وطن للأنباء: كتب هيثم الشريف: تمتلئ صفحات مقاطعة المنتجات الإسرائيلية في الضفة الغربية بصور منتجات يسأل أصحابها هل هي مدرجة في قوائم المقاطعة. مشهد مشابه يُلاحظ، خارج الفضاء الافتراضي، في المتاجر الفلسطينية للمستهلكين وهم يقلّبون المنتج ليتعرفوا على أصله وفصله.
تقاطع الضفة منتجات أبرزها الحليب والألبان والعصائر والبوظة ومعطرات الغسيل. "من اليوم الأول للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. نقاطع أنا وعائلتي، من صغيرنا إلى كبيرنا، المنتجات الإسرائيلية، كالألبان والقهوة"، يقول بسام قفيشة (40 عاماً) من مدينة الخليل، الذي يرى في المقاطعة "واجباً وطنياً وأخلاقياً"، حسب وصفه.
لم تتردّد عائلة بسام كذلك في مقاطعة الشركات الداعمة لإسرائيل كتلك المصنّعة للمشروبات الغازية وغيرها. ويقول بسام "حتى ابني البالغ من العمر أربع سنوات قاطع الشوكولاتة المفضلة لديه".
لعلّ حملة مقاطعة المنتجات الإسرائيلية في الضفة الغربية، منذ بدء حرب الإبادة في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، لم تكن الأولى من نوعها. "إلا أن حجم المقاطعة هائل، للمنتجات الإسرائيلية والأجنبية الداعمة لإسرائيل، على حد سواء. كما أن العمل في الحملة منهجي وذو تأثير كبير"، يقول رشاد يوسف، مدير عام السياسات والتخطيط وزارة الاقتصاد الوطني.
"بلغت حصة الصناعات الغذائية في السوق الفلسطيني 55% (بزيادة قدرها 10% عما كانت عليه قبل الحرب). فمثلاً، وصلت حصة قطاع منتجات الأجبان والألبان الى 80%، وباتت تأخذ الحيز الاكبر في بعض المحالّ، مع تقلص يصل أحياناً حد الاختفاء في بعض المحالّ للمنتج الاسرائيلي"، يؤكد يوسف.
ويضيف: "كذلك تجاوز قطاع الأدوية نسبة 50% بعدما بلغ 40%، وتجاوزت حصة قطاع الصناعات الكيميائية 60%، وحصة قطاع الأثاث نسبة 87%".
وأكدت وزارة الاقتصاد في تموز/ يوليو الماضي أن نسبة المنتجات الإسرائيلية التالفة التي ضبطتها فرق حماية المستهلك بلغت 72%.
على الرغم من الواقع الاقتصادي المرير
تتزامن حركة المقاطعة الكبيرة مع واقع اقتصادي صعب فرضته الحكومة الإسرائيلية اليمينية على الضفة الغربية في العام المنصرم. "بعد بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تراجعت الحركة التجارية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل"، يقول الباحث الاقتصادي مؤيد عفانة.
ويضيف: "وذلك بسبب انكماش دورة الاقتصاد الفلسطيني أو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 35%. الأمر الذي أثر على الحركة التجارية، وعلى القدرة الشرائية لدى الفلسطينيين".
تعطل حوالي 205 آلاف عامل ممن كانوا يعلمون داخل الخط الأخضر (داخل إسرائيل)، والذين كانوا يشكلون مدخولاً شهرياً يُقدر بمليار ونصف الشيكل (ما يعادل 270 مليار دولار)، بحسب عفانة.
"يضاف ذلك إلى احتجاز إسرائيل للضرائب الفلسطينية (المقاصة) التي تقدّر بنحو 10 مليون دولار شهرياً. فأدى كل ذلك إلى وجود أزمة في السيولة وفي القدرة الشرائية لدى المواطن"، يضيف عفانة.
لكن لا يبدو أن هذا الواقع لم ينكّص من مبادرة المجتمع الفلسطيني إلى تعزيز حملة المقاطعة. فبسام قفيشة، يُخضع، برفقة عائلته المكونة من 8 أفراد، مشترياته لعملية فحص.
"تعرف عائلتي أن كل منتج يبدأ رمزه التجاري بـ972 هو منتج إسرائيلي مقاطع. نحن لا نخجل من أن نردّ الضيافة إن كانت تحتوي على هذه المنتجات"، يقول بسام.
