وطن للأنباء: حمل الإضراب العام الذي دعا إليه اتحاد نقابات العمال الإسرائيلي "الهستدروت" رسائل متعددة، غير تلك التي أعلنها بإغلاق الاقتصاد في "إسرائيل" ليوم واحد -يوم الاثنين الماضي- لمطالبة حكومة اليمين بإنجاز اتفاق لتبادل الأسرى مع حركة حماس، بعد مقتل 6 مُحتجزين من ضمنهم أمريكي، في قطاع غزة.
ولا يخفى على المُتابع المعاني الكبيرة وراء تصريح مسؤول الإعلام في الهستدروت، وقال فيها "نتصرف بمسؤولية، ومن لا يتصرف بمسؤولية هي وزارة المالية ومن يشرف عليها"، في إشارة واضحة إلى معاناة المصالح الاقتصادية، وقطاعات واسعة من العمل والعُمال في "إسرائيل"، جراء استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
خسائر إغلاق الاقتصاد الإسرائيلي ليوم واحد تقدر بـ2 مليار شيكل
ورغم إصدار محكمة العمل الإسرائيلية أمراً يقضي بإنهاء الإضراب منتصف يوم الاثنين الماضي، إلّا ان الإضراب أدى الغرض المطلوب منه، وتقدر خسائر الاقتصاد الإسرائيلي جراء إغلاق الاقتصاد ليوم واحد فقط بـملياري شيكل، كما يوضح المستشار الاقتصادي ومدير المنتدى الاقتصادي العربي عمر فندي.
وقال وزير المالية بتسلئيل سموتريش، الذي طلب تقديم التماس إلى المحكمة في حينه، بعد الحكم: "قبلت المحكمة موقفنا وقررت أن إضراب الهستدروت سياسي وغير قانوني".
ويقول فندي في حديثه لـ"نشرة وطن الاقتصادية"، وتبث عبر شبكة وطن الإعلامية، إن الدعوة لإضراب عام في "إسرائيل" وانخراط قطاعات واسعة في الإضراب "البنوك والمدارس والمواصلات والمطار"، مؤشرٌ على تداعيات الحرب الإسرائيلية المُدمرة على قطاع غزة، وارتدادتها العميقة على الاقتصاد الإسرائيلي.
وجرت العادة في إسرائيل على تأجيل النقاشات المُتعلقة بالقضايا الاقتصادية والاجتماعية، وإعطاء الاولوية للقضايا الأمنية والتهديدات الاستراتيجية، ولكن معاناة الاقتصاد الإسرائيلي تتفاقم مع استمرار العدوان على غزة للشهر الحادي عشر على التوالي، وهذا ما يُفسر التصريحات الأخيرة لمسؤول الإعلام في الهستدروت.
تحذيراتٌ مُتتالية من كارثة اقتصادية ستحل بـ"إسرائيل"
وأكثر من ذلك أطلقت وزارة المالية تحذيراً من كارثة اقتصادية ستحل بإسرائيل، ودعا خبراؤها إلى تقليص الإنفاق ورفع الضرائب، ويشير فندي إلى لقاء جمع مدير مكتب وزارة المالية بمدير مكتب المُلحق الاقتصادي في مجلس الوزراء الإسرائيلي، بعد رسالة توبيخ وجهها وزير المالية بتسلئيل سموتريش، لمدير مكتبه بشأن تحذيراته الاخيرة.
ويذكر ضيفُنا أن أكثر من 300 خبير اقتصادي في إسرائيل تبنوا موقفاً مُماثلاً في وقت سابق، إضافة إلى تحذيرات مُماثلة لمحافظ بنك إسرائيل المركزي أمير يارون، ويُضاف إلى ذلك إشارات الهستدروت خلال الأسبوع الأخير.
معطيات صادمة .. الاقتصاد الإسرائيلي وصل إلى مرحلة صعبة
ويقول فندي إن الاقتصاد الإسرائيلي وصل إلى مرحلة صعبة، في ظل انسداد الأفق، وإغلاق المصالح وإعلان إفلاس عدد غير قليل من الشركات، وارتفاع معدل البطالة، وتعطل العمل في مناطق الشمال والجنوب، إضافة إلى نزوح عديد الاستثمارات في قطاع التقنة العالية إلى خارج إسرائيل، ويعتبر واحداً من أهم القطاعات الاقتصادية الحيوية في "إسرائيل".
ويشير أيضاً إلى ارتفاع الدين العام في "إسرائيل"، جراء رفع الفائدة بأكثر من 10 مليار شيكل سنوياً، إضافة إلى الانكماش الاقتصادي وتباطؤ النمو، في ظل ارتفاع الانفاق العسكري على الحرب المُستمرة على غزة.
وأنفقت "إسرائيل" 88 مليار شيكل (نحو 24 مليار دولار) على الحرب حتى الآن -وهو ما يقارب 5% من الناتج المحلي الإجمالي- وجمعت أكثر من 190 مليار شيكل حتى تموز الماضي، للمساعدة في تمويل الجيش وسد العجز المالي.
ويُضاف إلى ذلك تخفيض التدريج الائتماني لإسرائيل مع الإبقاء على نظرة سلبية للاقتصاد الإسرائيلي، وهو ما يعني المزيد من تخفيضات التدريج الائتماني في المُستقبل القريب من جهة، وإلى ما يعرف بالهروب الجماعي للاستثمارات من جهة أخرى.
وبينما تبدو التحذيرات من كارثة ستحل باقتصاد إسرائيل تحذيرات واقعية استناداً للمُعطيات السابقة، يستمر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزير المالية سموتريتش بإنكار وجود أزمات اقتصادية وترحيلها، رغم تزايد الانتقادات لهما بشأن إدارة المال العام في إسرائيل.
استراتيجيات إدارة المال العام في "إسرائيل" مُتضادة
وفي تعليقه على ذلك يقول فندي إن المُشكلة الأساسية تتمثل بالاستراتيجيات المتضادة، موضحاً أن الخبراء في وزارة المالية يبحثون عن حلول من شأنها تحصين الاقتصاد الإسرائيلي على المدى البعيد، رغم التوقعات باستمرار معاناة الاقتصاد الإسرائيلي حتى نهاية العام 2027 في حال وقف الحرب على غزة الآن، بينما يولي وزير المالية الأهمية للمشاريع الاستيطانية، وتوزيع الميزانيات على قاعدته الانتحابية، بما يضمن فرص حزبه في الانتخابات القادمة.