ريما كتانة نزال تكتب لوطن: جيل ديفير شكرا

21/11/2023

 انها الرسالة التي وجهها المحامي الفرنسي الشهير "جيل ديفير" إلى الشعب الفلسطيني بعد أن انتهى من تشكيل جيش من المحامين يزيد عن ثلاثمئة محامي من جنسيات مختلفة، للترافع بالنيابة عن أهل قطاع غزة والدفاع عنهم ضد دولة الاحتلال بسبب ارتكابها جرائم حرب وإبادة جماعية في حربها العدوانية الراهنة.

ومعروف أن المحامي جيل ديفير كان قد تقدم بدعوى قضائية ضد قادة اسرائيليين في العام 2015 في أعقاب حرب 2014، وكذلك في العام 2009 بعد حرب 2008، متعاوناً فيها مع المجتمع المدني في تقديم قضية الحصار المفروض على قطاع غزة المصنفة كأحد جرائم الحرب وفق القانون الدولي الانساني. 

الخطوة الجديدة لجيش المحامين بقيادة ديفير؛ تتعلق بتقديم دعوى بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية المصنفة وفق القانون الدولي كجريمة حرب، من خلال الأدلة والبيانات الواضحة وضوح الشمس وتتكيف مع القانون الدولي، حيث قصفت اسرائيل البنايات والابراج السكنية على رؤوس أصحابها، وقصفتهم إثناء هجرتهم في الشوارع وكذلك قصفت بيوت الإيواء في المدارس وتم قصف المستشفيات واقتحامها ولم تسلم منها دور العبادة، للتخلص منهم.

ولم يخف القادة الاسرائيليون نواياهم وأهدافهم فقد تم رصد عديد التصريحات الصادرة عنهم التي تتحدث بصراحة عن الهدف، فوزير التراث "ميحاي إلياهو" طالب بضرب قنبلة نووية على قطاع غزة وأن لا مكان على الأرض لمن يرفع العلم الفلسطيني، ووزير الدفاع العنصري شبههم بالحيوانات معلنا قطع المياه والكهرباء والطاقة واي شيء له علاقة بالاحتياجات الانسانية، معبرا عن فكر عنصري وكراهية دفينة ضد غزة لكونهم فلسطينيون يرفضون الخنوع لسلطته كمحتل.   

في الولايات المتحدة الامريكية، حيث الحليف الرئيسي لإسرائيل، وبعد أن تعدلت صورة الحقيقة لدى الرأي العام الأمريكي على يد الناشطين الفلسطينيين والعرب وبمساهمة قوية من المواطنين الأمريكيين بما فيهم اليهود وكذلك الأوروبيين، رفع مركز الحقوق الدستورية في أمريكا دعوى قضائية ضد كل من الرئيس بايدن ووزير خارجيته عن مسؤوليتهم في منع الابادة الجماعية بموجب القوانين والأعراف الأمريكية. وهذا الامر يبشر ان ثمة صحوة عالمية ترفض تجبر اسرائيل ورفضها المطلق للقرارات الدولية.

ويعتبر مركز الحقوق الدستورية أن الدعم الامريكي لإسرائيل بالتوازي مع الاحتلال الطويل الأمد والحصار المحكم، قد أوجد البيئة المناسبة للإبادة الجماعية، وأن امتناع الرئيس بايدن ووزير خارجيته بلينكن عن استخدام نفوذهم لوضع ما يمكنه الاسهام في الحد من القصف الشديد لقطاع غزة عن بكرة أبيه، رغم وضوح الهدف الاسرائيلي للإدارة الأمريكية ممثلة بالرئيس ووزير خارجيته، بإلحاق القتل والضرر الجماعي على الشعب دون المطالبة بوقف الحرب، بل قامت باستخدام حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن لتعطيل اتخاذ قرار بوقفها الحرب..