أما مجد عروق (32 عاماً) من محافظة جنين، فيعمل شيفاً. يؤكد أنه لا يتعامل مع المنتجات الإسرائيلية حتى قبل الحرب. غير أنه يرى أن معظم المنتجات الوطنية البديلة محصورة في قطاع الأغذية.
"في نظري، لا تشكل هذه المنتجات سوى جزء بسيط من حجم المنتجات الداعمة للاحتلال"، يقول مجد.
لكن رشاد يوسف يؤكد أن المنتجات الوطنية باتت تحتل حيزاً أكبر في السوق الفلسطين، خاصة في قطاع المنتجات الغذائية والكيميائية والدوائية التي زادت حصتها الإنتاجية. مدللاً على ذلك بقوله إن حصة المنتج الوطني قبل 3 سنوات لم تكن تتجاوز الـ25%، إلا أنها باتت الآن تتجاوز الـ43%.
فاعلية المقاطعة على الأرض
كمال (اسم مستعار) من رام الله، هو أحد أصحاب شركات التجارة الإلكترونية المتخصصة في تسويق مستحضرات التجميل والعناية بالبشرة ذات العلامات التجارية. أسس شركته قبل 3 أعوام، وامتد نطاق توزيعها في الضفة الغربية والداخل الفلسطيني. يقول: "قبل الحرب كان الإقبال كبيراً على الماركات التي تمتلك وكلاء إسرائيليين. ووصلت المبيعات نحو 67 ألف دولار شهرياً".
ويردف: "لكن منذ بدء الحرب على غزة، تراجعت المبيعات بشكل كبير، ولم تعد تزيد عن 5% من حجم المبيعات السابق. بات الزبائن يسألون عن أصل المنتج ويلغون طلبياتهم حين يعلمون أن الوكيل إسرائيلي".
يؤكد الباحث مؤيد عفانة أن حركات المقاطعة خلال الحرب الحالية عملت على توظيف أدوات عمل متعددة للتوعية وتوجيه المواطنين، كنشرها قوائم السلع الإسرائيلية أو الأمريكية، لمصلقات تفاعلية وأرقام "الباركود" الإسرائيلية في مراكز التسوق وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي.
وتُعد مجموعة مقاطعة المنتجات الاسرائيلية / Boycott Israeli Products، إحدى أبرز المجموعات التي أنشأت بعد الحرب على القطاع. وهي صفحة مخصصة للتعريف بالمنتجات الإسرائيلية والعلامات التجارية المقاطعة، وبالمنتجات البديلة والوطنية.
تقول مريم داغر، إحدى المشرفات على المجموعة: "تردنا استفسارات من دول عربية وأجنبية حول المنتجات البديلة للمنتجات الأجنبية، علماً ان المجموعة تضم أشخاصاً ذوي خلفيات مهنية مختلفة، يعملون من أجل تحديد المنتجات المقاطعة بالدلائل المثبتة".
ها هي فرصة حقيقية للمنتج الوطني؟
"تعد هذه المقاطعة فرصة من أجل استثمار هذا الجهد، سواء من منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص والحكومي، من أجل تعزيز المنتج الوطني، وحتى لا نعود لنمط الاستهلاك القديم للمنتجات الإسرائيلية"، يقول يوسف.
يعتبر التاجر هو الآخر أن المقاطعة اليوم باتت تمثل فرصة حقيقية للمنتج الوطني. فيقول: "لأجل ذلك، اقترحت على أحد كبار التجار في الضفة الغربية أن يغتنم هذه الفرصة ويبحث عن منتجات بديلة. وبالفعل، دخلت شحنته الأولى في نيسان/ أبريل الماضي، وتم تسويق الشحنة بالكامل خلال شهر واحد. فارتفعت مبيعاتي من البدائل بنسبة 150%".
بدوره، يوضح أحمد حمّاد، مسؤول التسويق والعلاقات العامة في شركة للمشروبات الغازية والعصائر والمياه، أن شركته التي بدأت بإنتاج منتج غازي عام 2020، بمعدل 5 آلاف صندوق يومياً لتوزّع في ثلاث أو أربع نقاط في الضفة الغربية، شهدت تنامي في حجم الطلب.
ويتابع: "تم تركيب خطوط إنتاج جديدة، وتضاعف عدد العمال، وبات المصنع يعمل 24 ساعة كي نتمكن من تلبية الطلب الموجود في السوق، فتضاعف حجم الإنتاج 3 مرات".
