من هو "المتصهين" ؟

16/04/2024

كتب  الدكتور أيوب عثمان: "المتصهين" وصف يطلق على من يؤمن بالرواية الصهيونية ويعترف بصحتها لاحتلال-بل لاستعمار-فلسطين، ويروج لها، داعيا إلى تقبلها وتقبل تبعاتها، باعتبارها أمرا واقعا وحقيقيا لا مكنة لدحضه أو التناقض معه، ولا مجال لتغييره او تحويله او تعديله. "المتصهين" هو الذي يسلم بحق اليهود في اغتصاب الأرض الفلسطينية، ويؤيد-بل يدعم- بقاء دولة الاحتلال الصهيوني، بل لعل المرء لا يبالغ لو قال إن "المتصهين" هو من يرفض من الباب-أي قبل بدء الحوار- أي وصف يسيء إلى "الصهيونية"، ما يعني ان "الصهيونية"وقتما تكون مثارا لحديث او موضوعا لحوار، فإنه ليس لك إلا ان تتحدث عنها وگأنها زهرة جميلة أو درة ثمينة مكنونة او أيقونة نادرة عزيزة او زنبقة أخاذة أو وردة شديدة الجذب بما تنثره من عطرها الفواح!!!

غير ان المضحك المبكي هو أن ترى من يعتقد ان الذي لا يؤمن بالصهيونية، فإنه سيجد ان كل أبواب الخير والنمو والتمدن والتطور والتحضر والتقدم ستبقى في وجهه، على الدوام، موصدة. وعليه، فإن شعار "المتصهين" هو: "كن صهيونيا، يفتح لك كل باب، ويتحقق لك كل مراد"، وهو ما أوصل العالم العربي-مع أبلغ الأسف وأشده- إلى قناعة مؤسفة بائسة مفادها أنه لم يستطع اللحاق بركب التقدم والتحضر بسبب
عدم ترسمه خطى"الصهيونية" وعدم اقتفائه أثرها، بل وفي الأصل عدم إيمانه بها، الأمر الذي دفع بعض رؤساء العرب وملوكهم إلى التطبيع مع دولة الاحتلال، سائرين على درب "التصهين"السريع، على امل اللحاق بركب العالم المتحضر الذي تقف دولة الاحتلال الصهيوني في أوله وتتمركز على ٱخره!!!

أما "المتصهين العربي"، فهو ذلك الذي لا يرحب بالتطبيع فحسب، وإنما أيضا هو الذي يسعى إليه، بل يلهث وراءه، باذلا أقصى الجهد لتحقيقه وتطويره، حتى أنه بلغ في ذلك مبلغا بات يحثه ويحفزه على ان يهاجم من يهاجم "التطبيع" ويعادي من يعاديه.
وعليه، فإن "المتصهين العربي" قد أصبح مبلغ سعيه وأقصى جهده منصبا على أن ينفك من الارتباط العربي بفلسطين وشعبها وقضيته التي لم يعد يعتبرها عادلة ولا واجبا وطنبا وإسلاميا مقدسا، بل بات يراها قضية لم تجلب له إلا العوار  والبؤس والتخلف. وعليه، فإن عدد "المتصهينين العرب" ٱخذ في التزايد، لا سيما وإنهم لا ينفكون عن بيع الأوهام بأن أمة العرب لم يعد لها من رافعة تنتشلهم  مما هم فيه من عثر الحال والتخلف وسوء المٱل، لتضعهم على طريق النهوض والتقدم سوى التعامل مع دولة الاحتلال عبر التطبيع وما يليه من تبعات "صهينة"و"تصهين"، على انه ليس أدل على حقيقة "جني الأوهام" من أن نشير إلى معاهدتي "كامب ديفيد"   و "وادي عربة" اللتين لم تنتجا أي  شيء ولم تحققا أي كسب لهذين الشعبين والبلدين الشقيقين في مصر والأردن.

إن أي خطوة(كعقد معاهدات سلام) من شأنها أن تضفي على الاحتلال الصهيوني قيم الإنسانية والسلام والعدل والمساواة والأخلاق ، فإنها تعد عملا من أعمال "التصهين", لا سيما وإن مثل هذه المعاهدات إنما تعني امرا واحدا لا ثاني له وهو "التعبير عن قبول فاسد ومعيب وموافقة ٱثمة ومؤثمة -إنسانيا وأخلاقيا وقانونيا- على جريمة تاريخية مستشنعة ومستبشعة اقترفتها الحركة الصهيونية حين اقتلعت، بقوة السلاح، شعب فلسطين من أرضه وقامت بتشريده وتهجيره.