وباستجماع دلالات الحالة الدولية على مستوى الراي العام الغاضب من اسرائيل وشركائها الغربيين فان هناك من يعتقد ان حبل المشنقة قد اقترب من رقبة اسرائيل التي تمادت في ارتكاب الجرائم والانتهاكات، غير عابئة بالقوانين الدولية معتمدة على حلفائها في حمايتهم من أن تطالهم يد محكمة الجنايات الدولية بناء على اتفاق مبرم مع الولايات المتحدة تعهدت فيه الأخيرة "بمواصلة العمل معًا لمكافحة كل الجهود لاستهداف إسرائيل بشكل غير عادل في أي منتدى، بما في ذلك في الأمم المتحدة أو المحكمة الجنائية الدولية".

لقد أفلتت اسرائيل طويلاً من المثول أمام محكمة الجنايات جرّاء ما ارتكبته من جرائم، والذاكرة الفلسطينية تحتفظ بملفات من سجلات تمكَّن فيها المجرمون من الإفلات من الملاحقة القضائية، سواء عبر التأجيل المتواصل لفتح التحقيق أو حمايتهم من قبل الولايات المتحدة وكان الرئيس السابق دونالد ترامب قد هدد محكمة الجنائيات الدولية برد "قوي وسريع" إزاء "أي محاولة لمقاضاة العسكريين الأمريكيين أو الإسرائيليين أو حتى من الدول الحليفة للولايات المتحدة" مما منع  وصول الضحايا الى العدالة... لكن المدعية العامة في محكمة الجنايات "فاتو بنسودا" أعلنت في آذار 2021 عن فتح تحقيق في جرائم حرب مرتكبة ضد فلسطينيين.

فيما بعد، وقعت عام 2022 الولايات المتحدة والمملكة المتحدة اتفاقيات تعاون مع إسرائيل للتحايل على اختصاص المحكمة الجنائية الدولية في الوضع الفلسطيني.

نحن اليوم نواجه إبادة جماعية، بعد أن قتل الاحتلال حتى اليوم حوالي 12 ألف مواطن ومواطنة في قطاع غزة، منهم 8 آلاف طفل وامرأة. وهو الأمر الذي أكده عدد من أصحاب الواجب والاختصاص الدوليين محذرين من جرائم إبادة قبل أن تضع الحرب أوزارها، وإصدار مجموعة من المقررين الخواص من بينهم توقيع المقررة الخاصة المعنية بحالة حقوق الانسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة "فرانشيسكا البانيز" على بيان صادر عنهم حذروا فيه من جرائم إبادة ترتكب في غزة مطالبين بالتدخل لمنعها ومحاسبة من ارتكبها.

يستحق المحامي الشهير جيل ديفر هو وفريقه من جيش المحامين التبجيل والتقدير لانهم انحازوا الى ضميرهم الحي ومبادئهم الانسانية الحقة، ولان مواقفهم المشرفة تعطي شعبنا بارقة امل ان ثمة كوة ضوء في نهاية النفق الذي بدا مظلما جراء تواطؤ النخب السياسية في الدول الاوروبية وامريكا وشراكتها في الحرب الظالمة على الشعب الفلسطيني، وكنت اتمنى من كل قلبي ان يكون هناك فريقا من الحقوقيين العرب هو من يبادر ليجند حقوقيين وذوي ضمائر عرب واجانب حية للدفاع عن الشعب الفلسطيني وجر قادة الاحتلال قتلة الاطفال والنساء الى محاكم دولية، في مطلق الأحوال نامل بصحوة عربية لكل المؤسسات التي يمكن ان يكون لها دور في  حماية المواطنين الفلسطينيين الذين يواجهون العدوان مكشوفي الظهر، وإلى أن يحصل ذلك فان التقدير والثناء من شعبنا وقواه الحية للمحامي الفرنسي وفريقه هو ثناء مستحق ومقدر على جهدهم الذي لا يقدر بثمن،  ولجرأتهم على قول كلمة حق في وجه سلطان جائر ونظام دولي متعفن ومنحاز بشكل مفضوح للمعتدي والظالم.