تحقيق استقصائي لوطن والمرصد: بلدية البيرة أنفقت مليون ونصف المليون شيقل على تكرير مياه المستوطنات

17/04/2013
رام الله - وطن للأنباء - نزار حبش: أسلاك شائكة تحيط بها، وكاميرات مراقبة تلفها من كل الجهات، أبواب حديدية موصدة، ولافتة باللغة العبرية والعربية والإنجليزية، تحذرك من الدخول إلى محطة تنقية المياه العادمه التابعة لبلدية البيرة.

محطة تنقية المياه العادمه التابعة لبلدية البيرة، أقيمت بتمويل من الحكومة الألمانية بقيمة (18) مليون مارك ألماني عبر بنك التنمية الألماني، على ارض تقدر مساحتها بـ ( 22 ) دونماً، حيث تصل تكلفة تشغيلها إلى نحو 9 ملايين شيقل سنوياً، وبدأ العمل بها مطلع عام 2000.

تعالج المحطة نحو 5 آلاف متر مكعب يومياً من المياه العادمة ، وتخدم قرابة 50 ألف فلسطيني ومستوطن، لاسيما وأنها تعالج مياه المستوطنات المحاذية للمدينة دون أي مقابل.

مدير محطة تنقية المياه العادمة التابعة لبلدية البيرة محمود سليمان عابد، أكد بأن المحطة تستقبل يومياً مياه مستوطنتي "بسيغوت" المقامة على أراضي جبل الطويل و "بير يعقوب" المقامة على أراضي سطح مرحبا.

وبعد عملية بحث وتقص استمرت لأكثر من شهر توصل كاتب التحقيق إلى المعطيات الآتية :
• تعالج المحطة يوميا 75 كوباً من مجاري المستوطنات وفقاً لتأكيدات الطاقم الإداري والفني في المحطة.
• يبلغ سعر معالجة الكوب الواحد ( 4 شواقل و30 أغورة) وفقاً لكتاب رسمي صادر عن بلدية البيرة.
• تنفق البلدية يومياً (322 ) شيقل، ما يقارب ( 10 ) آلاف شيقل شهرياً تكلفة تكرير مجاري المستوطنات.
• مجموع انفاق البلدية على تكرير مياه المستوطنات تبلغ ( 118) ألف شيقل سنويا.
• تم تكرير أول كوب من المياه العادمة للمستوطنات مع تأسيس المحطة مطلع عام 2000.
• أنفقت البلدية قرابة مليون ونصف شيقل على تكرير المياه العادمة للمستوطنات، منذ إنشاء المحطة ( خلال 13 عاما)، وما زال الانفاق سارياً لغاية اللحظة.

ضرائب المواطنين تنفق على المستوطنات

في ضوء هذه المعطيات وفي الجهة المقابلة، نجد أن بلدية البيرة تفرض ضريبة على مواطني المدينة مقدارها (شيقل واحد وثمانون أغورة)، على كل كوب مياه شرب مستخدم مقابل عملية التكرير.

مدير البلدية زياد الطويل، أكد أنه في عام 2007 تم رفع الضريبة على المواطنين من (شيقل وعشرين أغورة) إلى (شيقل وثمانين)، بزيادة (ستين أغورة)، موضحاً، أن "جزءًا من هذه الضريبة يُنفق على تكرير مياه المستوطنات".

تضارب في التصريحات الرسمية

رئيس قسم الهندسة في بلدية البيرة موسى جويّد، أوضح أن " استقبال مياه المستوطنات الإسرائيلية وتكريرها في المحطة جاء في عام 2000 بعد اتفاق سياسي بين السلطة وإسرائيل".

وقال جويد لا يوجد أي اتفاقية أوعلاقة أو اتصال من قريب أو بعيد بين بلدية البيرة والمستوطنات، كاشفاً " الاتفاق كان على المستوى السياسي"، وأن "تكرير مياه المستوطنات كان مقابل سماح إسرائيل بترخيص محطة التنقية".

وفي السياق ذاته نفى مجلس المياه الوطني تصريحات البلدية السابقة، وأكد أنه تم ربط مياه المستوطنات العادمة بالمحطة رغما عن السلطة الفلسطينية.

وقال مدير عام مجلس المياه الوطني في سلطة المياه أحمد الهندي، إن الجانب الإسرائيلي قام بامداد خط مباشر لشبكة الصرف الصحي من المستوطنات لمحطة التنقية دون تنسيق أو إتفاق مع الفلسطينيين وبشكل أحادي الجانب، مضيفاً، "إسرائيل لم تشترط ترخيص المحطة مقابل تكريرها لمياه المستوطنات".

