تحقيق استقصائي يكشف.. شبهات فساد في ملف "تعويضات اعتداءات المستوطنين" في حوارة

07/11/2024

صرخات لفتح ملف التعويضات في حوارة

استياء شديد من بلدية حوارة واتهامات بعدم النزاهة

فتح تؤكد وقوع أخطاء ووجود إهدار للمال العام

27 شكوى على طاولة الهيئة المستقلة لحقوق الانسان

أمان: هناك نقص تشريعي خطير، ويجب إنشاء صندوق  لتقديم التعويضات

وطن للانباء- وفاء عاروري: بسياجٍ حديدي بسيط هكذا يحاول المواطن عبدالله عودة من بلدة حوارة جنوبي نابلس، حماية بيته وأرضه من اعتداءات المستوطنين المستمرة على حوارة، عودة الذي أحيى هذه المنطقة قبل سنوات بمنتجع سياحي أقامه هنا، وقف وحيدا في مواجهة المستوطنين، الذين لم يتركوا شجرا ولا حجرا إلا وأحرقوه.

ففي شباط من العام المنصرم 2023، هجم المئات من المستوطنين على بلدة حوارة، وأحرقوا كل ما وجدوه أمامهم فكانت بيوت المواطنين ومركباتهم وأرزاقهم ضحايا هذا الاعتداء، لتقدر الخسائر لاحقا بأكثر من 14 مليون شيقل، في يوم واحد فقط.

حكومة محمد اشتيه آنذاك، أصدرت قرارا بتعويض المتضررين وشكلت لجنة وزارية برئاسة الحكم المحلي وعضوية هيئة مقاومة الجدار والاستيطان وغيرها من الوزارات ذات العلاقة، لإدارة هذا الملف.

صرخات لفتح ملف التعويضات في حوارة

اليوم وبعد مرور نحو عام ونصف على تلك القضية، وبعد أن أغلق الملف من قبل الجهات المسؤولة، أعادت صرخات المواطنين في حوارة فتحه من جديد، موجهين اتهامات لجهات عديدة بوجود فساد في ملف التعويضات.

يقول المواطن عبد الله عودة، الذي ترك وحيدا في مجابهة المستوطنين في المنطقة التي يسكنها، أن غالبية الاعتداءات التي تحدث في حوارة، تبدأ من المنطقة التي يسكن فيها، كونها منطقة مفتوحة بالكامل أمام المستوطنين، فلا يوجد أي شيء يمنعهم من الوصول ومداهمة البيوت وحرقها، ويتابع: رغم ذلك البلدية لم تفعل لنا اي شيء بالمطلق، لم تحاول حمايتنا بأي وسيلة، كل ما استطعت فعله بمجهود شخصي هو سياج حديدي.

وأوضح عودة أن البلدية حصلت على العديد من المنح والمساعدات من الدول المانحة وخاصة الامارات من أجل حماية المواطنين من خطر مداهمات المستوطنين، وتعزيز صمودهم على أراضيهم، ولكن هذا المال، وفقا لعودة، استخدم في غير مكانه الصحيح، فقد عملت البلدية من خلاله على تأهيل واستصلاح أراضي أخرى، وشق طرق جديدة وسط البلدة، في مناطق بعيدة كل البعد عن مداهمات المستوطنين ولم تتعرض بالمطلق لأي اعتداء سابق.

واتهم عودة البلدية بالمحسوبية، ووجود مصالح شخصية لبعض أعضاء المجلس في استصلاح هذه الأراضي المملوكة لهم، وجعلها كنوع من الاستثمار.

استياء شديد من البلدية واتهامات بعدم النزاهة

الشعور ذاته تملكه العديد من المواطنين الذين قابلناهم في بلدة حوارة، والذين عبروا عن استيائهم الشديد من الآلية التي تم من خلالها منح التعويضات في البلدة، مبينين أن هناك العديد من المواطنين حصلوا على التعويض لم يقع لديهم أي ضرر بالمطلق، في الوقت الذي لم يحصل المتضررون على حقوقهم.

ورغم كون اللجنة الوزارية هي من حصرت الأضرار وقامت بكتابة تقريرها، ودفع التعويضات على هذا الأساس، إلا أن بلدية حوارة لعبت دورا في مرافقة اللجنة وتوجيهها أثناء عملية حصر الأضرار وتقييمها، وعلى هذا الأساس اتهمها لعديد من المواطنين بالمحاباة وعدم تحليها بالنزاهة والشفافية، وتقديم تعويضات لأشخاص لم يتضرروا من الحريق، على حساب المتضررين.

