كتبت رنا رحال:
انا امرأة متزوجة وموظفة في نفس الوقت ،اعمل في كادر التعليم ومعلمة لغة عربية، متزوجة ولدي بنت وولد.
عندما كنت اخرج في الصباح في السيارة،للذهاب الى العمل، كنت ارى الكثير من الاطفال الصغار الذين يتجولون في الشوارع بين السيارات ويقفون امام شبابيكهم ويتداولون"بدي انظف سيارتك ببلاش" ومنهم من يقول"تفضل بكيت المحارم بشيكل" ولكن للصراحة لم اكن اهتم بوجودهم.
الى ان جاء ذلك اليوم، كان يوم عطلتي وكنت في الخارج لأشتري للاولاد قرطاسية المدرسة.
كانت درجة الحرارة منخفضة والجو بارد جداً" الواحد ميت من البرد وما بصدق ويوصل على اليت مش طايق حاله" كانت الشوارع مزدحمة جداً،وفي ظل انتظاري لأن تصبح الاشارة خضراء جاء طفل لا يتجاوز السبع سنوات امام شباك سيارتي، وقال لي" الله يخليلك ولادك اعطيني بس خمسة شيكل او خدي هي علبة الملبس الك" حينها غضبت عليه وقلت له" روح من هون معيش مصاري" بالرغم من ان محفظتي كانت بجانبي وبداخلها ثمن القرطاسية.
واغلقت شباك السيارة وذهبت .
عندما وصلت الى المنزل اي بعد ساعة تقريباً وزخات المطر تسقط بكثرة، قدمت القرطاسية لاولادي عندما كانوا يجلسون امام المدفأة ، هاجموني بالاحضان وقالت لي ابنتي" بحبك ماما وشكراً كتير" عندها فاض قلبي بالفرح ، ثم جاء ابني الاخر وقال لي" بدي اعطي هدول الالوان لصاحبي واشاركه اياهم لانو اكتشفت انو ما معو حق الالوان عشان يشتريهم" هنا تذكرت ذلك الطفل الذي جاء امام شباك السيارة، وهو يرتجف من البرد فقط ليطلب مني "شيكل" من اجل ان يعيش.
تغيرت ملامح وجهي وذهبت الى غرفتي واغلقت باب الغرفة.
بكيت، وحينها تذكرت كم اننا شعب "لئيم" لا يفكر في مصلحة هؤلاء الاطفال والبشر الذين يضطرون الى العمل لساعات طويلة وظروف صعبة من اجل " شيكل" ليعيشوا. فمنهم " بضرب معاه الحظ وبروح بعشرين شيكل طول النهار" ومنهم " بكون مروح وهو محضر حاله للقتلة من اهله".
حاولت ان انام في هذا اليوم لكي انسى ما رأيت، وكانت امنيتي الوحيدة ان استيقظ واسمع ان هؤلاء الاطفال يعيشون الحياة التي يحلمون بها وفي ظروف جيدة ومناسبة لهم. فابسط الاشياء التي نمتلكها هي " اكبر هدية لهدول الاطفال او يمكن حتى حلم بالنسبة الهم".
كم يحرقني قلبي عندما ارى شاب وسيم يبلغ من العمر عشرون عام يتجول في الشوارع وبيده "رزمة ملاقط" يبيعها بثمن جدا رخيص يساوي " خمس شواكل" من اجل ان يعيش.
اخيراً، اود ان اقول : ان الاسير ليس فقط من يخرج بعد سنوات من السجن وتنتظره زخات الفرح والاغاني والزغاريت بعد معاناة الاحتلال. وانما هؤلاء الاطفال والبشر الذين يقفون امام سيارات الناس ويتحملون الشتائم والكلمات التي تكسر قلوبهم، هم اسرى أيضاً، لم يتحرروا بعد من عبودية وظلم الحياة والبشر لهم، فهي معناة أيضاً بالنسبة لهم.
فعسى ان يتحرر اسير الشارع يوماً ما…