اما "المتصهين الاخطر", فهو ذلك الذي أزعجه-إيما إزعاج-  أولئك الذين قالوا بيقين مع أمل كاد يعانق عنان السماء بعد الطوفان: "سنفطر في القدس وسنصلي في الأقصى", حيث راق له أن يعتبر ذلك عجرفة وسخافة إخوانية أو جنونا إسلامويا او استعلاء حمساويا فيه من الهراء والغباء والتفاهة أكثر مما فيه من شدة الرسوخ والثبات وقوة اليقين والصلابة والرصانة والنباهة، ناسيا او متناسيا أن "القدس" كما في التاريخ، دوما، وستبقى قضية العرب والمسلمين، اي قبل أن تعرف الدنيا أي شيء اسمه "الإخوان المسلمون"، أو حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، أو حركة الجهاد الإسلامي، أو حزب الله، او جند الله، او أنصار الله.

وبعد، فلتسمع-يا هذا-جيدا، ولتع:

★أن "المتصهين" ليس هو من تفرغ لحفر مئات الكيلومترات من الأنفاق: هجومية ودفاعية وتصنيعية وتخزينية وتكتيكية واستراتيجية..، وإنما هو الذي يصر على تصغير عمل بطولي عملاق وخطير مثل هذا العمل المتقن الجبار الذي لا يمتشقه إلا قوم من العظماء الجبابرة وأصحاب  البطولات النادرة والإنجازات الخارقة.
★أن "المتصهين" هو من يقزم عملا وطنيا مهما ضخما وكبيرا بحجم عمل(الأنفاق)الإعجازي,  فيبذل كل جهده لإشاعة أنها  لم تكن لهدف وطني، وإنما  لحماية مشروع خارجي.
★أن "المتصهين"هو من يقلب الحقائق فيشوه فعل المقاومة، ويشيع باطل الكلم والأراجيف ويروج من الإشاعات أسوأها، نصرة وانتصارا لعدوها حتى انه يدعي-كذبا وزورا وبهتانا- ان صواريخ المقاومة لم تقتل خلال 20 سنة إلا 17 إسرائيليا كان منهم (11 قتلوا ذعرا!!!)، فيما أصابت 67 بالعلع، وأن صواريخه بتقنيتها الإيرانية قد قتلت من أهل غزة بسبب فشل الإطلاق أكثر مما قتلت من إسرائيليين، وانه أخذ المدنيين والمنازل والجامعات والمدارس والمشتشفيات دريئة له وساترا ودرعا، وأنه جعل من رفح خلال 6 أشهر اكبر درع من اجساد الأطفال والنساء و...و...  ليحتمي به، وأنه يفاوض على حفظ رأسه اولا وعلى بقائه في الحكم ولو على مستوى  "شرطي بلدية"!!!
★أن "المتصهين" إذا كان كما تقول-يا هذا-هو الذي يتحالف مع من يضمر أعظم الشرور للسعودية والإمارات والبحرين،   فماذا تكون انت- بالله عليك- وأنت تدافع عن "المتصهينين المطبعين" مع دولة الاحتلال الصهيوني?! وماذا يكون اولئك الذين يقيمون في بلد الرسول الكريم احتفالات ومهرجانات دولية فاضحة، حيث بعضها مسابقات لملكات الجمال ذوات الصدور والأثداء اللقلاقة العارية، وبعضها للتعري النسائي المحرم والمخجل والمعيب، فيما بعضها مسابقات  للأكثر جمالا بين الكلاب?!
★أما وصف نفر من الشعب الفلسطيني-أبطال المقاومة- بأنه "لا يعدم وسيلة لطعن اي وفاق وطني او مصلحة وطنية شاملة"، ما استحق وصفك له- يا هذا-بأنه "متصهين"، فهو وصف يعتريه تشويه متعمد وفساد مصنوع وخلط وزيف مقصود وكراهية ممقوتة. هذا فضلا عما يعوز هذا التشويه والخلط والكراهية المصنوعة من إثبات حجة لا مكنة لك ولا لغيرك ممن اختلق هذا التشويه والإرجاف أن يقيم أي دليل على صحتها.
★"المتصهين" هو كل من يرى ان نقل السفارة الأمريكية إلى "القدس" أمر عادي ليس فيه أي إزعاج أو غرابة أو استعداء!
★"المتصهين" هو الذي يعتبر الاعتداءات الصهيونية اليومية على مدينة القدس ومقدساتها  وأهلها كأنها أحداث عادية عابرة لا مكان لها عنده ولا قيمة!!!