المواطن سلطان أبو سرير، والذي وقعت لديه اضرار كبيرة جراء هذا الاعتداء، قال: هناك فساد كبير طبعا، والمال الذي قدم كمساعدات الى المناطق المتضررة استخدمته البلدية في فتح شوارع وبناء جدران استنادية واستصلاح اراضي في مناطق آمنة بعيدة عن الاستيطان.

المواطن هاني ضميدي أكد أيضا أن ما حدث كان ظلما كبيرا، ومن له معارف في البلدية أخذ مبالغ كبيرة، أما نحن في المنطقة الشمالية المستهدفة من المستوطنين فتركنا حتى دون اسوار أو أي وسيلة للحماية من اعتداءات المستوطنين.

بلدية حوارة ترد

توجهنا إلى بلدية حوارة لأخذ ردها على هذه الادعاءات الواردة في هذا التقرير، فقال  رئيس بلدية حوارة جهاد عودة أن المشاريع التي اطلقتها البلدية في حوارة وشقها لطرق في مناطق بعيدة عن مرمى الاستيطان نسبيا، هو جزء من إعادة إعمار حوارة، متجاهلا أن مفهوم إعادة الإعمار في أساسه قائم على وقوع الضرر.

وعن اهمال العمل في مناطق ج والمناطق المعرضة للاستيطان فقد برر رئيس البلدية ذلك بوجود مخاطرة في العمل في هذه المناطق وحاجته للحصول على الموافقة الاسرائيلية على اي مشروع.

فتح تؤكد وقوع أخطاء ووجود إهدار للمال العام

أمين سر اقليم فتح في حوارة كمال عودة، وفي سياق رده على ما ورد من ادعاءات في هذا التقرير قال إنه على الرغم من الجهود التي بذلتها لجنة إعادة اعمار حوارة، إلا أن هناك العديد من الأخطاء التي وقعت، وهناك أشخاص غير مستحقين للتعويض حصلوا عليه على حساب عدم استيفاء الحقوق للعديد من المتضررين.

كما لم ينف أمين السر وجود إهدار للمال العام في بعض المشاريع التي عملت عليها البلدية داخل البلدة.

ترمسعيا منسية

وليس في حوارة فحسب، فعلى بعد بضعة كيلو مترات تعرضت بلدة ترمسعيا منتصف العام الماضي لهجمة كبيرة من المستوطنين، قدرت فيها خسائر البلدة بنحو 18 مليون شيكل، ورغم وجود قرار بتعويض المواطنين عن أضرارهم إلا أن أي جهة رسمية لم تقدم الدعم المطلوب.

قابلنا العديد من المواطنين في ترمسعيا، الذين اتهموا البلدية بالتقصير في هذا الملف، مشيرين انه حتى الدعم البسيط الذي وصل على شكل طفايات حريق، كان فيه نوع من المحسوبية والمحاباة في التوزيع، حيث استثنيت المنطقة التي تعرضت للحريق ، ووجهت المساعدات إلى وسط البلدة.

المسنة ميسر صالح التي تعرض بيتها للحرق بالكامل من المستوطنين، قالت انه ما حدث آنذاك كان واقعة مهولة، فالبيت كان يحترق وهي مسنة جالسة في مكانها لا تقوى على الحركة ولم تدرك الحريق الا بعد ان التهم اجزاء كبيرة من منزلها.
وحول الدعم أكدت ان جهة واحدة فقط "غير حكومية" قدمت دعما بسيطا للعائلات المتضررة، وحتى طفايات الحريق التي وصلت وزعتها البلدية كما تريد ولم تأخذ بعين الاعتبار البيوت التي تم حرقها في تلك الحادثة.

المواطن غسان شحادة أكد هو الاخر انه تم حرق سيارتين له وتكسير شبابيك، مبينا أن ذات الجهة  "غير الحكومية" قدمت دعما صغير لهم، أما الحكومة او البلدية او غيرها فلم تقدم اي شيء.

وقال إن دور البلدية المطالبة بحقوق المواطنين من السلطة، كغيرهم من القرى التي وقعت لديهم اعتداءات وتم تعويضهم بمبالغ كبيرة.

