشاريع تنموية حقيقية على ارض الواقع ؟؟