ويضيف حمّاد: "مثلت المقاطعة في ظل الحرب الحالية، فرصة لكل المصانع والمنتجات الفلسطينية، في أن يكون منتجهم قيد التجربة من قبل المستهلك. فقد توجه هذا لشراء المنتج الإسرائيلي أو الأجنبي باحثاً عن معايير الجودة. وعليه، فإن العامل الأساسي في الاستمرار في رفع سقف الطلب هو الجودة".
في هذا السياق، يرى عفانة أن المقاطعة رفعت آفاق المنتج الوطني. فهذا يعني تشغيل للأيدي العاملة الفلسطينية، ورفد الخزينة العامة بالضرائب المختلفة، وخلق دوران لعجلة الاقتصاد المحلي.
ويضيف: "يستوجب على الشركات الفلسطينية رفع جود منتجاتها لكي تقنع المستهلك وتحل محل المنتجات المقاطعة"، مشيراً إلى أنه يرى أن المقاطعة قد تكون "حملة موسمية".
لكن هل يمكن قطع العلاقة التجارية بين السلطة وإسرائيل؟
تبرز النتائج الأولية للصادرات والواردات السلعية الفلسطينية، حسب منطقة الحركة التجارية، الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في أيار/ مايو 2024، إلى أن إجمالي الواردات من إسرائيل خلال الربع الأول من العام الجاري بلغت 896.3 مليون دولار، بعد أن بلغت 1209.1 مليون دولار في الفترة نفسها من عام 2023، أي بانخفاض قدره 312.8 مليون دولار.
الأمر الذي يعني انخفاض الواردات بما يقارب 30% في بعض الأشهر بحده الادنى، فيما تجاوزت نسبة 50% في أشهر أخرى.
وحول الطبيعة التي تنظم العلاقة التجارية ما بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، يوضح عفانة: :"ما يحكم الاتفاقيات بين الطرفين هو بروتوكول باريس الاقتصادي الموقع عام 1994 ( كملحق لاتفاقية أوسلو التي وقعت بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل)، وينص على أن تكون منطقتي الطرفين ضمن غلاف جمركي واحد، يتم من خلاله تبادل البضائع والتجارة".
"لكن مع الأسف، فإن السلطة الفلسطينية تتكئ على إسرائيل في كل ما يتعلق بوارداتها مع العالم الخارجي، بحكم سيطرة الأخيرة على كل المعابر والحدود"، يقول عفانة.
ويردف: "إن حركة التجارة بين الطرفين نشطة، علماً أن برتوكول باريس تم إعداده ليعمل به لسنوات معدودة. لكن العمل به استمر، واستمر تقييد السلطة الفلسطينية".
ويشير إلى أن الفلسطينيين يستوردون من إسرائيل الأجهزة الكهربائية والسيارات والبترول وطاقة الكهرباء بنسبة 86%. ويواجهون نقصاً في السوق الفلسطيني لبدائل المنتجات الإسرائيلية المتواجدة في السوق.
بحسب عفانة، فإن ثمة حركة تجارة عكسية من السلطة الفلسطينية إلى إسرائيل. لكنها محدودة وتتركز في بعض أنواع الخضار، والحجر الخام. وعليه، فإن الميزان التجاري بين الطرفين هو ميزان مكسور لصالح الجانب الإسرائيلي".
ويعتبر الباحث الاقتصادي أن إسرائيل تعدّ مناطق السلطة سوقاً ثانية بالنسبة لها. وبالتالي، فإن كل شيكل تتم مقاطعته من إسرائيل يقلل من درجة تحكم إسرائيل بأموال الضرائب الفلسطينية، ويزيد فرصة عمل المصانع الفلسطينية، سيما وأن نسبة البطالة في الضفة بلغت 50%.
ويوضح رشاد يوسف، مدير عام السياسات والتخطيط في وزارة الاقتصاد، أن السلطة، بحسب الاتفاقيات، لا تستطيع منع دخول المنتجات الإسرائيلية إلى السوق الفلسطيني.
ويختم: "لكننا نعتمد سياسة تعزيز المنتج الفلسطيني من حيث الجودة والتوسع في الإنتاج، في سبيل إتاحة منافسة حقيقية أمام المنتج الإسرائيلي".
المصدر: رصيف 22