مثل اليابانيين في الغابة- بقلم: عوفر شيلح/ معاريف

30/11/2011
وزارة الخارجية، كما قيل أمس في العنوان الرئيسي في "معاريف"، تحذر الادارة الامريكية من مغبة اضعاف الجنرال طنطاوي، رئيس المجلس العسكري الذي يقود مصر الان. في قلب الخبر نقل على لسان مصادر اسرائيلية ادعت بان الامريكيين يكررون خطأهم منذ بداية السنة، حين تركوا الرئيس مبارك وساعدوا على سقوطه بشكل غير مباشر. وحذر "مصدر سياسي كبير" من أن اجراء انتخابات مبكرة اكثر مما ينبغي في مصر من شأنه أن يرفع الاخوان المسلمين الى الحكم.

خسارة التوقف عند مدى فعالية هذا التوقع، وان كان يخيل أن الوضع في مصر أكثر تعقيدا بقليل.
ما يهم بقدر لا يقل هو عدمية التوقع الذي يقول ان واشنطن يمكنها وينبغي لها ان تؤثر على ما يجري في مصر. وهذا يشهد كم ترفض مصادر في اسرائيل هجر العالم القديم، بما فيه من خطوط تخوم واضحة بين ما "لنا" وما "لهم". ليس أقل من هذا، يُفهم من ذلك كم نحن نطبق على العالم كله فهمنا الذي يتمحور حول امريكا عندنا وبموجبه المهم هو فقط ما يحصل لدى أصحاب القرار في واشنطن.

تعالوا نفترض للحظة أن إدارة اوباما ترى الامور بالضبط مثلما تراها المحافل رفيعة المستوى في إسرائيل. فماذا يفترض بهم أن يفعلوا؟ أن يقفوا خلف انقلاب عسكري، مثلما فعلت السي.أي.ايه عندما اسقطت آيندي في تشيلي في 1973؟ اسقاط حكومة منتخبة، مثلما فعل الامريكيون لحكومة مصدق في ايران في بداية الخمسينيات؟ أم ربما التدخل بالقوة العسكرية، مثلما فعلوا في فيتنام ومؤخرا في العراق في 2003؟ لكل هذه التدخلات كانت في المدى البعيد آثار سلبية على مكانة الولايات المتحدة في جنوب امريكا، في الهند الصينية وفي الشرق الاوسط، وكلها تنتمي الى عهد الحرب الباردة، التي تصارعت فيه القوتان العظميان على الهيمنة العالمية وأخذتنا لنفسيهما حريات مبالغ فيها، بما في ذلك الاجتياح العسكري لدول اخرى.

تلك العهود انتهت دون رجعة. الولايات المتحدة هي اليوم جزء من عالم متعدد الاقطار، لم تعد فيه قوتها العسكرية الحاسمة عنصرا كلي القدرة. أجهزتها الاستخبارية تكبح جماحها الادارة التي تضررت أكثر مما ينبغي من المرات من مؤامرات بدت ذكية على الورق. وهي تكافح بقايا حربين خلف البحار، انتهتا دون حسم وكلفتا ثمنا اقتصاديا وسياسيا باهظا.

الرئيس اوباما يفهم هذا جيدا. وهو يعرف بان قدرته محدودة ولهذا يفضل الا يلوح بها عبثا. يعرف ان الجمهور الامريكي لن يؤيد أي شكل من أشكال التدخل العسكري ولا يمكن تجنيده بقوة "نظريات الدومينو" التي كانت ذات مرة. يعرف انهم في العالم يعرفون هذا أيضا: تأييد أمريكي لمبارك ما كان لينقذه او حتى ليؤجل نهايته، بل كان سيزيد فقط الضغينة للامريكيين في الشارع المصري – الذي ما العمل هو الان اللاعب في الساحة، خلافا للعهود الطيبة التي كانت ذات مرة والتي كان يمكن فيها التعاطي مع النظام الطاغية فقط. مريح جدا عرض الرئيس الامريكي كمثالي ساذج. في نظري، هو واقعي سياسي يفهم العالم الجديد وغير ملتزم بالاوهام والاشواق لدى من لا يزالون يتمسكون بالنظام القديم الذي لم يعد قائما.

المخاوف في اسرائيل مما سيحصل في مصر مفهومة ومبررة. فهذا يحصل في حينا، ومن شأنه أن يؤثر علينا بشكل مباشر، ولكن سبيل التصدي لهذه الامور ليست في التمسك بالمفاهيم القديمة. فلن يكون لاقوال وأفعال الولايات المتحدة أي تأثير على مدى عمر حكم طنطاوي. الرسالة الاسرائيلية، سواء نقلت حقا الى واشنطن أم سربت فقط لاغراض داخلية، تدل فقط على أن الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط هي ايضا الدولة الاخيرة التي ترفض التخلي عن الحرب الباردة، مثل اولئك اليابانيين الذين لم يخرجوا من الغابة بعد عشرات السنين من استسلام اليابان في الحرب العالمية.