المواطنة نهاد كساب أوضحت أن العديد من الأشخاص حضروا إلى منزلها الذي حرقه المستوطنون واطلعوا على الاضرار ولكن اي جهة لم تقدم الدعم المطلوب باستثناء الاغاثة الدولية التي قدمت دعما بسيطا لهم.

البلدية: السلطة في ضائقة مالية

من جهته برر لافي شبلي، رئيس بلدية ترمسعيا عدم تقديم المساعدات والتعويضات لأهالي ترمسعيا، بالأزمة المالية التي تعاني منها السلطة، مبينا أن السلطة اعتمدت على المغتربين من أبناء البلدة في تعويض الخسائر التي وقعت، وانشغل بالثناء على بعض الجهات الرسمية بتقديمها مساعدات بسيطة للبلدة، لا تكاد تذكر.

توجهنا إلى وزارة الحكم المحلي في رام الله للحصول على تعقيبها حول ملف التعويضات، تواصلنا مع مدير مديرية الحكم المحلي في نابلس، ومع مديرية الحكم المحلي في رام الله، إلا أنهم اعتذروا عن الرد نظرا لإغلاق هذا الملف وعدم رغبتهم في فتحه من جديد.

أين تقرير اللجنة؟

مع العلم ان اللجنة التي شكلتها الحكومة لم تصدر تقريرا رسميا بشأن نتائج عملها كما ان رؤساء البلديتين "حوارة وترمسعيا" اكدوا انه لم يصلهم اي تقرير من اللجنة وفقا لقولهم، ليبقى حالها حال عشرات اللجان التي شكلتها الحكومة وبقيت تقاريرها طي الكتمان وفي ادراج مغلقة.

أيضا توجهنا لهيئة مقاومة الجدار والاستيطان، للرد على ما ورد في هذا التحقيق من ادعاءات، فأكد عبد الله أبو رحمة، مدير عام دائرة العمل الشعبي في الهيئة، أن متابعة عمل اللجنة الوزراية هو مسؤولية الامانة العامة لمجلس الوزراء، كونها هي من أسس هذه اللجنة بالأساس.

اما بخصوص عدم رغبة مجلس حوارة في العمل في مناطق ج نظرا لوجود مخاطرة، فقال ابو رحمة إن كل مجلس يعزف عن العمل في المناطق المهددة بالاستيطان والمصادرة لا يستحق ان يكون مجلس، مبينا ان هناك العديد من الطرق التي بإمكان اي مجلس ان يستخدمها من اجل العمل في هذه المناطق.

27 شكوى على طاولة الهيئة المستقلة لحقوق الانسان

الباحث القانوني في الهيئة المستقلة لحقوق الانسان، عمار جاموس، أكد أن 27 شكوى وردتهم حتى تاريخ إجراء المقابلة، من المواطنين في شمال الضفة الغربية، احتجاجا على غياب النزاهة والعدالة في توزيع التعويضات، من جهات مختلفة.

ووفقا للدستور الفلسطيني، فإن السلطة ملزمة بتعويض المتضررين من اعتداءات المستوطنين، إلا أن القانون لم يضع أي أسس أو الية واضحة لمنح هذه التعويضات، ما ابقى باب الاجتهاد مفتوحا امام الجهات الرسمية للتعامل مع هذا الملف.

أمان: هناك نقص تشريعي خطير

المستشار القانوني لائتلاف أمان، بلال البرغوثي أكد أن هناك نقص تشريعي خطير في هذا الملف، مبينا أن القانون الموجود عام 2004 لا يمكن تطبيقه على ارض الواقع.

وقال: نحن بحاجة الى انشاء صندوق  لتقديم التعويضات أو على الأقل أن يكون هناك دليل يمكن الاسترشاد به لتقديم التعويضات في المناطق المتضررة، على غرار الدليل الذي أعدته أمان مع وزارة التنمية الاجتماعية قبل سنوات لتقديم المساعدات الانسانية.

وجود شبهات فساد في التعويضات التي قدمت في حوارة وترمسعيا، يطرح العديد من الأسئلة حول ما يحدث وقد يحدث في التعامل مع ملفات اخرى مشابهة في طولكرم وجنين، التي تتعرض يوميا لاعتداءات من الاحتلال، بالتالي فإن غياب الرقابة والمتابعة لهذه القضية قد تساهم في وقوع المزيد من الاخطاء التي يدفع ثمنها المواطنون من حقوقهم.