حرب غزة ولعنة "إسرائيل"

16/07/2024

كتب نضال أبو عيشة : برزت القضية الفلسطينية إلى الواجهة الدولية مرة أخرى، لتمثل مشكلة تؤرق العالم وتتصدر الأخبار العالمية، بسبب الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة منذ الثامن من أكتوبر الماضي، إذ خرقت إسرائيل القانون الانساني الدولي الذي يشمل المبادئ والقواعد الدولية الناظمة لشؤون الحرب، من خلال استهدافها المباشر للسكان المدنيين، والمرضى والجرحى، والمعاملة اللاإنسانية للمعتقلين والأسرى، وكذلك استهداف المستشفيات والمؤسسات المدنية والحكومية وأماكن العبادة، والتعرض لأماكن النزوح التي اعتبرتها اسرائيل آمنة.

ووفق عملية ممنهجة استخدمت اسرائيل سلاح التجويع ومنعت ادخال المساعدات الانسانية، مما أوصل القطاع إلى حافة المجاعة وفق العديد من التقارير الدولية. وقد طالت الحرب مكونات المجتمع الفلسطيني وبناه التحتية، ودمرت كل معاني الحياة، حيث أصبح القطاع بيئة غير صالحة للحياة، وسيرى العالم في اليوم التالي للحرب حجم المأساة التي حلت بالقطاع.

القت حرب غزة ومأساتها الممتدة منذ عشرة شهور بظلالها على العالم، تلك الحرب الموسومة بالإبادة الجماعية ومآلاتها المبهمة، ومن جانب آخر التخوّف من اتساع رقعة الحرب وامتدادها لتصبح إقليمية في ظل التوترات على الجبهة اللبنانية، وما يترتب عليها من تهديد للمصالح الأمريكية والغربية في المنطقة العربية وتهديد لسلم والأمن الدوليين. وقد أبدت أمريكا وغالبية الدول الغربية تأييدها وتضامنها مع إسرائيل تحت ذريعة حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها، وبفضل الغطاء الدبلوماسي الأمريكي واستخدام حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن استطاعت إسرائيل تجاوز مجلس الأمن والمساءلة الدولية، لتبقي دولة فوق القانون الدولي وبتحدٍ صارخ للمنظومة الدولية وعدم احترام لمؤسساتها، مما أثار استياءً على الصعيد الدولي من إسرائيل وسياسة أمريكيا.

وعلى الرغم من عجز المنظومة الدولية لفرض ارادتها على إسرائيل وامتثالها للقانون الانساني الدولي، فقد كانت أولى ردات الفعل على بربرية إسرائيل من جنوب افريقيا، وليس من أدعياء الديمقراطية الغربية أو من الدول العربية أو الاسلامية، التي بادرت لرفع دعوى قضائية ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكابها ابادة جماعية في قطاع غزة، ودعمها العديد من الدول، وتبع ذلك قرار غير مسبوق من كريم خان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لإصدار أوامر قبض بحق رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه ويوآف غالانت، كونهما يتحملان المسؤولية الجنائية عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتُكبت في قطاع غزة. وهذا بدوره إن تم سيضع نتنياهو وغالانت في قائمة المطلوبين للعدالة الدولية بارتكابهم جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية في قطاع غزة، وسينضم نتنياهو وغالانت إلى قائمة الرؤساء المطلوبين للعدالة الدولية.

ولم تقف ملاحقة إسرائيل على ذاك الحد، فقد أبلغ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بتاريخ 7/6/2024 إسرائيل أنه سيتم إدراجها لأول مرة في "قائمة العار" الصادرة عن الأمم المتحدة، والتي ترفق بالتقرير السنوي الصادر عن مكتب الأمين العام للأمم المتحدة، بسبب الانتهاكات ضد الأطفال خلال النزاعات المسلحة، مما يعتبر سابقة لدولة ديمقراطية. كما انعكست صورة الإبادة الجماعية في قطاع غزة على الرأي العام العالمي، فانتشرت المظاهرات والمسيرات المؤيدة للشعب الفلسطيني والمناهضة للحرب في العواصم والمدن الغربية، بما في ذلك الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأمريكية المرموقة، والمطالبة بوقف الحرب وقطع العلاقات الأكاديمية بين تلك الجامعات وإسرائيل، وسارعت إسرائيل باستدعاء مظلوميتها التاريخية واتهام القائمين على الاحتجاجات بمعاداة السامية وكراهية اليهود، رغم انخراط العديد من اليهود غير الصهيونيين بالاحتجاجات المناهضة للحرب.

أمام حجم المأساة وحرب الابادة الجماعية، أسمهت اجراءات محاكمة إسرائيل وقادتها ووضعها في قائمة العار وحالة التضامن الشعبية في اهتزاز صورة إسرائيل في العالم وتآكل رصيدها في الغرب، فبعد أن كانت توصف بواحة الديمقراطية في قلب الصحراء القاحلة المحاطة بالأنظمة الاستبدادية، وبانتمائها إلى العالم الغربي، ستنضم إسرائيل إلى صف دول العالم الثالث والجماعات المصنفة ارهابية التي ارتكبت ابادة جماعية وانتهاكات بحق الأطفال، وستنزع عنها أكذوبة الجيش الأكثر أخلاقاً التي روجت لها الدعاية الإسرائيلية وتماهى معها الاعلام الغربي، وستشكل تلك الاجراءات لعنة تلاحق إسرائيل وتوصمها بالعار، وقد ينعكس التغير في الرأي العام في أمريكا وأوروبا على سياسات تلك الدول تجاه إسرائيل ويعرضها للإدانة والنبذ والعزلة في العالم الغربي وإن لم يكن في المنظور القريب.

منحت حرب غزة على الرغم من سوئها وبشاعتها بعداً ايجابياً للقضية الفلسطينية، فأعادت ملفها إلى الواجهة الدولية وعلى سلم أولوياتها من جديد، مما منح القضية زخماً دبلوماسياً يستوجب استغلاله واستثماره سياسياً لصالح القضية الفلسطينية، فالمنظومة الدولية والإقليمية انشغلت بما يجري بفلسطين، وارتفعت الأصوات المطالبة بحل عاجل للقضية الفلسطينية. ومقابل حالة الفعل والتضامن الدولي الرسمي والشعبي، وبسالة المقاومة وصمود سكان غزة الأسطوري، مازالت النخبة السياسية الفلسطينية تراوح مكانها رغم الأخطار المحدقة بالشعب الفلسطيني في شطري الوطن، ويطغى الانقسام على مواقفها وآليات التعامل مع تبعات الحرب، فقطاع غزة يشهد حالة تفكيك للمجتمع وحرب ابادة، وبالضفة الغربية تمارس سياسات التهويد والضم الصامت للأراضي واجتياح يومي للمدن الفلسطينية خاصة شمال الضفة، وانحسار دور السلطة الفلسطينية وتفريغها من مضمونها السياسي. فإن لم يكن اليوم متى ستلتقط النخبة السياسية الفرصة وتتجاوز معضلة الانقسام السياسي، والالتفات داخلياً نحو تحقيق الوحدة الوطنية ضمن إطار منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيلها لتمثل الكل الفلسطيني، والاتفاق على برنامج وطني موحد لمواجهة تداعيات الحرب، واليوم التالي لها الذي لن يستطيع طرف فلسطيني لوحده حمل أوزاره؟ دون ذلك يبقى التخوّف أن تستمر الفُرقة والمناكفات السياسية وأن تذهب التضحيات والمكاسب السياسية والمآزرة العالمية ادراج الرياح!.