إسرائيل لا تستطيع أن تبالغ في الرد!

04/10/2024

كتب د. رمزي عودة: تصاعدت دائرة الصراع في الشرق الأوسط بعد قيام قوات الحرس الثوري الايراني بتوجيه أكثر من 200 صاروخ باليستي ضد القواعد العسكرية والاستخباراتية الاسرائيلية، وخاصة قاعدة "نيفاتيم" الجوية التي تظهر الصور الجوية بأنها دمرت بشكل شامل. المتحدث باسم الجمهورية الايرانية برر هذه الضربة بأنها رد على اغتيال إسماعيل هنية وحسن نصرالله . وبرغم أن الضربة لم تقتل أي إسرائيلي، ولم تعلن عن حجم خسائرها العسكرية جراء هذه الضربة، الا أن رسالة إيران وصلت لإسرائيل بوضوح، وهي أنها قادرة على ضرب العمق الاسرائيلي اذا ما احتاجت لذلك في المرات المقبلة، لاسيما أنها تمتلك مئات الالاف من الصواريخ الباليستية. وهذا بالضبط  ما دفع الحكومة الاسرائيلية الى تصعيد لهجتها ضد إيران، حيث هدد نتنياهو بوضوح إيران، وأكد على أن رداً إسرائيلياً سيكون قوياً ومدمراً، وكرر مقولته بأن إسرائيل بإمكانها أن تصل الى أي منطقة في الشرق الأوسط.

في الواقع، لا تمتلك إسرائيل مخزوناً استراتيجياً معلناً عنه من الصواريخ الباليستية، ولكن بعض التقارير تشير الى إمكانيات إسرائيلية هائلة في مجال إنتاج الصواريخ الباليستية لا سيما أنها تمتلك صواريخ "أريحا"، والتي بإمكانها أن تصل الى أي نقطة في إيران. من جانب
أخر، تمتلك إسرائيل أكبر قوات جوية في المنطقة يبلغ قوامها نحو 600 طائرة مقاتلة، وتشتمل هذه القوات على طائرات F35 المتطورة وذات القدرات الاستراتيجية العالية، إضافةً الى طائرات معدلة من F15  ومقاتلات F16 . وَإضافةً الى هذه القوة العسكرية التدميرية، تمتلك إسرائيل قدرات استخباراتية عالية، وقد استخدمتها أكثر من مرة في ضرب العمق الايراني، وكان أخر هذه الضربات اغتيال هنية في قلب العاصمة الايرانية، كما أن الحديث يدور الأن عن اختراق في الأجهزة الأمنية الإيرانية لاسيما في فيلق القدس، حيث تم استيراد أجهزة البيجر المفخخة، كما تم اغتيال حسن نصر الله في الضاحية الجنوبية. وفي ضوء كل هذه المعطيات الأمنية، تمتلك إسرائيل قدرات عالية على الرد العسكري ضد إيران، ولكنها بالمقابل لا تستطيع جعل هذه الضربة شاملة، بحيث تقضي على المفاعلات النووية الايرانية أو تقوم بتدمير شامل للقدرات الصاروخية لإيران، وذلك لعدة أسباب:
أولاً: إن ضرب المفاعلات النووية الإيرانية سوف يؤدي الى تلوث إشعاعي نووي خاصة أن التقديرات العسكرية تشير الى أن إيران تمتلك على الأقل 300 كغم من اليورانيوم المخصب. وسيكون لهذه الضربة تأثير إشعاعي واسع لمئات السنين، وسيتوسع تأثيره الى مناطق شاسعة في الشرق الأوسط بما فيها إسرائيل نفسها.
ثانياً: إن ضرب المفاعل النووية الإيرانية سيجبر إيران على الدخول في حرب شاملة ضد إسرائيل، وهو الأمر الذي لا تريده اسرائيل ولا حلفائها، فإيران دولة قوية وتمتلك أدوات تأثير كبيرة في الشرق الاوسط وتستطيع التأثير سواء من خلالها أو من خلال وكلائها على المصالح الغربية ليس فقط في المنطقة وانما في العالم ككل.
ثالثاً: إن قيام إسرائيل بتوجيه ضربات استراتيجية شاملة ضد إيران سيدفع الأخيرة الى إعادة إنتاجها لفكرة "الشرطي الإيراني في منطقة الخليج"، وهو الأمر الذي سيؤدي الى قيام القوات الإيرانية أو وكلائها باحتلال بعض المناطق في الخليج العربي، وهذا إن حدث فإنه سيعقد المسألة في العالم ككل وسيعيد الى الأذهان حرب الخليج.
رابعاً: لن تسمح الصين وروسيا بضرب حليفهما الاستراتيجي إيران ضربةً شاملةً، خاصةً أن لها مصالح اقتصادية واستراتيجية في المنطقة، ولن تترك هاتين الدولتين الكبيرتين المنطقة تحت النفوذ الأمريكي والاسرائيلي.
وفي النتيجة، يمكنني القول بأن إسرائيل ستتردد كثيراً بتوجيه ضربات شاملةً واستراتيجيةً ضد إيران، وستقتصر الضربة على قواعد عسكرية محدودة وربما تتسع بحذر الى مصافي وأبار النفط، ولكنها أبداً لن تشتمل على ضرب المفاعلات النووية الايرانية.