كتب يوسف شرقاوي: الأفضل أن تقيّم الحرب "الإبادة والبقاء" بعد أن تضع الحرب أوزارها، وتنقشع غبارها
لكن علينا أن نقيّم هذه الحرب، مهنيا، موضوعيا، ميدانيا، معنويا، وسياسيا بعيدا عن الرغبوية، وحبنا وتأييدنا لهذا الطرف أو ذاك، سيما أن خسائر الأطراف المنخرطة فيها لم تحصى بعد، بشريا، ماديا، اقتصاديا، معنويا، وسياسيا، وتأثير معظم النتائج على مستقبل كافة الأطراف، المشاركون مباشرة، والداعمون
وهنا أود أن أتطرق فقط لموضوعين أثّرا على مسرح العمليات اليومية على الأرض، من المفاجأة، التي لم تكن لتتحقق لولا تقدير الموقف الدقيق، لمن قام بتلك المفاجأة، تقدير الموقف الصائب هو: "بأن تضع حلولا لكل احتمال متوقع" وأولوية ترتيبها "الأهم، ثم المهم، ثم الأقل أهمية"
تقدير الموقف الصائب هو أساس النجاح، وهو الأهم لاتخاذ القرار، وإصدار الأمر
غزة، كانت ناجحة لأبعد الحدود في تقدير الموقف وهذا ما انعكس على الأداء القوي ميدانيا رغم التراجع النسبي في الأداء العملاني بعد عام من المعارك المتواصلة والتي لم تتوقف ولو لساعة واحدة وهذا يخضع للإمكانيات الموجودة والمتاحة، وللخسائر في الأفراد والوحدات، وتدمير عدد لا يستهان به من مستودعات الأسلحة والأنفاق، وللخسائر الهائلة في صفوف المدنيين، وتدمير كافة البنى التحية "٧٥%" من المباني والمرافق العامة وخاصة المستشفيات.. إلخ
شمالا، أي لبنان، انعكس التردد سلبا على تقدير الموقف واتخاذ القرار، واصدار الأمر بدخول المعركة بكل ما أوتي الحزب من قوة، وبرغم أن ذلك يخضع لتعقيدات الساحة اللبنانية، وهذا عامل هام للغاية شكل العبء الرئيسي على اتخاذ القرار، وهنا قد يجد "المتتبع" بعض الأعذار، فالقيادة هناك حاولت أن تكسب الحرب بقواعد الاشتباك القديمة، تقدمت أحيانا وتراجعت أحيانا أخرى "إسناد" والتردد بدخول الحرب بزخم وقوة تتناسب بقدرة ومقدرة الموجود لديها من إمكانيات نارية صاروخية وغيرها يعتد بها ناهيك عن مساحة وعمق الاختراقات، في تقنيات التكنولوجيا والبشر، والتصنت الهادئ على الحزب منذ ما قبل العام ٢٠١٤، وتقدير موقف إسرائيلي بناءا لهذا التصنت الهادئ، والخروقات البشرية، جرى التسلل لوعي الحزب، وتقييم ما قد يتخذ من قرارات دراماتيكية قد تفشل خطط إسرائيل في الوقت المناسب لها للانقضاض على الحزب وقوته، و وصلت لقناعة بأن بإمكانها عن طريق الترويع والصدمة تفجير أجهزة النداء "البيجر" وهواتف أخرى في الوقت المناسب "لو قدر لخطتها المبيتة بأن تنجح ١٠٠% لقطعت أيدي معظم مقاتلي الحزب دفعة واحدة، وهذا الخرق المادي "التقني" والبشري أدى إلى تصفية معظم القادة بدءا بالقيادات الميدانية الرئيسية، مرورا بتصفية الأمين العام للحزب، وخلفه لاحقا وعدد لا يستهان به من مقاتلي الحزب " تصفية أفقية أقل من التصفية العامودية"
خطيئة قيادة الحزب، تكمن في اعتقادها بأن التلويح بالقوة، والعديد والعتاد سيردع إسرائيل والمشاركين معها، والداعمين لها في الحرب عليه وعلى غزة، مما أوقعه في التردد، واستغلال انشغال قوة جيش الاحتلال الرئيسية جنوبا
بعد سلسلة الاغتيالات الآنفة الذكر في صفوف الحزب، تجاوز الحزب الصدمة الكبيرة في صفوفه ويعود الفضل في ذلك، لمن تبقى من قيادة الحزب الأفقية وتشكيلاته على الأرض، وهذا كان لافتا للمتتبعين للأداء الميداني والعملاني للحزب، ولوحظ بوضوح التحسن السريع لأدائه الميداني وخير دليل على تحسن أدائه الميداني القتال المتماسك والقوي، إزاء بدء الاجتياح البري المحدود، والذي لا يعرف نيّة وأهداف من خطط لهذا الاجتياح من حيث العمق والأهداف والنوايا، وهل سيخضع عمق هذا الاجتياح للنجاحات والإخفاقات على الأرض أم لا؟
وأخيرا وليس آخرا، لا يمكن هنا إغفال أو إسقاط أو تناسي أداء الجيش الإسرائيلي العملاني في الجنوب والشمال وعدم الاستهانة بهذا الأداء، بالاستناد إلى عدد من المحللين العسكريين والسياسيين الإسرائيليين، والفلسطينيين، والعرب ، والأجانب حيث العدد الكبير من المحللين العسكريين الإسرائيليين يقولون بأنهم يواجهون على الأرض "عدوا" يقاتل قتالا شرسا ومعقدا وغير مسبوق، ويواجهون مقاتلون أشداء يقاتلون بأسلحة جيدة وحديثة، يتمتعون بمهارة ميدانية جيدة جدا، ويستندون لتعقيدات ميدانية من موانع وأنفاق، وفتحات أنفاق بعضها معد مسبقا
في المقابل، هناك عدد كبير من المحللين العرب والفلسطينيين يقيّمون أداء المقاومة بالجيد جدا
أما الطرف العالمي وبعضم عربا يقيمون في أمريكا والدول الغربية، من ذوي الخبرات المرموقة في التحليل العسكري "وهذا التقييم كان يحب أن يخضع لميزان القوى والدعم المستمر، والإمداد الذي لا ينقطع عن جيش الاحتلال، قالوا: "بأن أداء الجيش الإسرائيلي فاق المتوقع، وأن الأداء في الميدان كان جيدا جدا، وهنا كان عليهم ذكر قوة النار التدميرية للمنازل، وللبنى التحتية الفلسطينية، وعقيدة الأرض المحروقة، والعدد الغير متوقع ومسبوق من حيث إزهاق أرواح المدنيين العزّل ليكون التقييم أكثر موضوعية
وعندما وجه لهم نفس السؤال، أي كيف كان أداء المقاتل الفلسطيني أجابوا بالأداء المذهل.