ما قبل الفيتو...بقلم: خيري منصور

28/09/2011

ما من مرة تستخدم فيها الولايات المتحدة الفيتو ضد قضايا عربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية أو تهدد باستخدامه إلا وتعود بنا الذاكرة إلى ما كتب مراراً وتكراراً عن نفوذ اللوبي اليهودي في نيويورك، سياسياً من خلال المواسم الانتخابية واقتصادياً من خلال قوة رأس المال واحتكاره وإعلامياً من خلال السيطرة على الميديا وأهم شبكاتها ومنابرها .

لقد حاول بعض المثقفين العرب التقليل من شأن هذا النفوذ على السياسة الأمريكية، ومنهم د . صادق جلال العظم الذي رأى قبل فترة طويلة أن العرب يبالغون في دور اللوبي اليهودي على أمريكا بحثاً عن ذرائع تبرر قصورهم، فأمريكا دولة عظمى وشبه امبراطورية ولها مصالحها وسياستها الخارجية المرتبطة بهذه المصالح .

وهناك كتاب أثار لدى صدوره سجالاً واسعاً في أوساط اللوبي اليهودي في نيويورك من تأليف جوناثان غولدبرغ عن قوة اليهود في أمريكا لا نحتاج إلى  فيتو جديد مضاد للمصالح العربية كي نعيد قراءته، وغولدبرغ يهودي من نيويورك وهذا يعني أنه رأى المشهد من الداخل، كما أنه عمل في صحف عدة منها “النيويورك تايمز” و”نيو ربابلك” .

هذا الكتاب لم يفقد صلاحيته بالتقادم ولم تصدر عن اللوبي اليهودي اطروحات مضادة له تفند ما جاء فيه، فهو بالفعل يقدم وثائق ومقابلات واستنتاجات، اضافة إلى كونه شاهداً من الداخل ومن أهله أيضاً تؤكد دور  ذلك اللوبي، لكنه يبدأ كتابه بما يستحق أن يتوقف القارئ العربي قبل الأمريكي عنده طويلاً، يقول: “سيسجل التاريخ أن اليهود الأمريكيين منذ أكثر من ثلاثة قرون لم يكن لهم عدو أكبر من أنفسهم، وهو بالطبع لا يلغي ما تعرضوا له من أزمات، فكيف أصبح اليهودي عدو نفسه؟

هذا السؤال حاول أن يجيب عنه قبل غولدبرغ يهودي آخر هو اسحق دوتيشر، وهو روسي ماركسي، عندما أصدر كتابه الشهير بعنوان “اليهودي اللايهودي” الذي اغضب قادة الصهيونية، بحيث رفض ذات يوم بن غوريون مصافحته، لسببين أولهما أفكاره المتحررة من الصهيونية، وثانيهما أنه لا يكتب باللغة اليديشية وهي لغة طقوسية دينية شبه بائدة .

 

ثم تشاء مفارقات عصرنا وكوميديا السياسة فيه أن يحصل كاتب يهودي على جائزة نوبل، وتكون كتابته باليديشية إحدى الحيثيات التي وردت في نص الجائزة .

إن ما قاله دوتيشر في موسكو وغولدبرغ في نيويورك على الرغم من الفارق الفكري والايديولوجي على استحياء يقوله الآن عديد من الكتّاب اليهود، قاله إسرائيل شامير، وإسرائيل شاحاك، ويقوله الآن يوري افنيري وآخرون، فاليهودي المتطرف أنتج يهوداً من صلبه، لأنه لا يطيق البطالة عن الغيتو والخرافة كبديل للتاريخ، وأخيراً احتكار دور الضحية .

ما يفعله نتنياهو الآن هو ضد اليهود رغم أنه باسمهم، لأنه يستعدي العالم باطروحاته المضادة لحركة التاريخ ومستقبل الإنسانية.

                                                                                   عن جريدة الخليج