نفقد الشرعية... بقلم: بن – درور يميني/ معاريف

27/06/2011

خطوط التسوية لزعيم معسكر السلام ومسيرة اوسلو كانت واضحة: لا لدولة فلسطينية. ضم كتل استيطانية لدولة اسرائيل ومعارضة ازالة مستوطنات. القدس الموسعة جدا التي تضم معاليه ادوميم وجفعات زئيف. تحديد حدود أمنية في غور الاردن. هذه كانت هي المبادى التي توجه خطة رئيس الوزراء في حينه اسحق رابين، كما عرضت في الكنيست في 5 تشرين الاول 1995.

مرت ثلاثة اسابيع اخرى، وفي نهاية تشرين الاول بلور يوسي بيلين وابو مازن الاتفاب الذي يسمى على اسميهما. الاتفاق لم يعرض ابدا بشكل رسمي. ولكن لا جدال في مضمونه. نشر في "نيوز ويك" ونال اقتباسات عديدة. الاتفاق تضمن مبادىء مذهلة: القدس تبقى مدينة موحدة، فيما تكون ابو ديس عاصمة الدولة الفلسطينية والقدس يعترف بها كعاصمة دولة اسرائيل. بند اللاجئين تضمن قولا واضحا عن أن "الواقع الناشيء منذ 1948 يجعل حق العودة غير قابل للتطبيق" (البند 7.1) بمعنى، العودة لفلسطين وليس لاسرائيل. هذا أهم، اكثر بكثير من الاعتراف الفلسطيني باسرائيل كدولة يهودية.

بند المستوطنات يقضي بان تبقى الكتل الاستيطانية بسيادة اسرائيل، ويكون بوسع الاسرائيليين أن يواصلوا العيش في الدولة الفلسطينية. الدولة الفلسطينية تكون مجردة من السلاح، وتبقى فيها قوات عسكرية اسرائيلية، وتجرى فيها دوريات مشتركة على طول نهر الاردن. بيلين لم يكتفِ بعرض الاتفاقات على رابين، الذي قتل بعد بضعة ايام من بلورة الاتفاق. الاتفاق عرض على خليفته شمعون بيرس، الذي فضل الوصول الى انتخابات بدون اتفاق من شأنه أن يصوره كرجل يساري متطرف. مرت خمس سنوات اخرى، وهذا هو الاتفاق الذي استندت اليه مبادرة الرئيس الامريكي الاسبق بيل كلينتون. اسرائيل وافقت مع تحفظات. عرفات عرض رفضا تاما كعادته.

عند فحص مبادىء نتنياهو صيغة 2011 والطريق الطويل الذي اتخذه، واضح تماما انه تجاوز رابين من اليسار، وهو يوجد قريبا، قريبا جدا من المكان الذي كان فيه بيلين في تلك الايام. كل ما هو مطلوب من نتنياهو أن يفعله هو أن يخرج من الخزانة ذاك الاتفاق من العام 1995 وان يعرضه على ابو مازن: أتقبله أم لا تقبله؟ والجواب، كما اخشى، معروف مسبقا. ابو مازن سيصوت ضد ابو مازن. وهكذا بحيث أن صورة الوضع واضحة: القيادة الاسرائيلية، بما في ذلك الليكود، وبالاساس الليكود، قطعت شوطا جديا في اتجاه الحل الوسط التاريخي، في الوقت الذي سارت فيه القيادة الفلسطينية بالاتجاه المعاكس. كل مراجعة لوثائق المفاوضات التي تسربت في بداية السنة توضح ان الفلسطينيين تشددوا في مواقفهم بالقياس الى اتفاق بيلين – ابو مازن.

* * *

لماذا، إذن، اسرائيل هي التي تتخذ اليوم صورة الرافضة للسلام في العالم؟ اولا لان مشروع الاستيطان يجعل كل تسوية اكثر تعقيدا بكثير. بل ربما متعذرا. هذا ما اراده بعض من المستوطنين. اذا ما نجحوا، فستكون لنا هنا "دولة واحدة". بالضبط مثلما يريد اليسار المناهض للصهيونية.

ثانيا، في العالم الحر، لا يزال هناك اصدقاء لاسرائيل. هم ليسوا أقلية بائسة. هؤلاء الاصدقاء يضمون زعماء ايطاليا، فرنسا، المانيا، كندا بل وحتى زعماء بريطانيا والولايات المتحدة. لا فرق بين بوش، كلينتون واوباما. كلهم يعرضون على اسرائيل عرضا يقوم الى هذا الحد أو ذاك على اساس ذات المبادىء القديمة والمعروفة. في كل العروض التي اقترحت مؤخرا يوجد عنصر "الدولتين للشعبين". ليس فقط "دولتان"، كرواية الفلسطينيين، الذين لا يريدون الاعتراف بالشعب اليهودي. الاساس هو خطوط 67، مع تعديلات تسمح بابقاء اغلبية المستوطنين في الجانب الاسرائيلي. اسرائيل ستكون قادرة على ان تهضم مثل هذه الصيغة، وليس بسهولة، فقط اذا ما تضمنت استبعاد الخيال الفلسطيني بشأن العودة. بالضبط مثل اتفاق بيلين – ابو مازن في 1995.