من جانبه، أكد مدير عام جمعية الهيدرولوجيين الفلسطينيين د. عبد الرحمن التميمي، أن تصاميم المحطة أنُجزت قبل قدوم السلطة، وفقاً لترتيبات بين بلدية البيرة وإسرائيل، مضيفاً "بعد قدوم السلطة هناك من أغمض عينيه عن الموضوع" !!.

يشار إلى أن الجهة الداعمة للمشروع والمتمثلة ببنك التنمية الألماني رفضت التعليق على القضية.

واتهمت مديرة البرامج في مرصد السياسات الاجتماعية والاقتصادية نور سليم ، الدول المانحة بعدم ممارسة أي ضغوط على سلطات الاحتلال فيما يتعلق بشروط التراخيص الممنوحة للمشاريع الفلسطينية.

وطالبت سليم الحكومة الألمانية والدول المانحة، بالضغط على الاحتلال كي تخدم المشاريع الفلسطينيين فقط، وعدم إشراك المستوطنات الإسرائيلية فيها.

عابد: "زيارات المستوطنين للمحطة تتم بالتنسيق مع بلدية البيرة"

تقع محطة تنقية المياه بـ"واد العين" الذي يبعد قرابة واحد كيلو ونصف الكيلو متر عن طرف المدينة الجنوبي الشرقي، ضمن الأراضي المصنفة "ج" حسب اتفاقية أوسلو، حيث يقيم جيش الاحتلال في جوارها برجا عسكريا للمراقبة، ويمنع الفلسطينيين من الاقتراب منها.

مدير محطة تنقية المياه العادمة التابعة لبلدية البيرة محمود سليمان عابد، كشف من خلال التحقيق أن المستوطنين يقومون بزيارة المحطة بين حين وآخر، قائلاً: "إدارة المحطة تبلغ البلدية برغبة المستوطنين في القدوم، لأننا لسنا أصحاب قرار، أو يقوم المستوطنين بإبلاغ البلدية، والبلدية تسمح لهم بذلك وليس إدارة المحطة"، في حين نفى رئيس قسم الهندسة في بلدية البيرة موسى جويّد هذا الامر، وأي علاقة بين البلدية والمستوطنات.

مطالبة مالية بـ17 مليون شيقل

مصدر مطلع في سلطة المياه الفلسطينية، كشف أن السلطة طالبت سلطة المياه الإسرائيلية بـ (17 ) مليون شيقل في بداية عام 2012 مقابل دخول مياه المستوطنات العادمة إلى محطة البيرة لتنقية المياه، وتعويضا للخلل أو العطب الذي يلحق بالمحطة بسبب عملية التكرير، وهو الأمر الذي لم يلقى استجابة من قبل سلطات الاحتلال.

مديرعام مجلس المياه الوطني في سلطة المياه أحمد الهندي، أكد أن المطالبة المالية بـ( 17 ) مليون شيقل للجانب الإسرائيلي، بمثابة تعويضات عن "التدمير الممنهج للمحطة"، وأن موقف السلطة واضح برفض شبك مياه المستوطنين العادمة، بمحطات الصرف الصحي الفلسطينية.

وتعقيبا على ما سبق قال عضو الإدارة العامة للمجالس المشتركة في وزارة الحكم المحلي سليمان أبو مفرح إنه " لا يوجد أي نوع من المطالبة المالية للمستوطنات بأي شكل من الاشكال، مقابل المياه العادمة التي تتدفق على محطة التنقية".

وأضاف أبو مفرح " فكرة الحصول على الأموال من المستوطنات مقابل تكرير المياه العادمة فكرة مرفوضة لأنها تأتي ضمن إطار اتفاقية مع المستوطنات وهذا مخالف لمبدأ الوزارة العام برفض أي تعاون مع المستوطنات في مجال البنية التحتية". 250 مليون من السلطة لإسرائيل

مع استمرار المحطة في تكرير مياه المستوطنين العادمة رغما عنهم كما يؤكدون وبدون مقابل مادي، فإن السلطة الفلسطينية لغاية اللحظة، دفعت ( 250 ) مليون شيقل لدولة الاحتلال منذ عام 2003، مقابل تكرير المياه العادمة الفلسطينية التي تتسرب من الضفة وتصل إلى داخل الخط الأخضر في خمسة مواقع، وتستفيد منها إسرائيل في الزراعة، وفقا لمعلومات مجلس المياه الوطني.

وخلاصة القول إن جزء من الأموال المخصصة للشعب الفلسطيني تذهب هباءاً منثورا لصالح المستوطنات الإسرائيلية، في وقت تعاني فيه السلطة الفلسطينية من أزمة مالية خانقة وديون متراكمة، وزارة المالية رفضت التعليق على نتائج التحقيق، لتبقى الحقيقة : مستوطنون يحتلون الأرض، والقابعون تحت الاحتلال يكررون الفضلات.

يشار إلى أن التحقيق جاء بالشراكة مع مرصد السياسات الاجتماعية والاقتصادية.