★"المتصهين" هو كل من لا يهمه ولا يزعجه هذا الموت أو الغياب العربي عما يجري لغزة بشجرها وحجرها وبشرها من أطفالها ونسائها وعموم أهلها منذ أكثر من نصف عام (193 يوما!!!).
★"المتصهين" هو الذي لا يرى غرابة، أو إزعاجا، أو احتقارا، او حقارة، أبدا، في ان يتسابق القادة العرب من ملوك ورؤساء وأمراء نحو التطبيع مع دولة الاحتلال الصهيوني.
★"المتصهين" هو ذلك الخارج  عما تربينا عليه من أصول في صدارتها ان "فلسطين" عربية وإسلامية، القدس عاصمتها، والأقصى والمسرى درتها وتاجها.
★"المتصهين" هو من تقنعه دعاوى "الصهينة" وتستميله أحابيل "التصهين" ومشهياته!!!
★"المتصهين" هو من يوجه السباب والاتهامات والتشويه والشتائم بدلا من الشكر والثناء والدعاء للمقاومة التي أعادت فلسطين إلى مخ العالم ونبضه وسمعه وبصره بعد ان نسيها أو تناساها ولم يعد يذكر او يتذكر اسمها إلى ان حملتها (المقاومة) بإيمانها وقوتها ومجدها وشدة بأسها لتضعها في مركز الاهتمام العالمي وبؤرته.
★"المتصهين" هو من يسعده ويثلج صدره أن يرى الغارات الصهيونية المحمومة تمزق الأطفال والنساء أشلاء!!!
★"المتصهين" هو ذلك الذي توجهه وتحكمه حزبية حمقاء عوراء، فيسعده ما ينصب على المقاومة وأبطالها من فواجع.
★"المتصهين" هو ذلك الذي ينتظر بفارغ الصبر والانتشاء فشل المقاومة، متمنيا لها الهزيمة والانكسار أمام عدوها المحتل.
★"المتصهين" هو من تتملكه  شماتة القتل والدماء والجراح وهدم البيوت والمؤسسات والمدارس والجامعات في قطاع غزة.
★"المتصهين" هو ذلك الذي يعبر عن ارتياحه-إن تلميحا او تصريحا- لما يجري لأهل غزة، عقابا لهم على وقوفهم خلف المقاومة ودعمهم لها.
★"المتصهين" هو من يشعر بالمزيد من الراحة كلما ازداد الاحتلال الصهيوني علوا في قوته وفي مكنته، وعتوا في بطشه وإجرامه وجبروته.
★"المتصهين" هو ذلك الذي يشجع الاحتلال على أفاعيله وإجرامه، أملا في التخلص من فلسطين وقضية شعبها التي بات كثير من العرب يدعون ويؤمنون أنها كانت سببا مباشرا للتخلف العربي، وإهدار المال العربي أيضا، متذرعين بأنه لولا ما كان من الانشغال العربي بهذه القضية، لما كان لهم هذا القسط الكبير من الخسران والتخلف!!!
★أما "المتصهين" الذي لا قبله "متصهين" ولا بعده، فهو ذلك الذي يصف "طوفان السابع من أكتوبر" بالصهينة أو التصهين، كما يصف من يؤيد المقاومة او من يدعو لها بالنصر والتمكين بأنه "المتصهين".
★"المتصهين" هو ذلك الذي يدعو إلى التعامل مع دولة الاحتلال الصهيوني وإلى عدم مقاطعتها.
★"المتصهين" هو من يحمل رسالة صهينة وتصهين مؤداها أن الشعب الفلسطيني بقضيته العادلة قد أصبح على العرب عبئا لم يعودوا يطيقون حمله، وكأن شعب فلسطين المحتلة أرضه والمطرود من بلاده، هو المعتدي، وكأن دولة الاحتلال الصهيوني هي المسالمة وهي المعتدى عليها وهي التي تدعو إلى المحبة والحرية والعدل والإنسانية، ساعية إلى عالم عربي تسود فيه قيم العدالة والإنسانية والمساواة والسلام والتقدم والحرية!!!

وبعد، فإن صح، يا هذا، ما قد وصفت "المتصهين" به، فاعلم أن فيك منه أكثر كثيرا مما قد ذكرت عنه، الأمر الذي يدفعني، الٱن، إلى أن أختم بأمرين:

أولهما: أن المثل العربي المأثور "رمتني بدائها وانسلت" منطبق عليك تمام الانطباق، ذلك انك أنت الذي ألصقت بغيرك وصفا هو في الأصل لك وفيك.
وثانيهما: عد إلى هذا المقال، واقرأه من أوله مرة، ومرة، ومرات، عسى أن تعرف أكثر من هو "المتصهين"!!!