الحركة الصهيونية، ولاحقا اسرائيل، وصلت الى كل ما وصلت اليه – انجازات سياسية، اعتراف دولي، ازدهار – فقط لانها عرفت دوما كيف تحافظ على شيء واحد: الشرعية الدولية. بن غوريون ربما قال: "الامم المتحدة قفراء" ولكنه فعل العكس تماما. فقد قاد الحاضرة ولاحقا اسرائيل بشكل حافظ دوما على الشرعية الدولية. بعد سنة من تلفظه بالقفراء، توبيخ صغير من الولايات المتحدة دفعه الى ان ينثني بعد حملة سيناء، وينفذ انسحابا عاجلا جدا. بالمقابل، فان الطرف العربي لم يقل: "الامم المتحدة قفراء" ولكنه تصرف هكذا. النتيجة معروفة. اسرائيل دوما قالت نعم وحققت انبعاثا. هم قالوا لا، وحققوا نكبة.

غير أن شيئا ما تغير. رئيس وزراء اسرائيل خرج الى الولايات المتحدة مع تصفيق عاصف في الكونغرس. غير أنه في أمر واحد خسر خسارة كبيرة، وكلنا خسرنا: الانطباع الذي نشأ هو أن اسرائيل تقول لا لاوباما. العكس حصل في الجانب الفلسطيني. منذ أن بدأ الثنائي عباس وفياض يبتسمان للعالم، تحظى السلطة الفلسطينية بالانجازات. اسرائيل دحرت الى الهوامش. ابو مازن هو الذي قال نعم للمبادرة الفرنسية، واسرائيل هي التي قالت لا. الحكمة أدت الى الشرعية. وكلاهما انتقلا الى الطرف الفلسطيني.

لا يزال الامر غير متأخر. اسرائيل ملزمة بان تكون نعم لكل مبادرة. وفقط بعد ذلك تضع الشروط. الـ "نعم" تعطي الشرعية لـ "لكن". هذه كانت الصيغة المظفرة لاسرائيل. محظور التنازل عنها.

العلويون مع الصهاينة وضد المسلمين

منذ أكثر من سنوات جيل والنخبة العلوية تسيطر على سوريا. يوجد هنا شيء من دهاء التاريخ. لانه حتى 1920 كانت العلويون هم ابناء الطائفة الدون والاكثر عزلة في سوريا. وقد كانوا يسمون اساسا "نصيراتيين" وهم لم يكونوا يعتبرون مسلمين. الاعتراف بهم كمسلمين لم يكن الا في العام 1973 من الزعيم الشيعي موسى الصدر. هذا اعتراف شيعي موضع خلاف. سياسي أكثر منه ديني. مشكوك أن يرى السنة فيهم مسلمين، وذلك لان الدين الخفي بعض الشيء للعلويين يتضمن اسسا مسيحية.

التعاون مع الحكم الفرنسي حسن مكانتهم. فقد نالوا حكما ذاتيا، وسعوا الى تخليد الحكم الفرنسي. كما أنهم طالبوا بدولة مستقلة في منطقة اللاذقية، حيث توجد لهم أغلبية. ومع تبلور حزب البعث العلماني نجحوا في التسلق الى الاعلى حتى الاستيلاء على الحكم.

أبو جد الرئيس الحالي، سليمان الاسد كان أحد وجهاء الطائفة العلوية. في 1963، وقع على رسالة لرئيس الحكومة الفرنسية ليئون بلوم توضح "الهوة العميقة بيننا وبين السنة". كما وقع على رسالة اخرى: "اليهود جلبوا معهم السلام والتنمية، نشروا الازدهار في فلسطين ولم يستغلوا أحدا. ومع ذلك، فقد اعلن الفلسطينيون عليهم الجهاد ولم يترددوا في ذبح النساء والاطفال... مصير رهيب وفظيع بانتظار اليهود اذا ما انتهى الانتداب، واتحد المسلمون". العلويون، عمليا خافوا على مصيرهم هم. غير أن مصير العلويين تحسن بالذات. بدلا من أن يصبحوا مذبوحين، صاروا ذابحين.

من الصعب قطع الخلفية التاريخية عما يحصل هناك الان. هذه ثورة الاغلبية السنية ايضا. الشهادات على دور مزدوج لايران وحزب الله لا يجب أن تكون مفاجئة. فالعلويون هم سليلون غريبون بعض الشيء للشيعة. في الانتفاضة السنية لا بد هناك اسس رغبة في الحرية والتحرر. ولكن يخيل بان لدينا أيضا استعراضا آخر للشرق الاوسط القديم، موضع الخلافات القبلية، الطائفية والدينية.